القول في تأويل قوله تعالى ( الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم    ( 172 ) ) 
قال أبو جعفر   : يعني بذلك جل ثناؤه : "وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين" ، المستجيبين لله والرسول من بعد ما أصابهم الجرح والكلوم . . 
وإنما عنى الله تعالى ذكره بذلك : الذين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد   في طلب العدو - أبي سفيان  ومن كان معه من مشركي قريش   - منصرفهم عن أحد   . وذلك أن أبا سفيان  لما انصرف عن أحد ،  خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثره حتى بلغ حمراء الأسد ،  وهي على ثمانية أميال من المدينة ، ليرى الناس أن به وأصحابه قوة على عدوهم . كالذي : - 
8233 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا سلمة ،  عن محمد بن إسحاق  قال : حدثني حسين بن عبد الله ،  عن عكرمة  قال : كان يوم أحد   [ يوم ] السبت للنصف من شوال ، فلما كان الغد من يوم أحد ،  يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال ، أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب  [ ص: 400 ] العدو ، وأذن مؤذنه أن : "لا يخرجن معنا أحد  إلا من حضر يومنا بالأمس" . فكلمه  جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام  فقال : يا رسول الله ، إن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع ، وقال لي : "يا بني ، إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن ، ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي! فتخلف على أخواتك" ، فتخلفت عليهن . فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج معه . وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو ، ليبلغهم أنه خرج في طلبهم ، ليظنوا به قوة ، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم  . 
8234 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا سلمة ،  عن محمد بن إسحاق  قال : فحدثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت ،  عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان   : أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عبد الأشهل ،  كان شهد أحدا  قال : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا ،  أنا وأخ لي ، فرجعنا جريحين : فلما أذن [ مؤذن ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو ، قلت لأخي - أو قال لي - : أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله ما لنا من دابة نركبها ، وما منا إلا جريح ثقيل! فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت أيسر جرحا منه ، فكنت إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة ، حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى حمراء الأسد ،  وهي من المدينة على ثمانية أميال ، فأقام بها ثلاثا ، الاثنين والثلاثاء والأربعاء ، ثم رجع إلى المدينة .  [ ص: 401 ] 
8235 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا سلمة ،  عن ابن إسحاق  قال : فقال الله تبارك وتعالى : " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح   " ، أي : الجراح ، وهم الذين ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم أحد  إلى حمراء الأسد ،  على ما بهم من ألم الجراح" للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم   " . 
8236 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح   " الآية ، وذلك يوم أحد ،  بعد القتل والجراح ، وبعدما انصرف المشركون - أبو سفيان  وأصحابه - فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " ألا عصابة تنتدب لأمر الله ، تطلب عدوها؟ فإنه أنكى للعدو ، وأبعد للسمع! فانطلق عصابة منهم على ما يعلم الله تعالى من الجهد  . 
8237 - حدثنا محمد بن الحسين  قال : حدثنا أحمد بن المفضل  قال : حدثنا أسباط ،  عن  السدي   : انطلق أبو سفيان  منصرفا من أحد ،  حتى بلغ بعض الطريق ، ثم إنهم ندموا وقالوا : بئسما صنعتم! إنكم قتلتموهم ، حتى إذا لم يبق إلا الشريد تركتموهم! ارجعوا واستأصلوهم . فقذف الله في قلوبهم الرعب ، فهزموا ، فأخبر الله رسوله ، فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد ،  ثم رجعوا من حمراء الأسد ،  فأنزل الله جل ثناؤه فيهم : " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح   " . 
8238 - حدثني محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال :  [ ص: 402 ] حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قال : إن الله جل وعز قذف في قلب أبي سفيان  الرعب - يعني يوم أحد   - بعد ما كان منه ما كان ، فرجع إلى مكة ،  فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن أبا سفيان  قد أصاب منكم طرفا ، وقد رجع وقذف الله في قلبه الرعب"! وكانت وقعة أحد  في شوال ، وكان التجار يقدمون المدينة  في ذي القعدة ، فينزلون ببدر  الصغرى في كل سنة مرة ، وإنهم قدموا بعد وقعة أحد ،  وكان أصاب المؤمنين القرح ، واشتكوا ذلك إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ، واشتد عليهم الذي أصابهم . وإن رسول الله ندب الناس لينطلقوا معه ، ويتبعوا ما كانوا متبعين ، وقال : إنما يرتحلون الآن فيأتون الحج ، ولا يقدرون على مثلها حتى عام مقبل ، فجاء الشيطان فخوف أولياءه ، فقال : "إن الناس قد جمعوا لكم"! فأبى عليه الناس أن يتبعوه ، فقال : "إني ذاهب وإن لم يتبعني أحد" ، لأحضض الناس . فانتدب معه  أبا بكر الصديق ،  وعمر ،  وعثمان ،  وعليا ،  والزبير ،  وسعدا ،  وطلحة ،   وعبد الرحمن بن عوف ،   وعبد الله بن مسعود ،   وحذيفة بن اليمان ،   وأبا عبيدة بن الجراح ،  في سبعين رجلا فساروا في طلب أبي سفيان ،  فطلبوه حتى بلغوا الصفراء ، فأنزل الله تعالى : " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم   "  . 
8239 - حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : حدثنا  هاشم بن القاسم  قال : حدثنا أبو سعيد ،  عن  هشام بن عروة ،  عن أبيه ، عن عائشة  أنها قالت  لعبد الله بن الزبير   : يا ابن أختي ، أما والله إن أباك وجدك - تعني أبا بكر  والزبير   - لممن قال الله تعالى فيهم : "الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح" .  .  [ ص: 403 ] 
8240 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج ،  عن  ابن جريج  قال : أخبرت أن  أبا سفيان بن حرب  لما راح هو وأصحابه يوم أحد ،  قال المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم : إنهم عامدون إلى المدينة   ! فقال : إن ركبوا الخيل وتركوا الأثقال : فإنهم عامدون إلى المدينة ،  وإن جلسوا على الأثقال وتركوا الخيل ، فقد رعبهم الله ، وليسوا بعامديها" . فركبوا الأثقال : فرعبهم الله . ثم ندب ناسا يتبعونهم ليروا أن بهم قوة ، فاتبعوهم ليلتين أو ثلاثا ، فنزلت : " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح   " . 
8241 - حدثني سعيد  بن الربيع  قال : حدثنا سفيان ،  عن  هشام بن عروة ،  عن أبيه قال : قالت لي عائشة   : إن كان أبواك لمن الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح - تعني أبا بكر  والزبير   . .  [ ص: 404 ] 
8242 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا جرير ،  عن مغيرة ،  عن إبراهيم  قال : كان عبد الله  من الذين استجابوا لله والرسول  . 
قال أبو جعفر   : فوعد تعالى ذكره ، محسن من ذكرنا أمره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ، إذا اتقى الله فخافه ، فأدى فرائضه وأطاعه في أمره ونهيه فيما يستقبل من عمره"أجرا عظيما" ، وذلك الثواب الجزيل ، والجزاء العظيم على ما قدم من صالح أعماله في الدنيا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					