القول في تأويل قوله تعالى : ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون    ( 60 ) أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون   ( 61 ) ) 
يعني تعالى ذكره بقوله : ( والذين يؤتون ما آتوا   ) والذين يعطون أهل سهمان الصدقة ما فرض الله لهم في أموالهم . ( ما آتوا ) يعني : ما أعطوهم إياه من صدقة ، ويؤدون حقوق الله عليهم في أموالهم إلى أهلها ( وقلوبهم وجلة   ) يقول : خائفة من أنهم إلى ربهم راجعون ، فلا ينجيهم ما فعلوا من ذلك من عذاب الله ، فهم خائفون من المرجع إلى الله  [ ص: 45 ] لذلك ، كما قال الحسن   : إن المؤمن جمع إحسانا وشفقة  . 
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا سفيان ،  عن ابن أبجر ،  عن رجل ، عن ابن عمر   : ( يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة   ) قال : الزكاة . 
حدثني محمد بن عمارة ،  قال : ثنا  عبيد الله بن موسى ،  قال أخبرنا إسرائيل ،  عن أبي يحيى ،  عن مجاهد   : ( وقلوبهم وجلة   ) قال : المؤمن ينفق ماله وقلبه وجل  . 
حدثنا القاسم ،  قال : ثنا الحسين ،  قال : ثني حجاج ،  عن أبي الأشهب ،  عن الحسن ،  قال : ( يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة   ) قال : يعملون ما عملوا من أعمال البر ، وهم يخافون ألا ينجيهم ذلك من عذاب ربهم  . 
حدثنا القاسم ،  قال : ثني حجاج ،  عن  ابن جريج ،  قال : قال ابن عباس   : ( يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة   ) قال : المؤمن ينفق ماله ويتصدق ، وقلبه وجل أنه إلى ربه راجع  . 
حدثني يعقوب ،  قال : ثنا  ابن علية ،  عن يونس ،  عن الحسن  أنه كان يقول : إن المؤمن جمع إحسانا وشفقة ، وإن المنافق جمع إساءة وأمنا ، ثم تلا الحسن   : ( إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون  إلى وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون   ) وقال المنافق : إنما أوتيته على علم عندي   . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا  يحيى بن واضح ،  قال : ثنا الحسين بن واقد ،  عن يزيد ،  عن عكرمة   : ( يؤتون ما آتوا   ) قال : يعطون ما أعطوا . ( وقلوبهم وجلة   ) يقول : خائفة . 
حدثنا خلاد بن أسلم ،  قال : ثنا النضر بن شميل ،  قال : أخبرنا إسرائيل ،  قال : أخبرنا سالم الأفطس ،  عن سعيد بن جبير ،  في قوله : ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة   ) قال : يفعلون ما يفعلون وهم يعلمون أنهم صائرون إلى الموت ، وهي من المبشرات  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا محمد بن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة   : ( يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة   ) قال : يعطون ما أعطوا ويعملون ما عملوا من خير ، وقلوبهم وجلة خائفة  . 
حدثنا الحسن ،  قال : أخبرنا عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا معمر ،  عن قتادة ،  مثله . 
 [ ص: 46 ] حدثنا علي ،  قال : ثني معاوية ،  عن ابن عباس ،  قوله : ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة   ) يقول : يعملون خائفين  . 
قال : حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ،  قوله : ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة   ) قال : يعطون ما أعطوا ; فرقا من الله ووجلا من الله  . 
حدثت عن الحسين ،  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : أخبرنا عبيد ،  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : ( يؤتون ما آتوا   ) ينفقون ما أنفقوا . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد   : ( يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة   ) قال : يعطون ما أعطوا وينفقون ما أنفقوا ويتصدقون بما تصدقوا وقلوبهم وجلة ; اتقاء لسخط الله والنار  . وعلى هذه القراءة ، أعني على ( والذين يؤتون ما آتوا   ) قرأة الأمصار ، وبه رسوم مصاحفهم وبه نقرأ ; لإجماع الحجة من القراء عليه ، ووفاقه خط مصاحف المسلمين . 
وروي عن عائشة  رضي الله عنها في ذلك ، ما حدثناه أحمد بن يوسف ،  قال : ثنا القاسم ،  قال : ثنا علي بن ثابت   . عن طلحة بن عمرو ،  عن أبي خلف ،  قال : دخلت مع  عبيد بن عمير  على عائشة ،  فسألها عبيد ،  كيف نقرأ هذا الحرف ( والذين يؤتون ما آتوا   ) ؟ فقالت : ( يؤتون ما آتوا ) . وكأنها تأولت في ذلك : والذين يفعلون ما يفعلون من الخيرات وهم وجلون من الله . 
كالذي حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا الحكم بن بشير ،  قال : ثنا عمر بن قيس ،  عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني ،  عن أبي حازم ،  عن  أبي هريرة ،  قال : قالت عائشة   : " يا رسول الله ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة   ) هو الذي يذنب الذنب وهو وجل منه؟ فقال : لا ولكن من يصوم ويصلي ويتصدق وهو وجل  " . 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا ابن إدريس ،  عن  مالك بن مغول ،  عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب ،  أن عائشة  قالت : " قلت : يا رسول الله ( الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة   ) أهم الذين يذنبون وهم مشفقون ! ويصومون وهم مشفقون  " ؟ 
 [ ص: 47 ] حدثنا أبو كريب ،  قال ، ثنا ابن إدريس ،  قال : ثنا ليث ،  عن مغيث ،  عن رجل من أهل مكة ،  عن عائشة ،  قالت : قلت : يا رسول الله ( الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة   ) قال : فذكر مثل هذا . 
حدثنا سفيان بن وكيع ،  قال ، ثنا أبي ، عن  مالك بن مغول ،  عن عبد الرحمن بن سعيد ،  عن عائشة  أنها قالت : " يا رسول الله ( الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة   ) أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر؟ قال : لا يابنة أبي بكر ، أو يابنة الصديق ، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه  " . 
حدثنا القاسم ،  قال ، ثنا الحسين ،  قال : ثني جرير ،  عن ليث بن أبي سليم ،  وهشيم  عن العوام بن حوشب  ، جميعا عن عائشة  أنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يابنة أبي بكر ، أو يابنة الصديق ، هم الذين يصلون ، ويفرقون أن لا يتقبل منهم  " . و أن من قوله : ( أنهم إلى ربهم راجعون   ) في موضع نصب ; لأن معنى الكلام : ( وقلوبهم وجلة   ) من أنهم ، فلما حذفت ( من ) اتصل الكلام قبلها فنصبت ، وكان بعضهم يقول : هو في موضع خفض ، وإن لم يكن الخافض ظاهرا . 
وقوله : ( أولئك يسارعون في الخيرات   ) يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين هذه الصفات صفاتهم ، يبادرون في الأعمال الصالحة ، ويطلبون الزلفة عند الله بطاعته . 
كما حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( أولئك يسارعون في الخيرات   ) . 
قال : والخيرات : المخافة والوجل والإيمان ، والكف عن الشرك بالله ، فذلك المسابقة إلى هذه الخيرات ، 
قوله : ( وهم لها سابقون   ) كان بعضهم يقول : معناه سبقت لهم من الله السعادة ، فذلك سبوقهم الخيرات التي يعملونها . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي ،  قال : ثنا عبد الله ،  قال ، ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس ،  قوله : ( وهم لها سابقون   ) يقول : سبقت لهم السعادة . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( وهم لها سابقون   ) ، فتلك الخيرات . 
وكان بعضهم يتأول ذلك بمعنى : وهم إليها سابقون . وتأوله آخرون : وهم من أجلها سابقون . 
 [ ص: 48 ] وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب القول الذي قاله ابن عباس ،  من أنه سبقت لهم من الله السعادة قبل مسارعتهم في الخيرات ، ولما سبق لهم من ذلك سارعوا فيها . 
وإنما قلت ذلك أولى التأويلين بالكلام ; لأن ذلك أظهر معنييه ، وأنه لا حاجة بنا إذا وجهنا تأويل الكلام إلى ذلك ، إلى تحويل معنى " اللام " التي في قوله : ( لها سابقون   ) إلى غير معناها الأغلب عليها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					