القول في تأويل قوله ( إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا   ( 150 ) أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا   ( 151 ) ) 
قال أبو جعفر   : يعني بقوله جل ثناؤه  : " إن الذين يكفرون بالله ورسله   "  ، من اليهود  والنصارى   " ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله   " ، بأن يكذبوا رسل الله الذين أرسلهم إلى خلقه بوحيه ، ويزعموا أنهم افتروا على ربهم . وذلك هو معنى إرادتهم التفريق بين الله ورسله ، بنحلتهم إياهم الكذب والفرية على الله ، وادعائهم عليهم الأباطيل"ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض" ، يعني أنهم يقولون : "نصدق بهذا ونكذب بهذا" ، كما فعلت اليهود  من تكذيبهم عيسى  ومحمدا  صلى الله عليهما وسلم ، وتصديقهم بموسى  وسائر الأنبياء قبله بزعمهم . وكما فعلت النصارى  من تكذيبهم محمدا  صلى الله عليه وسلم ، وتصديقهم بعيسى  وسائر الأنبياء قبله بزعمهم" ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا   " ، يقول : ويريد المفرقون بين الله ورسله ، الزاعمون أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض ، أن يتخذوا بين أضعاف  [ ص: 353 ] قولهم : "نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض""سبيلا" ، يعني : طريقا إلى الضلالة التي أحدثوها ، والبدعة التي ابتدعوها ، يدعون أهل الجهل من الناس إليه . 
فقال جل ثناؤه لعباده ، منبها لهم على ضلالتهم وكفرهم : " أولئك هم الكافرون حقا   " ، يقول : أيها الناس ، هؤلاء الذين وصفت لكم صفتهم ، هم أهل الكفر بي ، المستحقون عذابي والخلود في ناري حقا . فاستيقنوا ذلك ، ولا يشككنكم في أمرهم انتحالهم الكذب ، ودعواهم أنهم يقرون بما زعموا أنهم به مقرون من الكتب والرسل ، فإنهم في دعواهم ما ادعوا من ذلك كذبة . وذلك أن المؤمن بالكتب والرسل ، هو المصدق بجميع ما في الكتاب الذي يزعم أنه به مصدق ، وبما جاء به الرسول الذي يزعم أنه به مؤمن . فأما من صدق ببعض ذلك وكذب ببعض ، فهو لنبوة من كذب ببعض ما جاء به جاحد ، ومن جحد نبوة نبي  فهو به مكذب . وهؤلاء الذين جحدوا نبوة بعض الأنبياء ، وزعموا أنهم مصدقون ببعض ، مكذبون من زعموا أنهم به مؤمنون ، لتكذيبهم ببعض ما جاءهم به من عند ربهم ، فهم بالله وبرسله الذين يزعمون أنهم بهم مصدقون ، والذين يزعمون أنهم بهم مكذبون كافرون ، فهم الجاحدون وحدانية الله ونبوة أنبيائه حق الجحود ، المكذبون بذلك حق التكذيب . فاحذروا أن تغتروا بهم وببدعتهم ، فإنا قد أعتدنا لهم عذابا مهينا . 
وأما قوله : " وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا   " ، فإنه يعني : "وأعتدنا" لمن جحد بالله ورسوله جحود هؤلاء الذين وصفت لكم ، أيها الناس ، أمرهم من أهل الكتاب ، ولغيرهم من سائر أجناس الكفار "عذابا" ، في الآخرة"مهينا" ،  [ ص: 354 ] يعني : يهين من عذب به بخلوده فيه . 
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
10765 - حدثنا بشر بن معاذ  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة  قوله : " إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا   " ، أولئك أعداء الله اليهود  والنصارى   . آمنت اليهود  بالتوراة وموسى ،  وكفروا بالإنجيل وعيسى   . وآمنت النصارى  بالإنجيل وعيسى ،  وكفروا بالقرآن وبمحمد  صلى الله عليه وسلم . فاتخذوا اليهودية  والنصرانية ،  وهما بدعتان ليستا من الله ، وتركوا الإسلام وهو دين الله الذي بعث به رسله . 
10766 - حدثنا محمد بن الحسين  قال : حدثنا أحمد بن مفضل  قال : حدثنا أسباط ،  عن  السدي   : " إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله   " ، يقولون : محمد  ليس برسول لله! وتقول اليهود   : عيسى  ليس برسول لله! فقد فرقوا بين الله وبين رسله"ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض" ، فهؤلاء يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض . 
10767 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج  قال : قال  ابن جريج  قوله : " إن الذين يكفرون بالله ورسله   " إلى قوله : "بين ذلك سبيلا" ، قال : اليهود  والنصارى   . آمنت اليهود  بعزير  وكفرت بعيسى ،  وآمنت النصارى  بعيسى  وكفرت بعزير   . وكانوا يؤمنون بالنبي ويكفرون بالآخر"ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا" ، قال : دينا يدينون به الله . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					