القول في تأويل قوله تعالى : ( قال هذا صراط علي مستقيم    ( 41 ) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين   ( 42 ) ) 
اختلفت القراء في قراءة قوله ( قال هذا صراط علي مستقيم   ) فقرأه عامة قراء الحجاز  والمدينة  والكوفة  والبصرة   ( هذا صراط علي مستقيم   ) بمعنى : هذا طريق إلي مستقيم . 
فكان معنى الكلام : هذا طريق مرجعه إلي فأجازي كلا بأعمالهم ، كما قال الله تعالى ذكره ( إن ربك لبالمرصاد   ) ، وذلك نظير قول القائل لمن يتوعده ويتهدده : طريقك علي ، وأنا على طريقك ، فكذلك قوله : ( هذا صراط   ) معناه : هذا طريق علي وهذا طريق إلي . وكذلك تأول من قرأ ذلك كذلك . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى ،  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،   [ ص: 104 ] وحدثني الحسن بن محمد ،  قال : ثنا شبابة ،  قال : ثنا ورقاء ،  وحدثني المثنى ،  قال : ثنا أبو حذيفة ،  قال : ثنا شبل ،  وحدثني المثنى ،  قال : ثنا إسحاق ،  قال : ثنا عبد الله ،  عن ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله ( هذا صراط علي مستقيم   ) قال : الحق يرجع إلى الله ، وعليه طريقه ، لا يعرج على شيء  . 
حدثنا القاسم ،  قال : ثنا الحسين ،  قال : ثني حجاج ،  عن  ابن جريج ،  عن مجاهد ،  بنحوه . 
حدثنا أحمد بن يوسف ،  قال : ثنا القاسم ،  قال : ثنا مروان بن شجاع ،  عن خصيف ،  عن زياد بن أبي مريم ،   وعبد الله بن كثير  أنهما قرآها ( هذا صراط علي مستقيم   ) وقالا علي هي إلي وبمنزلتها . 
حدثنا الحسن بن محمد ،  قال : ثنا عبد الوهاب بن عطاء ،  عن إسماعيل بن مسلم ،  عن الحسن  وسعيد  عن قتادة ،  عن الحسن   ( هذا صراط علي مستقيم   ) يقول : إلي مستقيم . وقرأ ذلك قيس بن عباد   وابن سيرين  وقتادة  فيما ذكر عنهم ( هذا صراط علي مستقيم   ) برفع علي على أنه نعت للصراط ، بمعنى : رفيع . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني المثنى ،  قال : ثنا إسحاق ،  قال : ثنا ابن أبي حماد ،  قال : ثني جعفر البصري ،  عن ابن سيرين  أنه كان يقرأ ( هذا صراط علي مستقيم   ) يعني : رفيع  . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله ( هذا صراط علي مستقيم   ) أي رفيع مستقيم ، قال بشر ،  قال يزيد ،  قال سعيد   : هكذا نقرؤها نحن وقتادة   . 
حدثنا الحسن بن محمد ،  قال : ثنا عبد الوهاب ،  عن هارون ،  عن أبي العوام ،  عن قتادة ،  عن قيس بن عباد   ( هذا صراط علي مستقيم   ) يقول : رفيع  . 
والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأ ( هذا صراط علي مستقيم   ) على التأويل الذي ذكرناه عن مجاهد  والحسن البصري  ، ومن وافقهما عليه ، لإجماع الحجة من القراء عليها ، وشذوذ ما خالفها . 
 [ ص: 105 ] وقوله : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين   ) يقول تعالى ذكره : إن عبادي ليس لك عليهم حجة ، إلا من اتبعك على ما دعوته إليه من الضلالة ممن غوى وهلك . 
حدثني المثنى ،  قال : ثنا سويد ،  قال : أخبرنا ابن المبارك ،  عن عبيد الله بن موهب ،  قال ثنا  يزيد بن قسيط ،  قال : كانت الأنبياء لهم مساجد خارجة من قراهم ، فإذا أراد النبي أن يستنبئ ربه عن شيء ، خرج إلى مسجده ، فصلى ما كتب الله له ، ثم سأل ما بدا له ، فبينما نبي في مسجده ، إذ جاء عدو الله حتى جلس بينه وبين القبلة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فقال عدو الله : أرأيت الذي تعوذ منه فهو هو ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فردد ذلك ثلاث مرات ، فقال عدو الله : أخبرني بأي شيء تنجو مني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم ، مرتين ، فأخذ كل واحد منهما على صاحبه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى ذكره يقول : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين   ) قال عدو الله : قد سمعت هذا قبل أن تولد ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ويقول الله تعالى ذكره : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم   ) وإني والله ما أحسست بك قط إلا استعذت بالله منك ، فقال عدو الله : صدقت بهذا تنجو مني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فأخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم؟ قال : آخذه عند الغضب ، وعند الهوى  . 
				
						
						
