القول في تأويل قوله تعالى : ( ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء  تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون   ( 28 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : مثل لكم أيها القوم ربكم مثلا من أنفسكم ، ( هل لكم من ما ملكت أيمانكم   ) يقول : من مماليككم من شركاء ، فيما رزقناكم من مال ، فأنتم فيه سواء وهم؟ يقول : فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تكون آلهتكم التي تعبدونها لي شركاء في عبادتكم إياي ، وأنتم وهم عبيدي ومماليكي ، وأنا مالك جميعكم . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة  قوله : ( ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء   ) قال : مثل ضربه الله لمن عدل به شيئا من خلقه ، يقول : أكان أحدكم مشاركا مملوكه في فراشه وزوجته ؟! فكذلكم الله لا يرضى أن يعدل به أحد من خلقه  . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله : ( ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء   ) قال : هل تجد أحدا يجعل عبده هكذا في ماله ، فكيف تعمد أنت وأنت تشهد أنهم عبيدي وخلقي ، وتجعل لهم نصيبا في عبادتي ، كيف يكون هذا ؟ قال : وهذا مثل ضربه الله لهم ، وقرأ : ( كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون   )  . 
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( تخافونهم كخيفتكم أنفسكم   ) فقال بعضهم : معنى ذلك : تخافون هؤلاء الشركاء ، مما ملكت أيمانكم ، أن يرثوكم أموالكم من بعد وفاتكم ، كما يرث بعضكم بعضا .  [ ص: 96 ] 
ذكر من قال ذلك : 
حدثت عن حجاج ،  عن  ابن جريج ،  عن  عطاء الخراساني ،  عن ابن عباس  قال : في الآلهة ، وفيه يقول : تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : تخافون هؤلاء الشركاء مما ملكت أيمانكم أن يقاسموكم أموالكم ، كما يقاسم بعضكم بعضا . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن عبد الأعلى  قال : ثنا المعتمر  قال : سمعت عمران  قال : قال أبو مجلز   : إن مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك ، وليس له ذلك ، كذلك الله لا شريك له . 
وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك ، القول الثاني ؛ لأنه أشبههما بما دل عليه ظاهر الكلام ، وذلك أن الله جل ثناؤه وبخ هؤلاء المشركين الذين يجعلون له من خلقه آلهة يعبدونها ، وأشركوهم في عبادتهم إياه ، وهم مع ذلك يقرون بأنها خلقه وهم عبيده ، وعيرهم بفعلهم ذلك ، فقال لهم : هل لكم من عبيدكم شركاء فيما خولناكم من نعمنا ، فهم سواء ، وأنتم في ذلك تخافون أن يقاسموكم ذلك المال الذي هو بينكم وبينهم ، كخيفة بعضكم بعضا أن يقاسمه ما بينه وبينه من المال شركة ، فالخيفة التي ذكرها - تعالى ذكره - بأن تكون خيفة مما يخاف الشريك من مقاسمة شريكه المال الذي بينهما إياه ، أشبه من أن تكون خيفة منه بأن يرثه ؛ لأن ذكر الشركة لا يدل على خيفة الوراثة ، وقد يدل على خيفة الفراق والمقاسمة . 
وقوله : ( كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون   ) يقول - تعالى ذكره - : كما بينا لكم أيها القوم حججنا في هذه الآيات من هذه السورة على قدرتنا على ما نشاء من إنشاء ما نشاء ، وإفناء ما نحب ، وإعادة ما نريد إعادته بعد فنائه ، ودللنا على أنه لا تصلح العبادة إلا للواحد القهار ، الذي بيده ملكوت كل شيء كذلك نبين حججنا في كل حق لقوم يعقلون ، فيتدبرونها إذا سمعوها ، ويعتبرون فيتعظون بها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					