القول في تأويل قوله ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون   ( 6 ) ) 
قال أبو جعفر   : يقول تعالى ذكره لنبيه : وإن استأمنك ، يا محمد ،  من المشركين ، الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم ، أحد ليسمع كلام الله منك وهو القرآن الذي أنزله الله عليه ( فأجره ) ، يقول : فأمنه حتى يسمع كلام الله وتتلوه عليه ( ثم أبلغه مأمنه   ) ، يقول : ثم رده بعد سماعه كلام الله إن هو أبى أن يسلم ، ولم يتعظ لما تلوته عليه من كلام الله فيؤمن "إلى مأمنه" ، يقول : إلى حيث يأمن منك وممن في طاعتك ، حتى يلحق بداره وقومه من المشركين ( ذلك بأنهم قوم لا يعلمون   ) ، يقول : تفعل ذلك بهم ، من إعطائك إياهم الأمان ليسمعوا القرآن ، وردك إياهم إذا أبوا الإسلام إلى مأمنهم ، من أجل أنهم قوم جهلة لا يفقهون عن الله حجة ، ولا يعلمون ما لهم بالإيمان بالله لو آمنوا ، وما عليهم من الوزر والإثم بتركهم الإيمان بالله . 
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
16481 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا سلمة  ، عن ابن إسحاق   : ( وإن أحد من المشركين استجارك   ) ، أي : من هؤلاء الذين أمرتك بقتالهم ، ( فأجره ) .  [ ص: 139 ] 
16482 - حدثني محمد بن الحسين  قال : حدثنا أحمد بن مفضل  قال : حدثنا أسباط  ، عن  السدي   : ( فأجره حتى يسمع كلام الله   ) ، أما "كلام الله" ، فالقرآن . 
16483 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره   ) ، قال : إنسان يأتيك فيسمع ما تقول ، ويسمع ما أنزل عليك ، فهو آمن حتى يأتيك فيسمع كلام الله ، وحتى يبلغ مأمنه ، حيث جاءه . 
16484 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، عن مجاهد  ، بنحوه . 
16485 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا يعقوب  ، عن جعفر  ، عن سعيد  قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غازيا ، فلقي العدو ، وأخرج المسلمون رجلا من المشركين وأشرعوا فيه الأسنة ، فقال الرجل : ارفعوا عني سلاحكم ، وأسمعوني كلام الله! فقالوا : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا  عبده ورسوله ، وتخلع الأنداد ، وتتبرأ من اللات والعزى! فقال : فإني أشهدكم أني قد فعلت  . 
16486 - حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله : ( ثم أبلغه مأمنه   ) ، قال : إن لم يوافقه ما تتلو عليه وتحدثه ، فأبلغه ، قال : وليس هذا بمنسوخ . 
واختلف في حكم هذه الآية ، وهل هو منسوخ أو هو غير منسوخ؟ 
فقال بعضهم : هو غير منسوخ . وقد ذكرنا قول من قال ذلك . 
وقال آخرون : هو منسوخ .  [ ص: 140 ] 
ذكر من قال ذلك : 
16487 - حدثنا أحمد بن إسحاق  قال : حدثنا أبو أحمد  قال : حدثنا سفيان  ، عن جويبر  ، عن الضحاك   : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم   ) ، نسختها : ( فإما منا بعد وإما فداء   ) . [ سورة محمد : 4 ] 
16488 - . . . . . . قال : حدثنا سفيان  ، عن  السدي  ، مثله . 
وقال آخرون : بل نسخ قوله : ( فاقتلوا المشركين   ) ، قوله : ( فإما منا بعد   ) . 
ذكر من قال ذلك : 
16489 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا  عبدة بن سليمان  ، عن ابن أبي عروبة  ، عن قتادة   : ( حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق   ) ، [ سورة محمد : 4 ] نسخها قوله : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم   ) ، 
قال أبو جعفر   : والصواب من القول في ذلك عندي ، قول من قال : "ليس ذلك بمنسوخ" . وقد دللنا على أن معنى "النسخ" ، هو نفي حكم قد كان ثبت بحكم آخر غيره . ولم تصح حجة بوجوب حكم الله في المشركين بالقتل بكل حال ، ثم نسخه بترك قتلهم على أخذ الفداء ، ولا على وجه المن عليهم ، فإذ كان ذلك كذلك ، وكان الفداء والمن والقتل لم يزل من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم من أول حرب حاربهم ، وذلك من يوم بدر  كان معلوما أن معنى الآية : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ، وخذوهم للقتل أو المن أو الفداء ، واحصروهم . وإذا كان ذلك معناه ، صح ما قلنا في ذلك دون غيره .  [ ص: 141 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					