القول في تأويل قوله ( مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته    ) 
قال أبو جعفر   : يعني بذلك جل ثناؤه : شبه ما ينفق الذين كفروا ، أي : شبه ما يتصدق به الكافر من ماله  ، فيعطيه من يعطيه على وجه القربة إلى ربه وهو لوحدانية الله جاحد ، ولمحمد  صلى الله عليه وسلم مكذب ، في أن ذلك غير نافعه مع كفره ، وأنه مضمحل عند حاجته إليه ، ذاهب بعد الذي كان يرجو من عائدة نفعه عليه كشبه ريح فيها برد شديد ، أصابت هذه الريح التي فيها البرد الشديد " حرث قوم   " ، يعني : زرع قوم قد أملوا إدراكه ، ورجوا ريعه وعائدة نفعه " ظلموا أنفسهم   " ، يعني : أصحاب الزرع ، عصوا الله ، وتعدوا حدوده "فأهلكته " ، يعني : فأهلكت الريح التي فيها الصر زرعهم ذلك ، بعد الذي كانوا عليه من الأمل ورجاء عائدة نفعه عليهم .  [ ص: 135 ] 
يقول تعالى ذكره : فكذلك فعل الله بنفقة الكافر وصدقته في حياته ، حين يلقاه ، يبطل ثوابها ويخيب رجاؤه منها . وخرج المثل للنفقة ، والمراد ب "المثل " صنيع الله بالنفقة ، فبين ذلك قوله : " كمثل ريح فيها صر   " ، فهو كما قد بينا في مثله قوله : ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا   ) [ سورة البقرة : 17 ] وما أشبه ذلك . 
قال أبو جعفر   : فتأويل الكلام : مثل إبطال الله أجر ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا ، كمثل ريح فيها صر . وإنما جاز ترك ذكر "إبطال الله أجر ذلك " ، لدلالة آخر الكلام عليه ، وهو قوله : " كمثل ريح فيها صر   " ، ولمعرفة السامع ذلك معناه . 
واختلف أهل التأويل في معنى "النفقة " التي ذكرها في هذه الآية . 
فقال بعضهم : هي النفقة المعروفة في الناس . 
ذكر من قال ذلك : 
7667 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم ،  عن عيسى ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  في قول الله عز وجل : " مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا   " ، قال : نفقة الكافر في الدنيا  . 
وقال آخرون : بل ذلك قوله الذي يقوله بلسانه ، مما لا يصدقه بقلبه . 
ذكر من قال ذلك : 
7668 - حدثني محمد بن الحسين  قال : حدثني أحمد بن المفضل  قال : حدثنا أسباط ،  عن  السدي   : " مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته   " ، يقول : مثل ما يقول فلا يقبل  [ ص: 136 ] منه ، كمثل هذا الزرع إذا زرعه القوم الظالمون ، فأصابه ريح فيها صر ، أصابته فأهلكته . فكذلك أنفقوا فأهلكهم شركهم  . 
وقد بينا أولى ذلك بالصواب قبل . 
وقد تقدم بياننا تأويل "الحياة الدنيا " بما فيه الكفاية من إعادته في هذا الموضع . 
وأما "الصر " فإنه شدة البرد ، وذلك بعصوف من الشمال في إعصار الطل والأنداء ، في صبيحة معتمة بعقب ليلة مصحية ، كما : 
7669 - حدثنا حميد بن مسعدة  قال : حدثنا  يزيد بن زريع ،  عن عثمان بن غياث  قال : سمعت عكرمة  يقول : " ريح فيها صر   " ، قال : برد شديد  . 
7670 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج  قال : قال  ابن جريج ،  قال ابن عباس   : " ريح فيها صر   " ، قال : برد شديد وزمهرير  . 
7671 - حدثنا علي بن داود  قال : حدثنا عبد الله بن صالح  قال : حدثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس ،  قوله : " ريح فيها صر   " ، يقول : برد  . 
7672 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ،  عن هارون بن عنترة ،  عن أبيه ، عن ابن عباس   : "الصر " ، البرد  . 
7673 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : " كمثل ريح فيها صر   " ، أي : برد شديد  . 
7674 - حدثت عن عمار ،  عن ابن أبي جعفر ،  عن أبيه ، عن الربيع ،  مثله . 
7675 - حدثنا محمد  قال : حدثنا أحمد  قال : حدثنا أسباط ،  عن  السدي  في "الصر " ، البرد الشديد  .  [ ص: 137 ] 
7676 - حدثنا محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثنا عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   : " كمثل ريح فيها صر   " ، يقول : ريح فيها برد  . 
7677 - حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد   : " ريح فيها صر   " ، قال : "صر " ، باردة أهلكت حرثهم . قال : والعرب تدعوها "الضريب " ، تأتي الريح باردة فتصبح ضريبا قد أحرق الزرع ، تقول : "قد ضرب الليلة " أصابه ضريب تلك الصر التي أصابته  . 
7678 - حدثني يحيى بن أبي طالب  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا جويبر ،  عن الضحاك   : " ريح فيها صر   " ، قال : ريح فيها برد  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					