القول في تأويل قوله تعالى ذكره : ( قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم    ( 32 ) ) 
قال أبو جعفر :  وهذا خبر من الله جل ذكره عن ملائكته ، بالأوبة إليه ، وتسليم علم ما لم يعلموه له ، وتبريهم من أن يعلموا أو يعلم أحد شيئا إلا ما علمه تعالى ذكره .  [ ص: 494 ] 
وفي هذه الآيات الثلاث العبرة لمن اعتبر ، والذكرى لمن ادكر ، والبيان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، عما أودع الله جل ثناؤه آي هذا القرآن من لطائف الحكم التي تعجز عن أوصافها الألسن . 
وذلك أن الله جل ثناؤه احتج فيها لنبيه صلى الله عليه وسلم على من كان بين ظهرانيه من يهود بني إسرائيل ، بإطلاعه إياه من علوم الغيب التي لم يكن جل ثناؤه أطلع عليها من خلقه إلا خاصا ، ولم يكن مدركا علمه إلا بالإنباء والإخبار ، لتتقرر عندهم صحة نبوته ، ويعلموا أن ما أتاهم به فمن عنده ، ودل فيها على أن كل مخبر خبرا عما قد كان - أو عما هو كائن مما لم يكن ، ولم يأته به خبر ، ولم يوضع له على صحته برهان - فمتقول ما يستوجب به من ربه العقوبة . ألا ترى أن الله جل ذكره رد على ملائكته قيلهم : " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك   " قال : " إني أعلم ما لا تعلمون   " وعرفهم أن قيل ذلك لم يكن جائزا لهم ، بما عرفهم من قصور علمهم عند عرضه ما عرض عليهم من أهل الأسماء ، فقال : " أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين   " فلم يكن لهم مفزع إلا الإقرار بالعجز ، والتبري إليه أن يعلموا إلا ما علمهم ، بقولهم : " سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا   " فكان في ذلك أوضح الدلالة وأبين الحجة ، على كذب مقالة كل من ادعى شيئا من علوم الغيب من الحزاة والكهنة والعافة والمنجمة   . وذكر بها الذين  [ ص: 495 ] وصفنا أمرهم من أهل الكتاب - سوالف نعمه على آبائهم ، وأياديه عند أسلافهم ، عند إنابتهم إليه ، وإقبالهم إلى طاعته ، مستعطفهم بذلك إلى الرشاد ، ومستعتبهم به إلى النجاة . وحذرهم - بالإصرار والتمادي في البغي والضلال - حلول العقاب بهم ، نظير ما أحل بعدوه إبليس ، إذ تمادى في الغي والخسار 
قال : وأما تأويل قوله : " سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا   " فهو كما : 
674 - حدثنا به أبو كريب ،  قال : حدثنا عثمان بن سعيد ،  قال : حدثنا بشر بن عمارة ،  عن أبي روق ،  عن الضحاك ،  عن ابن عباس   : " قالوا سبحانك   " تنزيها لله من أن يكون أحد يعلم الغيب غيره ، تبنا إليك " لا علم لنا إلا ما علمتنا   " تبريا منهم من علم الغيب ، " إلا ما علمتنا   " كما علمت آدم   . 
وسبحان مصدر لا تصرف له . ومعناه : نسبحك ، كأنهم قالوا : نسبحك تسبيحا ، وننزهك تنزيها ، ونبرئك من أن نعلم شيئا غير ما علمتنا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					