( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون    ( 8 ) ) 
هذا صنف آخر مما خلق تبارك وتعالى لعباده ، يمتن به عليهم ، وهو : الخيل والبغال والحمير ، التي جعلها للركوب والزينة بها ، وذلك أكبر المقاصد منها ، ولما فصلها من الأنعام وأفردها بالذكر استدل من استدل من العلماء - ممن ذهب إلى تحريم لحوم الخيل - بذلك على ما ذهب إليه فيها  ، كالإمام أبي حنيفة   - رحمه الله - ومن وافقه من الفقهاء ; لأنه تعالى قرنها بالبغال والحمير ، وهي حرام ، كما ثبتت به السنة النبوية ، وذهب إليه أكثر العلماء . 
وقد روى الإمام أبو جعفر بن جرير   : حدثني يعقوب  ، حدثنا  ابن علية  ، أنبأنا  هشام الدستوائي  ، حدثنا  يحيى بن أبي كثير  ، عن مولى نافع بن علقمة  ، أن ابن عباس  كان يكره لحوم الخيل والبغال والحمير ،  وكان يقول : قال الله : ( والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون   ) فهذه للأكل ، ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها   ) فهذه للركوب . 
وكذا روي من طريق سعيد بن جبير  وغيره ، عن ابن عباس  ، بمثله . وقال مثل ذلك  الحكم بن عتيبة   - رضي الله عنه - أيضا ، واستأنسوا بحديث رواه  الإمام أحمد  في مسنده : 
حدثنا يزيد بن عبد ربه  ، حدثنا بقية بن الوليد  ، حدثنا  ثور بن يزيد  ، عن صالح بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب  ، عن أبيه ، عن جده ، عن خالد بن الوليد   - رضي الله عنه - قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل لحوم الخيل ، والبغال ، والحمير . 
وأخرجه أبو داود   والنسائي  ،  وابن ماجه  من حديث صالح بن يحيى بن المقدام   - وفيه كلام - به . 
ورواه أحمد  أيضا من وجه آخر بأبسط من هذا وأدل منه فقال :  [ ص: 559 ] 
حدثنا أحمد بن عبد الملك  ، حدثنا محمد بن حرب  ، حدثنا سليمان بن سليم  ، عن صالح بن يحيى بن المقدام  ، عن جده المقدام بن معد يكرب  قال : غزونا مع خالد بن الوليد  الصائفة ، فقرم أصحابنا إلى اللحم ، فسألوني رمكة ، فدفعتها إليهم فحبلوها ، وقلت : مكانكم حتى آتي خالدا  فأسأله ، فأتيته فسألته ، فقال : غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة خيبر ،  فأسرع الناس في حظائر يهود ،  فأمرني أن أنادي : " الصلاة جامعة ، ولا يدخل الجنة إلا مسلم " ثم قال : " أيها الناس ، إنكم قد أسرعتم في حظائر يهود ،  ألا لا تحل أموال المعاهدين  إلا بحقها ، وحرام عليكم لحوم الأتن الأهلية وخيلها وبغالها ، وكل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير "  . 
والرمكة : هي الحجرة . وقوله : حبلوها ، أي : أوثقوها في الحبل ليذبحوها . والحظائر : البساتين القريبة من العمران . 
وكأن هذا الصنيع وقع بعد إعطائهم العهد ومعاملتهم على الشطر ، والله أعلم . 
فلو صح هذا الحديث لكان نصا في تحريم لحوم الخيل ، ولكن لا يقاوم ما ثبت في الصحيحين ، عن  جابر بن عبد الله  قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لحوم الحمر الأهلية ، وأذن في لحوم الخيل . 
ورواه  الإمام أحمد  وأبو داود  بإسنادين كل منهما على شرط مسلم  ، عن جابر  قال : ذبحنا يوم خيبر  الخيل والبغال والحمير ، فنهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البغال والحمير ، ولم ينهنا عن الخيل . 
وفي صحيح مسلم  ، عن أسماء بنت أبي بكر   - رضي الله عنهما - قالت : نحرنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرسا فأكلناه ونحن بالمدينة   . 
فهذه أدل وأقوى وأثبت ، وإلى ذلك صار جمهور العلماء : مالك  ،  والشافعي  ، وأحمد  ، وأصحابهم ، وأكثر السلف والخلف ، والله أعلم . 
وقال عبد الرزاق   : أنبأنا  ابن جريج  ، عن  ابن أبي مليكة  ، عن ابن عباس  قال : كانت الخيل وحشية ، فذللها الله لإسماعيل بن إبراهيم   - عليهما السلام - . 
وذكر  وهب بن منبه  في إسرائيلياته : أن الله خلق الخيل من ريح الجنوب ، والله أعلم . 
فقد دل النص على جواز ركوب هذه الدواب ، ومنها البغال . وقد أهديت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغلة ، فكان يركبها ، مع أنه قد نهى عن إنزاء الحمر على الخيل  لئلا ينقطع النسل . 
قال  الإمام أحمد   : حدثني محمد بن عبيد  ، حدثنا عمر  من آل حذيفة ، عن الشعبي  ، عن  دحية الكلبي  قال : قلت : يا رسول الله ، ألا أحمل لك حمارا على فرس ، فتنتج لك بغلا فتركبها ؟ قال : " إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون " . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					