[ ص: 503 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير    ( 7 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : وهكذا ( أوحينا إليك ) يا محمد   ( قرآنا عربيا   ) بلسان العرب ، لأن الذين أرسلتك إليهم قوم عرب ، فأوحينا إليك هذا القرآن بألسنتهم ، ليفهموا ما فيه من حجج الله وذكره ، لأنا لا نرسل رسولا إلا بلسان قومه ، ليبين لهم ( لتنذر أم القرى   ) وهي مكة   ( ومن حولها ) يقول : ومن حول أم القرى من سائر الناس . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا محمد  قال : ثنا أحمد  قال : ثنا أسباط  ، عن  السدي  ، في قوله : ( لتنذر أم القرى   ) قال : مكة   . 
وقوله : ( وتنذر يوم الجمع   ) يقول عز وجل : وتنذر عقاب الله في يوم جمع عباده لموقف الحساب والعرض . وقيل : وتنذر يوم الجمع ، والمعنى : وتنذرهم يوم الجمع ، كما قيل : يخوف أولياءه ، والمعنى : يخوفكم أولياءه . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا محمد  قال : ثنا أحمد  قال : ثنا أسباط  ، عن  السدي   ( وتنذر يوم الجمع   ) قال : يوم القيامة  . 
وقوله : ( لا ريب فيه ) يقول : لا شك فيه . 
وقوله : ( فريق في الجنة وفريق في السعير   ) يقول : منهم فريق في الجنة ، وهم الذين آمنوا بالله واتبعوا ما جاءهم به رسوله ( وفريق في السعير   ) يقول : ومنهم فريق في الموقدة من نار الله المسعورة على  [ ص: 504 ] أهلها ، وهم الذين كفروا بالله ، وخالفوا ما جاءهم به رسوله . 
وقد حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : أخبرني عمرو بن الحارث  ، عن أبي قبيل المعافري  ، عن شفي الأصبحي  ، عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفى يده كتابان ، فقال : " هل تدرون ما هذا ؟ " فقلنا : لا إلا أن تخبرنا يا رسول الله ، قال : " هذا كتاب من رب العالمين ، فيه أسماء أهل الجنة ، وأسماء آبائهم وقبائلهم " ثم أجمل على آخرهم ، فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا ، وهذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم " ثم أجمل على آخرهم ، " فلا يزاد ولا ينقص منهم أبدا " قال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ففيم إذن نعمل إن كان هذا أمرا قد فرغ منه ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بل سددوا وقاربوا ، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل الجنة وإن عمل أي عمل ، وصاحب النار يختم له بعمل النار وإن عمل أي عمل ، فرغ ربكم من العباد " ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيديه فنبذهما : " فرغ ربكم من الخلق ، فريق في الجنة ، وفريق في السعير " قالوا : سبحان الله ، فلم نعمل وننصب ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " العمل إلى خواتمه  " . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : أخبرني عمرو بن الحارث  وحيوة بن شريح  ، عن يحيى بن أبي أسيد  ، أن أبا فراس  حدثه أنه سمع عبد الله بن عمرو  يقول : إن الله - تعالى ذكره - لما خلق آدم نفضه نفض المزود ، فأخرج منه كل ذرية ، فخرج أمثال النغف ، فقبضهم قبضتين ، ثم قال : شقي وسعيد ، ثم ألقاهما ، ثم قبضهما فقال : ( فريق في الجنة وفريق في السعير   )  " . 
قال : أخبرني عمرو بن الحارث  ، عن أبي شبويه  ، حدثه عن ابن حجيرة  أنه بلغه أن موسى  قال : يا رب خلقك الذين خلقتهم ، جعلت منهم فريقا في الجنة ،  [ ص: 505 ] وفريقا في السعير ، لو ما أدخلتهم كلهم الجنة قال : يا موسى  ارفع زرعك ، فرفع ، قال : قد رفعت ، قال : ارفع ، فرفع ، فلم يترك شيئا ، قال : يا رب قد رفعت ، قال : ارفع ، قال : قد رفعت إلا ما لا خير فيه ، قال : كذلك أدخل خلقي كلهم الجنة إلا ما لا خير فيه  . وقيل : ( فريق في الجنة وفريق في السعير   ) فرفع . وقد تقدم الكلام قبل ذلك بقوله : ( لتنذر أم القرى ومن حولها   ) بالنصب ، لأنه أريد به الابتداء ، كما يقال : رأيت العسكر مقتول أو منهزم ، بمعنى : منهم مقتول ، ومنهم منهزم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					