القول في تأويل قوله ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير    ( 73 ) ) 
قال أبو جعفر   : يقول - تعالى ذكره - : ( يا أيها النبي جاهد الكفار ) بالسيف والسلاح ( والمنافقين ) .  [ ص: 358 ] واختلف أهل التأويل في صفة " الجهاد " الذي أمر الله نبيه به في المنافقين  فقال بعضهم : أمره بجهادهم باليد واللسان ، وبكل ما أطاق جهادهم به . 
ذكر من قال ذلك : 
16961 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن  ويحيى بن آدم  عن حسن بن صالح  عن علي بن الأقمر  عن عمرو بن جندب  عن ابن مسعود  في قوله : ( جاهد الكفار والمنافقين   ) قال : بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، فإن لم يستطع فليكفهر في وجهه  . 
وقال آخرون : بل أمره بجهادهم باللسان . 
ذكر من قال ذلك : 
16962 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو صالح  قال : حدثني معاوية  عن  [ ص: 359 ] علي  عن ابن عباس  قوله تعالى : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم   ) فأمره الله بجهاد الكفار بالسيف ، والمنافقين باللسان ، وأذهب الرفق عنهم  . 
16963 - حدثنا القاسم  قال : حدثني الحسين  قال : حدثني حجاج  عن  ابن جريج  قال : قال ابن عباس   : ( جاهد الكفار والمنافقين   ) قال : " الكفار " بالقتال ، " والمنافقين " أن يغلظ عليهم بالكلام  . 
16964 - حدثت عن الحسين بن الفرج  قال : سمعت أبا معاذ  قال : أخبرنا عبيد بن سليمان  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : ( جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم   ) يقول : جاهد الكفار بالسيف ، وأغلظ على المنافقين بالكلام ، وهو مجاهدتهم  . 
وقال آخرون : بل أمره بإقامة الحدود عليهم . 
ذكر من قال ذلك : 
16965 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى  قال : حدثنا محمد بن ثور  ، عن معمر  عن الحسن   : ( جاهد الكفار والمنافقين   ) قال : جاهد الكفار بالسيف ، والمنافقين بالحدود ، أقم عليهم حدود الله  . 
16966 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد  عن قتادة  قوله : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم   ) قال : أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يجاهد الكفار بالسيف ، ويغلظ على المنافقين في الحدود  . 
قال أبو جعفر   : وأولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب ما قال ابن مسعود   : من أن الله أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - من جهاد المنافقين  بنحو الذي أمره به من جهاد المشركين . 
فإن قال قائل : فكيف تركهم - صلى الله عليه وسلم - مقيمين بين أظهر أصحابه ، مع علمه بهم ؟  [ ص: 360 ] قيل : إن الله - تعالى ذكره - إنما أمر بقتال من أظهر منهم كلمة الكفر ، ثم أقام على إظهاره ما أظهر من ذلك . وأما من إذا اطلع عليه منهم أنه تكلم بكلمة الكفر وأخذ بها أنكرها ورجع عنها وقال : " إني مسلم " فإن حكم الله في كل من أظهر الإسلام بلسانه أن يحقن بذلك له دمه وماله ، وإن كان معتقدا غير ذلك ، وتوكل هو - جل ثناؤه - بسرائرهم ، ولم يجعل للخلق البحث عن السرائر . فلذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مع علمه بهم وإطلاع الله إياه على ضمائرهم واعتقاد صدورهم ، كان يقرهم بين أظهر الصحابة ، ولا يسلك بجهادهم مسلك جهاد من قد ناصبه الحرب على الشرك بالله ؛ لأن أحدهم كان إذا اطلع عليه أنه قد قال قولا كفر فيه بالله ، ثم أخذ به أنكره وأظهر الإسلام بلسانه . فلم يكن - صلى الله عليه وسلم - يأخذه إلا بما أظهر له من قوله ، عند حضوره إياه وعزمه على إمضاء الحكم فيه ، دون ما سلف من قول كان نطق به قبل ذلك ، ودون اعتقاد ضميره الذي لم يبح الله لأحد الأخذ به في الحكم ، وتولى الأخذ به هو دون خلقه . 
وقوله : ( واغلظ عليهم   ) يقول - تعالى ذكره - : واشدد عليهم بالجهاد والقتال والإرهاب . 
وقوله : ( ومأواهم جهنم   ) يقول : ومساكنهم جهنم ، وهي مثواهم ومأواهم ( وبئس المصير   ) يقول : وبئس المكان الذي يصار إليه جهنم .  [ ص: 361 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					