القول في تأويل قوله ( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية    ) 
قال أبو جعفر   : يعني بذلك جل ثناؤه : ثم أنزل الله ، أيها المؤمنون من بعد الغم الذي أثابكم ربكم بعد غم تقدمه قبله "أمنة" ، وهي الأمان ، على أهل الإخلاص منكم واليقين ، دون أهل النفاق والشك . 
ثم بين جل ثناؤه ، عن"الأمنة" التي أنزلها عليهم ، ما هي؟ فقال"نعاسا" ، بنصب"النعاس" على الإبدال من"الأمنة" . 
ثم اختلفت القرأة في قراءة قوله : "يغشى" . 
فقرأ ذلك عامة قرأة الحجاز  والمدينة  والبصرة  وبعض الكوفيين  بالتذكير بالياء : ( يغشى ) . 
وقرأ جماعة من قرأة الكوفيين  بالتأنيث : ( تغشى ) بالتاء . 
وذهب الذين قرأوا ذلك بالتذكير ، إلى أن النعاس هو الذي يغشى الطائفة من  [ ص: 316 ] المؤمنين دون الأمنة ، فذكره بتذكير "النعاس" . 
وذهب الذين قرأوا ذلك بالتأنيث ، إلى أن الأمنة هي التي تغشاهم فأنثوه لتأنيث "الأمنة" . 
قال أبو جعفر   : والصواب من القول في ذلك عندي ، أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قرأة الأمصار ، غير مختلفتين في معنى ولا غيره . لأن "الأمنة" في هذا الموضع هي النعاس ، والنعاس هو الأمنة . فسواء ذلك ، وبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب الحق في قراءته . وكذلك جميع ما في القرآن من نظائره من نحو قوله : ( " إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل تغلي في البطون" ) [ سورة الدخان : 43 - 45 ] و ( " ألم يك نطفة من مني تمنى" ) [ سورة القيامة : 37 ] ، ( وهزي إليك بجذع النخلة تساقط   ) [ سورة مريم : 25 ] . . 
فإن قال قائل : وما كان السبب الذي من أجله افترقت الطائفتان اللتان ذكرهما الله عز وجل فيما افترقتا فيه من صفتهما ، فأمنت إحداهما بنفسها حتى نعست ، وأهمت الأخرى أنفسها حتى ظنت بالله غير الحق ظن الجاهلية؟ 
قيل : كان سبب ذلك فيما ذكر لنا ، كما : - 
8072 - حدثنا محمد بن الحسين  قال : حدثنا أحمد بن المفضل  قال : حدثنا أسباط ،  عن  السدي   : أن المشركين انصرفوا يوم أحد  بعد الذي كان من أمرهم وأمر المسلمين ، فواعدوا النبي صلى الله عليه وسلم بدرا  من قابل ، فقال نعم! نعم! فتخوف المسلمون أن ينزلوا المدينة ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فقال :  [ ص: 317 ]  "انظر ، فإن رأيتهم قعدوا على أثقالهم وجنبوا خيولهم ، فإن القوم ذاهبون ، وإن رأيتهم قد قعدوا على خيولهم وجنبوا أثقالهم ، فإن القوم ينزلون المدينة ، فاتقوا الله واصبروا" ووطنهم على القتال . فلما أبصرهم الرسول قعدوا على الأثقال سراعا عجالا نادى بأعلى صوته بذهابهم . فلما رأى المؤمنون ذلك صدقوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فناموا ، وبقي أناس من المنافقين يظنون أن القوم يأتونهم . فقال الله جل وعز ، يذكر حين أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم إن كانوا ركبوا الأثقال فإنهم منطلقون فناموا : " ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية   " . 
8073 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج ،  عن  ابن جريج  قال : قال ابن عباس   : أمنهم يومئذ بنعاس غشاهم . وإنما ينعس من يأمن" يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية   " . 
8074 - حدثنا ابن بشار  قال : حدثنا ابن أبي عدي ،  عن حميد ،  عن أنس بن مالك ،  عن أبي طلحة  قال : كنت فيمن أنزل عليه النعاس يوم أحد أمنة ، حتى سقط من يدي مرارا قال أبو جعفر   : يعني سوطه ، أو سيفه . 
8075 - حدثنا عمرو بن علي  قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي  قال : حدثنا حماد بن سلمة ،  عن ثابت ،  عن أنس ،  عن أبي طلحة  قال : رفعت رأسي يوم أحد ،  فجعلت ما أرى أحدا  من القوم إلا تحت حجفته يميد من النعاس  . .  [ ص: 318 ] 
8076 - حدثنا ابن بشار  وابن المثنى قالا : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عمران ، عن قتادة ،  عن أنس ،  عن أبي طلحة  قال : كنت فيمن صب عليه النعاس يوم أحد   . 
8077 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة  قال : حدثنا أنس بن مالك   : عن أبي طلحة   : أنه كان يومئذ ممن غشيه النعاس ، قال : كان السيف يسقط من يدي ثم آخذه ، من النعاس . 
8078 - حدثت عن عمار  قال : حدثنا ابن أبي جعفر ،  عن أبيه ، عن الربيع   : ذكر لنا ، والله أعلم ، عن أنس   : أن أبا طلحة  حدثهم : أنه كان يومئذ ممن غشيه النعاس ، قال : فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه ، ويسقط والطائفة الأخرى المنافقون ، ليس لهم همة إلا أنفسهم ، " يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية   " ، الآية كلها . 
8079 - حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي  قال : حدثنا ضرار بن صرد  قال : حدثنا  عبد العزيز بن محمد ،  عن محمد بن عبد العزيز ،  عن الزهري ،  عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة ،  عن أبيه قال : سألت عبد الرحمن بن عوف  عن قول الله عز وجل : " ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا   " . قال : ألقي علينا النوم يوم أحد   . 
8080 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : " ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا   " ، الآية ، وذاكم يوم أحد ،  كانوا يومئذ فريقين ، فأما المؤمنون فغشاهم الله النعاس أمنة منه ورحمة . 
8081 - حدثني المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا ابن أبي جعفر ،  عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ،  نحوه . 
8082 - حدثنا المثني  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا ابن أبي جعفر ،  عن  [ ص: 319 ] أبيه ، عن الربيع ،  قوله : " أمنة نعاسا   " ، قال : ألقي عليهم النعاس ، فكان ذلك أمنة لهم . 
8083 - حدثنا ابن بشار  قال : حدثنا عبد الرحمن  قال : حدثنا سفيان ،  عن عاصم ،  عن أبي رزين  قال : قال عبد الله   : النعاس في القتال أمنة ، والنعاس في الصلاة من الشيطان . 
8084 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا سلمة ،  عن ابن إسحاق   : " ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا   " ، قال : أنزل النعاس أمنة منه على أهل اليقين به ، فهم نيام لا يخافون  . 
8085 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر ،  عن قتادة  في قوله : " أمنة نعاسا   " ، قال : ألقى الله عليهم النعاس ، فكان"أمنة لهم" . وذكر أن أبا طلحة  قال : ألقي علي النعاس يومئذ ، فكنت أنعس حتى يسقط سيفي من يدي  . 
8086 - حدثنا ابن بشار  قال : حدثنا إسحاق بن إدريس  قال : حدثنا حماد بن سلمة  قال : أخبرنا ثابت ،  عن أنس بن مالك ،  عن أبي طلحة   وهشام بن عروة ،  عن عروة ،  عن الزبير ،  أنهما قالا لقد رفعنا رءوسنا يوم أحد ،  فجعلنا ننظر ، فما منهم من أحد  إلا وهو يميل بجنب حجفته . قال : وتلا هذه الآية : " ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا   "  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					