القول في تأويل قوله تعالى : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير    ( 30 ) وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير   ( 31 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : وما يصيبكم أيها الناس من مصيبة في الدنيا في أنفسكم وأهليكم وأموالكم ( فبما كسبت أيديكم   ) يقول : فإنما يصيبكم ذلك عقوبة من الله لكم بما اجترمتم من الآثام فيما بينكم وبين ربكم ويعفو لكم ربكم عن كثير من إجرامكم ، فلا يعاقبكم بها . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : ثنا  ابن علية  قال : ثنا أيوب  قال : قرأت في كتاب أبي قلابة  قال : نزلت : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره   ) وأبو بكر  رضي الله عنه يأكل ، فأمسك فقال : يا  [ ص: 539 ] رسول الله إني لراء ما عملت من خير أو شر ؟ فقال : " أرأيت ما رأيت مما تكره فهو من مثاقيل ذر الشر ، وتدخر مثاقيل الخير حتى تعطاه يوم القيامة " قال : قال أبو إدريس : فأرى مصداقها في كتاب الله ، قال : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير   )  . 
قال أبو جعفر   : حدث هذا الحديث الهيثم بن الربيع  ، فقال فيه أيوب  عن أبي قلابة  ، عن أنس  ، أن أبا بكر  رضي الله عنه كان جالسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث ، وهو غلط ، والصواب عن أبي إدريس   . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة   ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم   ) . . . . الآية " ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " لا يصيب ابن آدم خدش عود ، ولا عثرة قدم ، ولا اختلاج عرق إلا بذنب  ، وما يعفو عنه أكثر  " . 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم   ) . . . . الآية ، قال : يعجل للمؤمنين عقوبتهم بذنوبهم ولا يؤاخذون بها في الآخرة  . 
وقال آخرون : بل عنى بذلك : وما عوقبتم في الدنيا من عقوبة بحد حددتموه على ذنب استوجبتموه عليه فبما كسبت أيديكم يقول : فيما عملتم من معصية الله ( ويعفو عن كثير   ) فلا يوجب عليكم فيها حدا . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن عبد الأعلى  قال : ثنا ابن ثور  ، عن معمر  ، عن الحسن   ( وما أصابكم من مصيبة   ) . . . الآية ، قال : هذا في الحدود  . وقال قتادة   : بلغنا أنه ما من رجل يصيبه عثرة قدم ولا خدش عود أو كذا وكذا إلا بذنب ، أو يعفو ، وما يعفو أكثر  . 
وقوله : ( وما أنتم بمعجزين في الأرض   ) يقول : وما أنتم أيها الناس بمفيتي ربكم  [ ص: 540 ] بأنفسكم إذا أراد عقوبتكم على ذنوبكم التي أذنبتموها ، ومعصيتكم إياه التي ركبتموها هربا في الأرض ، فمعجزيه ، حتى لا يقدر عليكم ، ولكنكم حيث كنتم في سلطانه وقبضته ، جارية فيكم مشيئته ( وما لكم من دون الله من ولي   ) يليكم بالدفاع عنكم إذا أراد عقوبتكم على معصيتكم إياه ( ولا نصير ) يقول : ولا لكم من دونه نصير ينصركم إذا هو عاقبكم ، فينتصر لكم منه ، فاحذروا أيها الناس معاصيه  ، واتقوه أن تخالفوه فيما أمركم أو نهاكم ، فإنه لا دافع لعقوبته عمن أحلها به . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					