القول في تأويل قوله ( فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم    ( 17 ) ) 
قال أبو جعفر   : يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله ، ممن شهد بدرا  مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقاتل أعداء دينه معه من كفار قريش   : فلم تقتلوا المشركين ، أيها المؤمنون ، أنتم ، ولكن الله قتلهم . 
وأضاف جل ثناؤه قتلهم إلى نفسه ، ونفاه عن المؤمنين به الذين قاتلوا المشركين ، إذ كان جل ثناؤه هو مسبب قتلهم ، وعن أمره كان قتال المؤمنين إياهم . ففي ذلك أدل الدليل على فساد قول المنكرين أن يكون لله في أفعال خلقه صنع به وصلوا إليها .  [ ص: 442 ] 
وكذلك قوله لنبيه عليه السلام : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى   ) ، فأضاف الرمي إلى نبي الله ، ثم نفاه عنه ، وأخبر عن نفسه أنه هو الرامي ، إذ كان جل ثناؤه هو الموصل المرمي به إلى الذين رموا به من المشركين ، والمسبب الرمية لرسوله . 
فيقال للمنكرين ما ذكرنا قد علمتم إضافة الله رمي نبيه صلى الله عليه وسلم المشركين إلى نفسه ، بعد وصفه نبيه به ، وإضافته إليه ، وذلك فعل واحد ، كان من الله تسبيبه وتسديده ، ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحذف والإرسال ، فما تنكرون أن يكون كذلك سائر أفعال الخلق المكتسبة : من الله الإنشاء والإنجاز بالتسبيب ، ومن الخلق الاكتساب بالقوى ؟ فلن يقولوا في أحدهما قولا إلا ألزموا في الآخر مثله . 
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
15817 - حدثنا محمد بن عمرو  قال ، حدثنا أبو عاصم  قال ، حدثنا عيسى  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  في قول الله : ( فلم تقتلوهم   ) ، لأصحاب محمد  صلى الله عليه وسلم حين قال هذا : " قتلت " ، وهذا : " قتلت " ( وما رميت إذ رميت   ) ، قال لمحمد  حين حصب الكفار  . 
15818 - حدثني المثنى  قال ، حدثنا أبو حذيفة  قال ، حدثنا شبل  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  ، بنحوه . 
15819 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى  قال ، حدثنا محمد بن ثور  ، عن معمر  عن  [ ص: 443 ] قتادة   : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى   ) ، قال : رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحصباء يوم بدر   . 
15820 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى  قال ، حدثنا محمد بن ثور  ، عن معمر  ، عن أيوب  ، عن عكرمة  قال : ما وقع منها شيء إلا في عين رجل . 
15821 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث  قال ، حدثنا أبي قال ، حدثنا أبان العطار  قال ، حدثنا  هشام بن عروة  قال : لما ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا  قال : هذه مصارعهم ! ووجد المشركون النبي صلى الله عليه وسلم قد سبقهم إليه ونزل عليه ، فلما طلعوا عليه زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هذه قريش  قد جاءت بجلبتها وفخرها ، تحادك وتكذب رسولك ، اللهم إني أسألك ما وعدتني ! " . فلما أقبلوا استقبلهم ، فحثا في وجوههم ، فهزمهم الله عز وجل . 
15822 - حدثنا أحمد بن منصور  قال ، حدثنا يعقوب بن محمد  قال ، حدثنا عبد العزيز بن عمران  قال ، حدثنا موسى بن يعقوب بن عبد الله بن زمعة  ، عن يزيد بن عبد الله  ، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة ،  عن حكيم بن حزام  قال : لما كان يوم بدر  ، سمعنا صوتا وقع من السماء كأنه صوت حصاة وقعت في طست ، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الرمية فانهزمنا .  [ ص: 444 ] 
15823 - حدثني الحارث  قال ، حدثنا عبد العزيز  قال ، حدثنا أبو معشر ،  عن محمد بن قيس ،   ومحمد بن كعب القرظي  قالا لما دنا القوم بعضهم من بعض ، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم ، وقال : " شاهت الوجوه ! " ، فدخلت في أعينهم كلهم ، وأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتلونهم ويأسرونهم ، وكانت هزيمتهم في رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنزل الله : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى   ) ، الآية ، إلى : ( إن الله سميع عليم   ) . 
15824 - حدثنا بشر بن معاذ  قال ، حدثنا يزيد  قال ، حدثنا سعيد ،  عن قتادة  قوله : ( وما رميت إذ رميت   ) ، الآية ، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم بدر  ثلاثة أحجار ورمى بها وجوه الكفار ، فهزموا عند الحجر الثالث  .  [ ص: 445 ] 
15825 - حدثني محمد بن الحسين  قال ، حدثنا أحمد بن المفضل  قال ، حدثنا أسباط  ، عن  السدي  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين التقى الجمعان يوم بدر  لعلي   : " أعطني حصا من الأرض " ، فناوله حصى عليه تراب ، فرمى به وجوه القوم ، فلم يبق مشرك إلا دخل في عينيه من ذلك التراب شيء ، ثم ردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم ، فذكر رمية النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى   ) . 
15826 - حدثني يونس  قال ، أخبرنا ابن وهب  قال ، قال ابن زيد  في قوله : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى   ) ، قال : هذا يوم بدر  ، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حصيات ، فرمى بحصاة في ميمنة القوم ، وحصاة في ميسرة القوم ، وحصاة بين أظهرهم ، وقال : " شاهت الوجوه ! " ، وانهزموا ، فذلك قول الله عز وجل : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى   ) . 
15827 - حدثني المثنى  قال ، حدثنا أبو صالح  قال ، حدثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس  قال : رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده يوم بدر  فقال : يا رب ، إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا ! فقال له جبريل   : خذ قبضة من التراب ! فأخذ قبضة من التراب ، فرمى بها في وجوههم ، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة ، فولوا مدبرين  . 
15728 - حدثنا ابن حميد  قال ، حدثنا سلمة  ، عن ابن إسحاق  قال : قال الله عز وجل في رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين بالحصباء من يده حين رماهم : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى   ) ، أي : لم يكن ذلك برميتك ، لولا الذي جعل الله فيها من نصرك ، وما ألقى في صدور عدوك منها حين هزمهم الله  .  [ ص: 446 ] 
وروي عن الزهري  في ذلك قول خلاف هذه الأقوال ، وهو ما : 
15829 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال ، حدثنا عبد الرزاق  قال ، أخبرنا معمر  ، عن الزهري   : ( وما رميت إذ رميت   ) ، قال : جاء أبي بن خلف الجمحي  إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم حائل ، فقال : " آلله محيي هذا ، يا محمد ،  وهو رميم ؟ " ، وهو يفت العظم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يحييه الله ، ثم يميتك ، ثم يدخلك النار ! قال : فلما كان يوم أحد  قال : والله لأقتلن محمدا  إذا رأيته ! فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : بل أنا أقتله إن شاء الله .  [ ص: 447 ]  [ ص: 448 ] 
وأما قوله : ( وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا   ) ، فإن معناه : وكي ينعم على المؤمنين بالله ورسوله بالظفر بأعدائهم ، ويغنمهم ما معهم ، ويكتب لهم أجور أعمالهم وجهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
وذلك " البلاء الحسن " ، رمي الله هؤلاء المشركين ، ويعني ب " البلاء الحسن " ، النعمة الحسنة الجميلة ، وهي ما وصفت وما في معناه . 
15830 - حدثنا ابن حميد  قال ، حدثنا سلمة  ، عن ابن إسحاق  قال في قوله : ( وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا   ) ، أي ليعرف المؤمنين من نعمه عليهم ، في إظهارهم على عدوهم مع كثرة عددهم وقلة عددهم ، ليعرفوا بذلك حقه ، وليشكروا بذلك نعمته  . 
وقوله : ( إن الله سميع عليم   ) ، يعني : إن الله سميع ، أيها المؤمنون ، لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، ومناشدته ربه ، ومسألته إياه إهلاك عدوه وعدوكم ، فقيل له : إن يك إلا جحش ! قال : أليس قال : أنا أقتلك ؟ والله لو قالها لجميع الخلق لماتوا ! "  [ ص: 449 ] 
ولقيلكم وقيل جميع خلقه " عليم " ، بذلك كله ، وبما فيه صلاحكم وصلاح عباده ، وغير ذلك من الأشياء ، محيط به ، فاتقوه وأطيعوا أمره وأمر رسوله . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					