[ ص: 264 ] القول في تأويل قوله ( قاتل معه ربيون كثير   )  
قال أبو جعفر   : اختلفت القرأة في قراءة قوله : "قتل معه ربيون " . 
فقرأ ذلك جماعة من قرأة الحجاز والبصرة : ( قتل ) ، بضم القاف . 
وقرأه جماعة أخر بفتح "القاف " و "بالألف " . وهي قراءة جماعة من قرأة الحجاز والكوفة . 
قال أبو جعفر   : فأما من قرأ ( قاتل ) ، فإنه اختار ذلك ، لأنه قال : لو قتلوا لم يكن لقوله : "فما وهنوا " ، وجه معروف . لأنه يستحيل أن يوصفوا بأنهم لم يهنوا ولم يضعفوا بعد ما قتلوا . 
وأما الذين قرأوا ذلك : ( قتل ) ، فإنهم قالوا : إنما عنى بالقتل النبي وبعض من معه من الربيين دون جميعهم ، وإنما نفى الوهن والضعف عمن بقى من الربيين ممن لم يقتل . 
قال أبو جعفر   : وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب ، قراءة من قرأ بضم "القاف " : ( قتل معه ربيون كثير ) لأن الله عز وجل إنما عاتب بهذه الآية والآيات التي قبلها من قوله : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم   ) الذين انهزموا يوم أحد ، وتركوا القتال ، أو سمعوا الصائح يصيح : "إن محمدا  قد قتل " . فعذلهم الله عز وجل على فرارهم وتركهم القتال فقال : أفإن مات محمد  أو قتل ، أيها المؤمنون ، ارتددتم عن دينكم وانقلبتم على أعقابكم ؟ ثم أخبرهم عما كان من فعل كثير من أتباع الأنبياء قبلهم ، وقال لهم : هلا فعلتم كما كان  [ ص: 265 ] أهل الفضل والعلم من أتباع الأنبياء قبلكم يفعلونه إذا قتل نبيهم من المضي على منهاج نبيهم ، والقتال على دينه أعداء دين الله ، على نحو ما كانوا يقاتلون مع نبيهم ولم تهنوا ولم تضعفوا ، كما لم يضعف الذين كانوا قبلكم من أهل العلم والبصائر من أتباع الأنبياء إذا قتل نبيهم ، ولكنهم صبروا لأعدائهم حتى حكم الله بينهم وبينهم ؟ وبذلك من التأويل جاء تأويل المتأولين . 
وأما "الربيون " ، فإنهم مرفوعون بقوله : "معه " لا بقوله : "قتل " . وإنما تأويل الكلام : وكأين من نبي قتل ، ومعه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله . وفي الكلام إضمار "واو " ، لأنها "واو " تدل على معنى حال قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، غير أنه اجتزأ بدلالة ما ذكر من الكلام عليها من ذكرها ، وذلك كقول القائل في الكلام : "قتل الأمير معه جيش عظيم " ، بمعنى : قتل ومعه جيش عظيم . 
وأما "الربيون " ، فإن أهل العربية اختلفوا في معناه . 
فقال بعض نحويي البصرة   : هم الذين يعبدون الرب ، واحدهم "ربي " . 
وقال بعض نحويي الكوفة   : لو كانوا منسوبين إلى عبادة الرب لكانوا "ربيون " بفتح "الراء " ، ولكنه : العلماء ، والألوف . 
و "الربيون " عندنا ، الجماعات الكثيرة ، واحدهم "ربي " ، وهم الجماعة . 
واختلف أهل التأويل في معناه .  [ ص: 266 ] 
فقال بعضهم مثل ما قلنا . 
ذكر من قال ذلك : 
7957 - حدثنا ابن بشار  قال : حدثنا عبد الرحمن  قال : حدثنا سفيان ،  عن عاصم ،  عن زر ،  عن عبد الله   : الربيون : الألوف  . 
7958 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو نعيم  قال : حدثنا  سفيان الثوري ،  عن عاصم ،  عن زر ،  عن عبد الله ،  مثله . 
7959 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا الثوري  وابن عيينة ،  عن عاصم بن أبي النجود ،  عن زر بن حبيش ،  عن عبد الله ،  مثله . 
7960 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا حكام  قال : حدثنا عمرو  عن عاصم ،  عن زر ،  عن عبد الله ،  مثله . 
7961 - حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : حدثنا هشيم  قال : أخبرنا عوف  عمن حدثه ، عن ابن عباس  في قوله : "ربيون كثير " ، قال : جموع كثيرة . 
7962 - حدثني المثنى  قال : حدثنا عبد الله بن صالح  قال : حدثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس ،  قوله : " قاتل معه ربيون كثير   " قال : جموع . 
7963 - حدثني حميد بن مسعدة  قال : حدثنا بشر بن المفضل  قال : حدثنا شعبة ،  عن عاصم ،  عن زر ،  عن عبد الله   " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) " قال : الألوف . 
وقال آخرون بما : - 
7964 - حدثني به سليمان بن عبد الجبار  قال : حدثنا محمد بن الصلت   [ ص: 267 ] قال : حدثنا أبو كدينة ،  عن عطاء ،  عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عباس   : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) " قال : علماء كثير . 
7965 - حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : حدثنا هشيم  قال : أخبرنا عوف ،  عن الحسن  في قوله : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير " ، قال : فقهاء علماء . 
7966 - حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : حدثنا  ابن علية   . عن أبي رجاء ،  عن الحسن  في قوله : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير   " قال : الجموع الكثيرة قال يعقوب   : وكذلك قرأها إسماعيل   : ( قتل معه ربيون كثير ) . 
7967 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة   : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) " يقول : جموع كثيرة  . 
7968 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر ،  عن الحسن  في قوله : " ( قتل معه ربيون كثير ) " ، قال : علماء كثير وقال قتادة   : جموع كثيرة . 
7969 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا ابن عيينة ،  عن عمرو ،  عن عكرمة  في قوله : " ربيون كثير " ، قال : جموع كثيرة . 
7970 - حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي  قال : حدثنا سفيان ،  عن عمرو ،  عن عكرمة ،  مثله . 
7971 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم ،  عن عيسى ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  في قول الله عز وجل : " ( قتل معه ربيون كثير ) " قال : جموع كثيرة . 
7972 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  مثله .  [ ص: 268 ] 
7973 - حدثت عن عمار  قال : حدثنا ابن أبي جعفر ،  عن أبيه ، عن الربيع   : " ( قتل معه ربيون كثير ) " يقول : جموع كثيرة  . 
7974 - حدثني المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا أبو زهير ،  عن جويبر ،  عن الضحاك  في قوله : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) " ، يقول : جموع كثيرة ، قتل نبيهم . 
7975 - حدثني المثنى  قال : حدثنا سويد بن نصر  قال : أخبرنا ابن المبارك ،  عن جعفر بن حبان  والمبارك ،  عن الحسن  في قوله : "وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير " ، قال جعفر   : علماء صبروا وقال ابن المبارك   : أتقياء صبر . 
7976 - حدثت عن الحسين بن الفرج  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : " ( قتل معه ربيون كثير  " يعني الجموع الكثيرة ، قتل نبيهم . 
7977 - حدثنا محمد بن الحسين  قال : حدثنا أحمد  قال : حدثنا أسباط ،  عن  السدي   : " قاتل معه ربيون كثير   " ، يقول : جموع كثيرة  . 
7978 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا سلمة ،  عن ابن إسحاق ،  قوله : "وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير " قال : وكأين من نبي أصابه القتل ، ومعه جماعات . 
7979 - حدثني محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   : "وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير " ، الربيون : هم الجموع الكثيرة . 
وقال آخرون : الربيون ، الأتباع .  [ ص: 269 ] 
ذكر من قال ذلك : 
7980 - حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) " ، قال : "الربيون " الأتباع ، و "الربانيون " الولاة ، و "الربيون " الرعية . وبهذا عاتبهم الله حين انهزموا عنه ، حين صاح الشيطان : "إن محمدا  قد قتل " قال : كانت الهزيمة عند صياحه في [ سه صاح ] : أيها الناس ، إن محمدا  رسول الله قد قتل ، فارجعوا إلى عشائركم يؤمنوكم! . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					