القول في تأويل قوله تعالى : ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا    ( 46 ) ) 
يقول تعالى ذكره : المال والبنون أيها الناس التي يفخر بها عيينة  والأقرع ،  ويتكبران بها على سلمان  وخباب  وصهيب ،  مما يتزين به في الحياة الدنيا ، وليسا من عداد الآخرة ( والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا   ) يقول : وما يعمل سلمان  وخباب  وصهيب  من طاعة الله ، ودعائهم ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ، الباقي لهم من الأعمال الصالحة بعد فناء الحياة الدنيا ، خير يا محمد  عند ربك ثوابا من المال والبنين التي يفتخر هؤلاء المشركون بها ، التي تفنى ، فلا تبقى لأهلها ( وخير أملا   ) يقول : وما يؤمل من ذلك سلمان  وصهيب  وخباب ،  خير مما يؤمل عيينة  والأقرع  من أموالهما وأولادهما . وهذه الآيات لمن لدن قوله : ( واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك   ) إلى هذا الموضع ، ذكر أنها نزلت في عيينة  والأقرع   . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا الحسين بن عمرو العنقزي ،  قال : ثنا أبي ، قال : ثنا أسباط بن نصر ،  عن  السدي ،  عن أبي سعيد الأزدي ،  وكان قارئ الأزد ،  عن أبي الكنود ،  عن خباب  في قوله : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي   ) ثم ذكر القصة التي ذكرناها في سورة الأنعام في قصة عيينة والأقرع ، إلى قوله : ( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا   ) قال : عيينة والأقرع ( واتبع هواه   ) قال : قال : ثم قال ضرب لهم مثلا رجلين ، ومثل الحياة الدنيا  . 
واختلف أهل التأويل في المعني بالباقيات الصالحات ، اختلافهم في المعني بالدعاء الذي وصف جل ثناؤه به الذين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن طردهم ، وأمره بالصبر معهم ، فقال بعضهم : هي الصلوات الخمس ، وقال بعضهم : هي ذكر الله بالتسبيح والتقديس والتهليل ، ونحو ذلك ، وقال بعضهم : هي العمل بطاعة الله ، وقال بعضهم : الكلام الطيب .  [ ص: 32 ] 
ذكر من قال : 
هي الصلوات الخمس : 
حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي ،  قال : ثنا يعقوب بن كاسب ،  قال : ثنا عبد الله بن عبد الله الأموي  قال : سمعت عبد الله بن يزيد بن هرمز  ، يحدث عن  عبيد الله بن عتبة ،  عن ابن عباس  أنه قال : الباقيات الصالحات : الصلوات الخمس  . 
حدثني زريق بن إسحاق ،  قال : ثنا قبيصة  عن سفيان ،  عن عبد الله بن مسلم ،  عن سعيد بن جبير ،  في قوله ( والباقيات الصالحات   ) قال : الصلوات الخمس  . 
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ،  قال ثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ،  عن أبي إسحاق  عن  عمرو بن شرحبيل  في هذه الآية ( والباقيات الصالحات   ) قال : هي الصلوات المكتوبات  . 
حدثنا الحسن بن يحيى ،  قال : أخبرنا عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا الثوري ،  عن عبد الله بن مسلم ،  عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عباس ،  قال : الباقيات الصالحات : الصلوات الخمس  . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا سفيان  عن الحسن بن عبد الله ،  عن إبراهيم ،  قال ( والباقيات الصالحات   ) الصلوات الخمس  . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا جرير ،  عن منصور ،  عن أبي إسحاق ،  عن أبي ميسرة   ( والباقيات الصالحات   ) قال : الصلوات الخمس  . 
ذكر من قال : هن ذكر الله بالتسبيح والتحميد ونحو ذلك : حدثنا ابن حميد  وعبد الله بن أبي زياد  ومحمد بن عمارة الأسدي ،  قالوا : ثنا عبد الله بن يزيد ،  قال : أخبرنا حيوة   . قال : أخبرنا أبو عقيل زهرة بن معبد القرشي  من بني تيم  من رهط  أبي بكر الصديق ،  أنه سمع الحرث مولى عثمان بن عفان ،  يقول : قيل لعثمان   : ما الباقيات الصالحات؟ قال : هن لا إله إلا الله ، سبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله  . 
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ،  قال : ثنا أبو زرعة ،  قال : ثنا حيوة ،  قال : ثنا أبو عقيل زهرة بن معبد ،  أنه سمع الحارث مولى عثمان بن عفان  يقول : قيل لعثمان بن عفان   : ما الباقيات الصالحات؟ قال : هي لا إله  [ ص: 33 ] إلا الله ، وسبحان الله وبحمده ، والله أكبر ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله  . 
حدثني  ابن عبد الرحيم البرقي ،  قال : ثنا ابن أبي مريم ،  قال : ثنا نافع بن يزيد  ورشدين بن سعد ،  قالا ثنا زهرة بن معبد ،  قال : سمعت الحارث مولى عثمان بن عفان  يقول : قالوا لعثمان   : ما الباقيات الصالحات؟ فذكر مثله . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا سفيان ،  عن عبد الله بن مسلم بن هرمز ،  عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عباس ،  في قوله : ( والباقيات الصالحات   ) قال : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر  . 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا ابن إدريس ،  قال : سمعت عبد الملك ،  عن عطاء ،  عن ابن عباس ،  في قوله ( والباقيات الصالحات   ) قال : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر  . 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا طلق بن غنام ،  عن زائدة ،  عن عبد الملك ،  عن عطاء  ، عن ابن عباس ،  مثله . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا مالك ،  عن عمارة بن عبد الله بن صياد ،  عن  سعيد بن المسيب ،  قال : ( والباقيات الصالحات   ) : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله  . 
حدثنا القاسم ،  قال : ثنا الحسين ،  قال : ثني حجاج ،  عن  ابن جريج ،  عن مجاهد ،  قال : أخبرني عبد الله بن عثمان بن خشيم  ، عن نافع بن سرجس ،  أنه أخبره أنه سأل ابن عمر  عن الباقيات الصالحات ، قال : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله  . قال  ابن جريج ،  وقال عطاء بن أبي رباح  مثل ذلك . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا سفيان ،  عن منصور ،  عن مجاهد ،  قال : الباقيات الصالحات : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر   . 
حدثنا  ابن المثنى ،  قال : ثنا محمد بن جعفر ،  قال : ثنا شعبة ،  عن  [ ص: 34 ] منصور ،  عن مجاهد ،  بنحوه . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا جرير ،  عن منصور ،  عن مجاهد ،  في قوله ( والباقيات الصالحات   ) قال : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر  . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : ثني أبو صخر   : أن عبد الله بن عبد الرحمن ، مولى سالم بن عبد الله ،  حدثه قال : أرسلني سالم بن محمد بن كعب القرظي ،  فقال : قل له القني عند زاوية القبر ، فإن لي إليك حاجة ، قال : فالتقيا ، فسلم أحدهما على الآخر ، ثم قال سالم   : ما تعد الباقيات الصالحات؟ فقال : لا إله إلا الله ، والحمد لله ، وسبحان الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فقال له سالم   : متى جعلت فيها لا حول ولا قوة إلا بالله؟ فقال : ما زلت أجعلها ، قال : فراجعه مرتين أو ثلاثا فلم ينزع ، قال : فأثبت ، قال سالم   : أجل ، فأثبت فإن أبا أيوب الأنصاري  حدثني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " عرج بي إلى السماء فأريت إبراهيم ، فقال : يا جبريل من هذا معك؟ فقال : محمد ، فرحب بي وسهل ، ثم قال : مر أمتك فلتكثر من غراس الجنة ، فإن تربتها طيبة ، وأرضها واسعة ، فقلت : وما غراس الجنة؟ قال : لا حول ولا قوة إلا بالله  " . 
وجدت في كتابي عن الحسن بن الصباح البزار ،  عن  أبي نصر التمار ،  عن عبد العزيز بن مسلم ،  عن محمد بن عجلان ،  عن سعيد المقبري ،  عن أبيه ، عن  أبي هريرة ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر من الباقيات الصالحات  " . 
حدثنا الحسن بن يحيى ،  قال : أخبرنا عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا معمر ،  عن الحسن  وقتادة ،  في قوله : ( والباقيات الصالحات خير   ) قال : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، والحمد لله ، وسبحان الله ، هن الباقيات الصالحات  . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : أخبرنا عمرو بن الحارث ،  أن دراجا أبا السمح  حدثه عن أبي الهيثم ،  عن  أبي سعيد الخدري ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " استكثروا من الباقيات الصالحات ، قيل : وما هي يا رسول الله ؟ قال : الملة ، قيل : وما هي يا رسول الله؟ قال : "التكبير  [ ص: 35 ] والتهليل والتسبيح ، والحمد ، ولا حول ولا قوة إلا بالله  " . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : أخبرني مالك ،  عن عمارة بن صياد ،  أنه سمع  سعيد بن المسيب  يقول في الباقيات الصالحات : إنها قول العبد : الله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله  . 
حدثني ابن البرقي ،  قال : ثنا ابن أبي مريم ،  قال : أخبرنا يحيى بن أيوب ،  قال : ثني ابن عجلان ،  عن عمارة بن صياد ،  قال : سألني  سعيد بن المسيب ،  عن الباقيات الصالحات ، فقلت : الصلاة والصيام ، قال : لم تصب ، فقلت : الزكاة والحج ، فقال : لم تصب ، ولكنهن الكلمات الخمس : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله  . 
ذكر من قال : هي العمل بطاعة الله عز وجل : حدثنا القاسم ،  قال : ثنا الحسين ،  قال : ثني حجاج ،  عن  ابن جريج ،  عن  عطاء الخراساني ،  عن ابن عباس   ( والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا   ) قال : الأعمال الصالحة : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر  . 
حدثني علي  ، قال : ثنا عبد الله ،  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس ،  قوله : ( والباقيات الصالحات   ) قال : هي ذكر الله قول لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، وتبارك الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وأستغفر الله ، وصلى الله على رسول الله والصيام والصلاة والحج والصدقة والعتق والجهاد والصلة ، وجميع أعمال الحسنات ، وهن الباقيات الصالحات ، التي تبقى لأهلها في الجنة ما دامت السماوات والأرض  . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله ( والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا   ) قال : الأعمال الصالحة  . 
ذكر من قال : هي الكلم الطيب   : حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ،  قوله : ( والباقيات الصالحات   ) قال : الكلام الطيب  . 
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : هن جميع أعمال الخير ، كالذي روي عن علي بن أبي طلحة ،  عن ابن عباس ،  لأن ذلك كله من  [ ص: 36 ] الصالحات التي تبقى لصاحبها في الآخرة ، وعليها يجازى ويثاب ، وإن الله عز ذكره لم يخصص من قوله ( والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا   ) بعضا دون بعض في كتاب ، ولا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
فإن ظن ظان أن ذلك مخصوص بالخبر الذي رويناه عن  أبي هريرة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن ذلك بخلاف ما ظن ، وذلك أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ورد بأن قول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، هن من الباقيات الصالحات ، ولم يقل : هن جميع الباقيات الصالحات ، ولا كل الباقيات الصالحات ، وجائز أن تكون هذه باقيات صالحات ، وغيرها من أعمال البر أيضا باقيات صالحات . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					