القول في تأويل قوله تعالى : ( أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء  يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون   ( 20 ) ) 
قال أبو جعفر   : يعني جل ذكره بقوله : ( أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض   ) ، هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه أنهم يصدون عن سبيل الله ، يقول جل ثناؤه : إنهم لم يكونوا بالذي يعجزون ربهم بهربهم منه في الأرض إذا أراد عقابهم والانتقام منهم ، ولكنهم في قبضته وملكه ، لا يمتنعون منه إذا أرادهم ولا يفوتونه  [ ص: 286 ] هربا إذا طلبهم ( وما كان لهم من دون الله من أولياء   ) يقول : ولم يكن لهؤلاء المشركين إذا أراد عقابهم من دون الله أنصار ينصرونهم من الله ، ويحولون بينهم وبينه إذا هو عذبهم ، وقد كانت لهم في الدنيا منعة يمتنعون بها ممن أرادهم من الناس بسوء ، وقوله : ( يضاعف لهم العذاب   ) ، يقول ، تعالى ذكره : يزاد في عذابهم ، فيجعل لهم مكان الواحد اثنان . 
وقوله : ( ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون   ) ، فإنه اختلف في تأويله . 
فقال بعضهم : ذلك وصف الله به هؤلاء المشركين أنه قد ختم على سمعهم وأبصارهم ، وأنهم لا يسمعون الحق ، ولا يبصرون حجج الله ، سماع منتفع ، ولا إبصار مهتد . 
ذكر من قال ذلك : 
18092 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد  عن قتادة  قوله : ( ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون   ) صم عن الحق فما يسمعونه ، بكم فما ينطقون به ، عمي فلا يبصرونه ، ولا ينتفعون به 
18093 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى  قال : حدثنا محمد بن ثور  عن معمر  عن قتادة   : ( ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون   ) ، قال : ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا خيرا فينتفعوا به ، ولا يبصروا خيرا فيأخذوا به 
18094 - حدثني المثنى  قال : حدثنا عبد الله بن صالح  قال : حدثني معاوية  عن علي  عن ابن عباس  قال : أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك ، وبين طاعته في الدنيا والآخرة . أما في الدنيا ، فإنه قال : ( ما كانوا يستطيعون السمع   ) ،  [ ص: 287 ] وهي طاعته ( وما كانوا يبصرون   ) . وأما في الآخرة ، فإنه قال : ( فلا يستطيعون خاشعة   ) ، [ سورة القلم : 42 ، 43 ] . 
وقال آخرون : إنما عنى بقوله : ( وما كان لهم من دون الله من أولياء   ) ، آلهة الذين يصدون عن سبيل الله . وقالوا : معنى الكلام : أولئك وآلهتهم ، ( لم يكونوا معجزين في الأرض  يضاعف لهم العذاب  ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون   ) ، يعني الآلهة ، أنها لم يكن لها سمع ولا بصر . وهذا قول روي عن ابن عباس  من وجه كرهت ذكره لضعف سنده . 
وقال آخرون : معنى ذلك : يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع ولا يسمعونه ، وبما كانوا يبصرون ولا يتأملون حجج الله بأعينهم فيعتبروا بها . قالوا : و " الباء " كان ينبغي لها أن تدخل ، لأنه قد قال : ( ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون   ) ، [ سورة البقرة : 10 ] ، بكذبهم ، في غير موضع من التنزيل أدخلت فيه " الباء " وسقوطها جائز في الكلام كقولك في الكلام : " لأجزينك ما علمت ، وبما علمت " وهذا قول قاله بعض أهل العربية . 
قال أبو جعفر   : والصواب من القول في ذلك عندنا ، ما قاله ابن عباس  وقتادة  من أن الله تعالى ذكره وصفهم بأنهم لا يستطيعون أن يسمعوا الحق سماع منتفع ، ولا يبصرونه إبصار مهتد ، لاشتغالهم بالكفر الذي كانوا عليه مقيمين ، عن استعمال جوارحهم في طاعة الله ، وقد كانت لهم أسماع وأبصار . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					