القول في تأويل قوله تعالى : ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم    ( 26 ) ) 
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من القول ، والطيبات من القول  [ ص: 142 ] للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من القول . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ،  قوله : ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات   ) يقول : الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من القول . 
وقوله : ( والطيبات للطيبين   ) يقول : الطيبات من القول للطيبين من الرجال ، والطيبون من الرجال للطيبات من القول ، نزلت في الذين قالوا في زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا من البهتان ، ويقال : الخبيثات للخبيثين : الأعمال الخبيثة تكون للخبيثين : والطيبات من الأعمال تكون للطيبين  . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا سفيان ،  عن عثمان بن الأسود ،  عن مجاهد ،  الخبيثات من الكلام للخبيثين من الناس ، والطيبات من الكلام للطيبين من الناس  . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا سفيان ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  مثله . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى ،  عن ابن أبي نجيح ،  في قول الله : ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات   ) قال : الطيبات : القول الطيب ، يخرج من الكافر والمؤمن فهو للمؤمن ، والخبيثات : القول الخبيث يخرج من المؤمن والكافر فهو للكافر ( أولئك مبرءون مما يقولون   ) وذلك أنه برأ كليهما مما ليس بحق من الكلام  . 
حدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  في قوله : ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات   ) يقول : الخبيثات والطيبات : القول السيئ والحسن ، للمؤمنين الحسن وللكافرين السيئ ( أولئك مبرءون مما يقولون   ) وذلك بأنه ما قال الكافرون من كلمة طيبة فهي للمؤمنين ، وما قال المؤمنون من كلمة خبيثة فهي للكافرين ، كل بريء مما ليس بحق من الكلام  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن  [ ص: 143 ] مجاهد   : ( الخبيثات للخبيثين   ) قال : الخبيثات من الكلام للخبيثين من الناس ، والخبيثون من الناس للخبيثات من الكلام  . 
حدثنا الحسن  قال : أخبرنا عبد الرزاق ،  قال أخبرنا معمر  عن ابن أبي نجيح  عن مجاهد ،  مثله . 
حدثت عن الحسين ،  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : أخبرنا عبيد ،  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : ( الخبيثات للخبيثين   ) . . الآية ، يقول : الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من القول ، والطيبات من القول للطيبين من الرجال ، والطيبون من الرجال للطيبات من القول ، فهذا في الكلام ، وهم الذين قالوا  لعائشة  ما قالوا ، هم الخبيثون ، والطيبون هم المبرءون مما قال الخبيثون  . 
حدثنا أبو زرعة ،  قال ثنا أبو نعيم ،  قال : ثنا سلمة ، يعني ابن نبيط الأشجعي ،  عن الضحاك   : ( الخبيثات للخبيثين   ) قال : الخبيثات من الكلام للخبيثين من الناس ، والطيبات من الكلام للطيبين من الناس  . 
قال : ثنا قبيصة ،  قال : ثنا سفيان ،  عن ابن أبي نجيح   وعثمان بن الأسود ،  عن مجاهد   : ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات   ) قال : الخبيثات من الكلام للخبيثين من الناس ، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول ، والطيبات من القول للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من القول  . 
قال : ثنا سفيان  عن خصيف ،  عن سعيد بن جبير ،  قال : ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات   ) قال : الخبيثات من القول للخبيثين من الناس ، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول ، والطيبات من القول للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من القول  . 
قال : ثني محمد بن بكر بن مقدم ،  قال : أخبرنا يحيى بن سعيد ،  عن عبد الملك ، يعني ابن أبي سليمان ،  عن القاسم بن أبي بزة ،  عن سعيد بن جبير ،  عن مجاهد   : ( والخبيثون للخبيثات   ) قال : الخبيثات من القول للخبيثين من الناس  . 
قال : ثنا  عباس بن الوليد النرسي ،  قال : ثنا  يزيد بن زريع ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   : ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات   ) يقول : الخبيثات من القول والعمل للخبيثين من الناس ، والخبيثون من الناس للخبيثات  [ ص: 144 ] من القول والعمل  . 
حدثنا ابن وكيع ،  قال : ثنا أبي ، عن طلحة بن عمرو ،  عن عطاء ،  قال : الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات قال : الطيبات من القول للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من القول ، والخبيثات من القول للخبيثين من الناس ، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد  في قوله : ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات   ) قال : نزلت في عائشة  حين رماها المنافق بالبهتان والفرية ، فبرأها الله من ذلك . وكان عبد الله بن أبي  هو خبيث ، وكان هو أولى بأن تكون له الخبيثة ويكون لها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبا ، وكان أولى أن تكون له الطيبة ، وكانت عائشة  الطيبة ، وكان أولى أن يكون لها الطيب ( أولئك مبرءون مما يقولون   ) قال : هاهنا برئت عائشة   ( لهم مغفرة ورزق كريم   ) . 
وأولى هذه الأقوال في تأويل الآية قول من قال : عنى بالخبيثات : الخبيثات من القول ، وذلك قبيحه وسيئه للخبيثين من الرجال والنساء ، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول ، هم بها أولى ; لأنهم أهلها . والطيبات من القول ، وذلك حسنه وجميله للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من القول ; لأنهم أهلها وأحق بها . 
وإنما قلنا هذا القول أولى بتأويل الآية ; لأن الآيات قبل ذلك إنما جاءت بتوبيخ الله للقائلين في عائشة  الإفك ، والرامين المحصنات الغافلات المؤمنات ، وإخبارهم ما خصهم به على إفكهم ، فكان ختم الخبر عن أولى الفريقين بالإفك من الرامي والمرمي به ، أشبه من الخبر عن غيرهم . 
وقوله : ( أولئك مبرءون   ) يقول : الطيبون من الناس مبرءون من خبيثات القول ، إن قالوها فإن الله يصفح لهم عنها ، ويغفرها لهم ، وإن قيلت فيهم ; ضرت قائلها ولم تضرهم ، كما لو قال الطيب من القول الخبيث من الناس لم ينفعه الله به ، لأن الله لا يتقبله ،  [ ص: 145 ] ولو قيلت له لضرته ; لأنه يلحقه عارها في الدنيا ، وذلها في الآخرة . 
كما حدثنا الحسن ،  قال : أخبرنا عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا معمر ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   : ( أولئك مبرءون مما يقولون   ) فمن كان طيبا فهو مبرأ من كل قول خبيث ، يقول يغفره الله ، ومن كان خبيثا فهو مبرأ من كل قول صالح ، فإنه يرده الله عليه لا يقبله منه ، وقد قيل : عني بقوله : ( أولئك مبرءون مما يقولون   ) عائشة   وصفوان بن المعطل  الذي رميت به ، فعلى هذا القول قيل " أولئك " فجمع ، والمراد ذانك ، كما قيل : ( وإن كانوا إخوة   ) والمراد أخوان . 
وقوله : ( لهم مغفرة ) يقول لهؤلاء الطيبين من الناس مغفرة من الله لذنوبهم ، والخبيث من القول إن كان منهم ( ورزق كريم ) يقول : ولهم أيضا مع المغفرة عطية من الله كريمة ، وذلك الجنة ، وما أعد لهم فيها من الكرامة . 
كما حدثنا أبو زرعة ،  قال : ثنا  العباس بن الوليد النرسي ،  قال : ثنا  يزيد بن زريع ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   : ( لهم مغفرة ورزق كريم   ) : مغفرة لذنوبهم ورزق كريم في الجنة  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					