القول في تأويل قوله تعالى : ( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين    ( 90 ) ) 
قال أبو جعفر   : يقول ، تعالى ذكره : وقطعنا ببني إسرائيل  البحر حتى جاوزوه ( فأتبعهم فرعون   ) ، يقول : فتبعهم فرعون   ( وجنوده ) . 
يقال منه " أتبعته " و " تبعته " بمعنى واحد . 
وقد كان الكسائي  فيما ذكر أبو عبيد  عنه يقول : إذا أريد أنه أتبعهم خيرا أو شرا فالكلام " أتبعهم " بهمز الألف ، وإذا أريد : اتبع أثرهم ، أو اقتدى بهم ، فإنه من " اتبعت " ، مشددة التاء غير مهموزة الألف . 
( بغيا ) على موسى  وهارون  ومن معهما من قومهما من بني إسرائيل   ( وعدوا ) يقول : واعتداء عليهم وهو مصدر من قولهم : " عدا فلان على فلان في الظلم ، يعدو عليه عدوا " مثل " غزا يغزو غزوا " .  [ ص: 189 ] 
وقد روي عن بعضهم أنه كان يقرأ : ( بغيا وعدوا   ) ، وهو أيضا مصدر من قولهم : " عدا يعدو عدوا " ، مثل : " علا يعلو علوا " . 
( حتى إذا أدركه الغرق   ) يقول : حتى إذا أحاط به الغرق ، وفي الكلام متروك ، قد ترك ذكره لدلالة ما ظهر من الكلام عليه ، وذلك : " فأتبعهم فرعون  وجنوده بغيا وعدوا فيه " فغرقناه ( حتى إذا أدركه الغرق   ) . 
وقوله : ( قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين   ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل فرعون  حين أشفى على الغرق ، وأيقن بالهلكة : ( آمنت ) يقول : أقررت ، ( أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل   ) . 
واختلفت القرأة في قراءة ذلك . 
فقرأ بعضهم ، وهو قراءة عامة المدينة والبصرة   : ( أنه ) بفتح الألف من " أنه " على إعمال " آمنت " فيها ونصبها به . 
وقرأ آخرون : ( آمنت إنه ) بكسر الألف من " إنه " على ابتداء الخبر . وهي قراءة عامة الكوفيين   . 
والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان متقاربتا المعنى ، وبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .  [ ص: 190 ] 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
17857 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا  يحيى بن واضح  قال : حدثنا موسى بن عبيدة  عن محمد بن كعب  عن  عبد الله بن شداد  قال : اجتمع يعقوب  وبنوه إلى يوسف ،  وهم اثنان وسبعون ، وخرجوا مع موسى  من مصر  حين خرجوا وهم ست مائة ألف ، فلما أدركهم فرعون  فرأوه قالوا : يا موسى  أين المخرج ؟ فقد أدركنا ، قد كنا نلقى من فرعون  البلاء ؟ فأوحى الله إلى موسى   : أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ، ويبس لهم البحر ، وكشف الله عن وجه الأرض ، وخرج فرعون  على فرس حصان أدهم على لونه من الدهم ثمان مائة ألف سوى ألوانها من الدواب ، وكانت تحت جبريل  عليه السلام فرس وديق ليس فيها أنثى غيرها ، وميكائيل  يسوقهم ، لا يشذ رجل منهم إلا ضمه إلى الناس . فلما خرج آخر بني إسرائيل  ، دنا منه جبريل  ولصق به ، فوجد الحصان ريح الأنثى ، فلم يملك فرعون  من أمره شيئا ، وقال : أقدموا ، فليس القوم أحق بالبحر منكم . ثم أتبعهم فرعون  حتى إذا هم أولهم أن يخرجوا ، ارتطم ونادى فيها : ( آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين   ) ، ونودي : ( آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين   ) ، 
17858 - حدثنا محمد بن المثنى  قال : حدثنا محمد بن جعفر  قال : حدثنا شعبة  عن عطاء بن السائب  عن سعيد بن جبير  عن ابن عباس   : 
وعن عدي بن ثابت  عن سعيد بن جبير  عن ابن عباس  قال : يرفعه أحدهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن جبرائيل كان يدس في فم فرعون   [ ص: 191 ] الطين مخافة أن يقول لا إله إلا الله . 
17859 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي  قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا شعبة  عن عطاء بن السائب  عن عدي بن ثابت  عن سعيد بن جبير  عن ابن عباس  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  " جعل جبرائيل  عليه السلام يدس أو : يحشو في فم فرعون  الطين ، مخافة أن تدركه الرحمة . 
17860 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا حكام  عن عنبسة  عن كثير بن زاذان  عن أبي حازم  عن  أبي هريرة  قال : قال النبي ، صلى الله عليه وسلم : قال لي جبريل   : يا محمد  لو رأيتني وأنا أغطه وأدس من الحال في فيه ، مخافة أن تدركه رحمة الله فيغفر له! يعني فرعون   .  [ ص: 192 ] 
17861 - حدثني المثنى  قال : حدثنا حجاج  قال : حدثنا حماد  عن علي بن زيد  عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس   : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما أغرق الله فرعون  قال : ( آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل   ) ، فقال جبريل   : يا محمد  لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر وأدسيه في فيه ؛ مخافة أن تدركه الرحمة  . 
17862 - حدثني المثنى  قال : حدثني عمرو  عن حكام  قال : حدثنا شعبة  عن عطاء بن السائب  عن سعيد بن جبير  عن ابن عباس  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لما قال فرعون :   " لا إله إلا الله " جعل جبريل  يحشو في فيه الطين والتراب  . 
17863 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى  قال : حدثنا محمد بن ثور  عن معمر  قال : أخبرني من سمع  ميمون بن مهران  يقول في قوله : ( آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل   ) ، قال : أخذ جبرائيل  من حمأة البحر فضرب بها  [ ص: 193 ] فاه أو قال : ملأ بها فاه مخافة أن تدركه رحمه الله . 
17864 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا الحسين بن علي  عن جعفر بن برقان  عن  ميمون بن مهران  قال : خطب الضحاك بن قيس  فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن فرعون  كان عبدا طاغيا ناسيا لذكر الله ، فلما أدركه الغرق قال : ( آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين   ) ، قال الله : ( آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين   ) . 
17865 - . . . . قال : حدثني أبي ، عن شعبة  عن عدي بن ثابت  عن سعيد بن جبير  عن ابن عباس   : أن فرعون  لما أدركه الغرق جعل جبريل  يحشو في فيه التراب خشية أن يغفر له . 
17866 - . . . . قال : حدثنا محمد بن عبيد  عن عيسى بن المغيرة  عن إبراهيم التيمي   : أن جبريل  عليه السلام قال : ما حسدت أحدا من بني آدم الرحمة إلا فرعون  
فإنه حين قال ما قال : خشيت أن تصل إلى الرب فيرحمه ، فأخذت من حمأة البحر وزبده ، فضربت به عينيه ووجهه . 
17867 - . . . . قال : أخبرنا أبو خالد الأحمر  عن عمر بن يعلى  عن سعيد بن جبير  عن ابن عباس  قال : قال جبريل  عليه السلام : لقد حشوت فاه الحمأة مخافة أن تدركه الرحمة  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					