[ ص: 164 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين    ( 20 ) ) 
قال أبو جعفر   : اختلف فيمن عنوا بهذا الخطاب . 
فقال بعضهم : عني به أمة محمد  صلى الله عليه وسلم . 
ذكر من قال ذلك : 
11637 - حدثنا سفيان بن وكيع  قال : حدثنا يحيى بن يمان ،  عن سفيان ،  عن  السدي ،  عن أبي مالك   وسعيد بن جبير   : " وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين   " ، قالا أمة محمد  صلى الله عليه وسلم . 
وقال آخرون : عني به قوم موسى  صلى الله عليه وسلم . 
ذكر من قال ذلك : 
11638 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  قال : هم قوم موسى   . 
11639 - حدثني الحارث بن محمد  قال : حدثنا عبد العزيز بن أبان  قال : حدثنا سفيان ،  عن الأعمش ،  عن مجاهد ،  عن ابن عباس   : " وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين   " ، قال : هم بين ظهرانيه يومئذ . 
ثم اختلفوا في الذي آتاهم الله ما لم يؤت أحدا من العالمين .  [ ص: 165 ] 
فقال بعضهم : هو المن والسلوى والحجر والغمام . 
ذكر من قال ذلك : 
11640 - حدثنا سفيان بن وكيع  قال : حدثنا أبي ،  عن سفيان ،  عن رجل ، عن مجاهد   : " وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين   " قال : المن والسلوى والحجر والغمام . 
11641 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   : " وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين   " ، يعني : أهل ذلك الزمان ، المن والسلوى والحجر والغمام . 
وقال آخرون : هو الدار والخادم والزوجة . 
ذكر من قال ذلك : 
11642 - حدثني المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا بشر بن السري ،  عن طلحة بن عمرو ،  عن عطاء ،  عن ابن عباس   : " وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين   " قال : الرجل يكون له الدار والخادم والزوجة . 
11643 - حدثني الحارث  قال : حدثنا عبد العزيز  قال : حدثنا سفيان ،  عن الأعمش ،  عن مجاهد ،  عن ابن عباس   : " وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين   " ، المن والسلوى والحجر والغمام .  [ ص: 166 ] 
قال أبو جعفر   : وأولى التأويلين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : " وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين   " ، في سياق قوله : "اذكروا نعمة الله عليكم" ، ومعطوف عليه . 
ولا دلالة في الكلام تدل على أن قوله : " وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين   " مصروف عن خطاب الذين ابتدئ بخطابهم في أول الآية . فإذ كان ذلك كذلك ، فأن يكون خطابا لهم أولى من أن يقال : هو مصروف عنهم إلى غيرهم . 
فإن ظن ظان أن قوله : " وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين  ، لا يجوز أن يكون لهم خطابا ، إذ كانت أمة محمد  قد أوتيت من كرامة الله جل وعز بنبيها عليه السلام محمد ،  ما لم يؤت أحد غيرهم ، وهم من العالمين فقد ظن غير الصواب . وذلك أن قوله : "وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين" ، خطاب من موسى  صلى الله عليه وسلم لقومه يومئذ ، وعنى بذلك عالمي زمانه ، لا عالمي كل زمان . ولم يكن أوتي في ذلك الزمان من نعم الله وكرامته ما أوتي قومه صلى الله عليه وسلم أحد من العالمين . فخرج الكلام منه صلى الله عليه على ذلك ، لا على جميع [ عالم ] كل زمان .  [ ص: 167 ] 
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم    ) 
قال أبو جعفر   : وهذا خبر من الله عز ذكره عن قول موسى  صلى الله عليه وسلم لقومه من بني إسرائيل ، وأمره إياهم - عن أمر الله إياه بأمرهم - بدخول الأرض المقدسة . 
ثم اختلف أهل التأويل في الأرض التي عناها ب"الأرض المقدسة " . 
فقال بعضهم : عنى بذلك الطور وما حوله . 
ذكر من قال ذلك : 
11644 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   : " الأرض المقدسة   " الطور وما حوله . 
11645 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  مثله . 
11646 - حدثني الحارث بن محمد  قال : حدثنا عبد العزيز  قال : حدثنا سفيان ،  عن الأعمش ،  عن مجاهد ،  عن ابن عباس   : " ادخلوا الأرض المقدسة   " ، قال : الطور  وما حوله  . 
وقال آخرون : هو الشأم   . 
ذكر من قال ذلك : 
11647 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر ،  عن قتادة  في قوله : " الأرض المقدسة   " قال : هي الشأم  .  [ ص: 168 ] 
وقال آخرون : هي أرض أريحا   . 
ذكر من قال ذلك : 
11648 - حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله : "ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم" قال : أريحا   . 
11649 - حدثني يوسف بن هارون  قال : حدثنا عمرو بن حماد  قال : حدثنا أسباط ،  عن  السدي  قال : هي أريحا   . 
11650 - حدثني  عبد الكريم بن الهيثم  قال : حدثنا إبراهيم بن بشار  قال : حدثنا سفيان ،  عن أبي سعيد ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس  قال : هي أريحا   . 
وقيل : إن" الأرض المقدسة   " دمشق ،  وفلسطين ،  وبعض الأردن   . 
وعنى بقوله : "المقدسة" المطهرة المباركة ، كما : - 
11651 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   : "الأرض المقدسة" ، قال : المباركة . 
11652 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  بمثله . 
قال أبو جعفر   : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : هي الأرض المقدسة ،  كما قال نبي الله موسى  صلى الله عليه ، لأن القول في ذلك بأنها أرض دون أرض ، لا تدرك حقيقة صحته إلا بالخبر ، ولا خبر بذلك يجوز قطع الشهادة به . غير أنها لن تخرج من أن تكون من الأرض التي ما بين الفرات وعريش مصر ،  لإجماع جميع أهل التأويل والسير والعلماء بالأخبار على ذلك .  [ ص: 169 ] 
ويعني بقوله : " التي كتب الله لكم   " التي أثبت في اللوح المحفوظ أنها لكم مساكن ومنازل دون الجبابرة التي فيها . 
فإن قال قائل : فكيف قال : " التي كتب الله لكم  ، وقد علمت أنهم لم يدخلوها بقوله : " فإنها محرمة عليهم   "؟ فكيف يكون مثبتا في اللوح المحفوظ أنها مساكن لهم ، ومحرما عليهم سكناها؟ 
قيل : إنها كتبت لبني إسرائيل دارا ومساكن ، وقد سكنوها ونزلوها وصارت لهم ، كما قال الله جل وعز . وإنما قال لهم موسى   : "ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم" ، يعني بها : كتبها الله لبني إسرائيل ، وكان الذين أمرهم موسى  بدخولها من بني إسرائيل ولم يعن صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ذكره كتبها للذين أمرهم بدخولها بأعيانهم . 
ولو قال قائل : قد كانت مكتوبة لبعضهم ولخاص منهم فأخرج الكلام على العموم ، والمراد منه الخاص ، إذ كان يوشع  وكالب  قد دخلا وكانا ممن خوطب بهذا القول كان أيضا وجها صحيحا . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال ابن إسحاق   . 
11653 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا سلمة ،  عن محمد بن إسحاق ،   " التي كتب الله لكم   " ، التي وهب الله لكم . 
وكان  السدي  يقول : معنى"كتب" في هذا الموضع ، بمعنى : أمر . 
11654 - حدثنا بذلك موسى بن هارون  قال : حدثنا عمرو بن حماد  قال : حدثنا أسباط ،  عن  السدي   : " ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم   " ، التي أمركم الله بها .  [ ص: 170 ] 
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين   ( 21 ) ) 
قال أبو جعفر   : وهذا خبر من الله عز ذكره عن قيل موسى  عليه السلام لقومه من بني إسرائيل ، إذ أمرهم عن أمر الله عز ذكره إياه بدخول الأرض المقدسة ، أنه قال لهم : امضوا ، أيها القوم ، لأمر الله الذي أمركم به من دخول الأرض المقدسة "ولا ترتدوا" يقول : لا ترجعوا القهقرى مرتدين "على أدباركم" يعني : إلى ورائكم ، ولكن امضوا قدما لأمر الله الذي أمركم به ، من الدخول على القوم الذين أمركم الله بقتالهم والهجوم عليهم في أرضهم ، وأن الله عز ذكره قد كتبها لكم مسكنا وقرارا . 
ويعني بقوله : "فتنقلبوا خاسرين" ، أي : تنصرفوا خائبين هلكا . 
وقد بينا معنى"الخسارة" في غير هذا الموضع ، بشواهده المغنية عن إعادته في هذا الموضع . 
فإن قال قائل : وما كان وجه قيل موسى  لقومه ، إذ أمرهم بدخول الأرض المقدسة : "لا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين" ، أو يستوجب الخسارة من لم يدخل أرضا جعلت له؟  [ ص: 171 ] 
قيل : إن الله عز ذكره كان أمرهم بقتال من فيها من أهل الكفر به وفرض عليهم دخولها ، فاستوجب القوم الخسارة بتركهم إذا فرض الله عليهم من وجهين : أحدهما : تضييع فرض الجهاد الذي كان الله عز ذكره فرضه عليهم والثاني : خلافهم أمر الله في تركهم دخول الأرض ، وقولهم لنبيهم موسى  صلى الله عليه وسلم إذ قال لهم : "ادخلوا الأرض المقدسة" : "إنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون" . 
وكان قتادة  يقول في ذلك بما : 
11655 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : "يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم" أمروا بها ، كما أمروا بالصلاة والزكاة والحج والعمرة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					