[ ص: 259 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم    ( 160 ) ) 
قال أبو جعفر   : يعني تعالى ذكره بذلك : أن الله واللاعنين يلعنون الكاتمين الناس ما علموا من أمر نبوة محمد  صلى الله عليه وسلم وصفته ونعته في الكتاب الذي أنزله الله وبينه للناس ، إلا من أناب من كتمانه ذلك منهم ؛ وراجع التوبة بالإيمان بمحمد  صلى الله عليه وسلم ، والإقرار به وبنبوته ، وتصديقه فيما جاء به من عند الله ، وبيان ما أنزل الله في كتبه التي أنزل إلى أنبيائه ، من الأمر باتباعه ؛ وأصلح حال نفسه بالتقرب إلى الله من صالح الأعمال بما يرضيه عنه ؛ وبين الذي علم من وحي الله الذي أنزله إلى أنبيائه وعهد إليهم في كتبه فلم يكتمه ، وأظهره فلم يخفه "فأولئك " ، يعني : هؤلاء الذين فعلوا هذا الذي وصفت منهم ، هم الذين أتوب عليهم ، فأجعلهم من أهل الإياب إلى طاعتي ، والإنابة إلى مرضاتي . 
ثم قال تعالى ذكره : "وأنا التواب الرحيم " ، يقول : وأنا الذي أرجع بقلوب عبيدي المنصرفة عنى إلي ، والرادها بعد إدبارها عن طاعتي إلى طلب محبتي ، والرحيم بالمقبلين بعد إقبالهم إلي ، أتغمدهم مني بعفو ، وأصفح عن عظيم ما كانوا اجترموا فيما بيني وبينهم ، بفضل رحمتي لهم . 
فإن قال قائل : وكيف يتاب على من تاب ؟ وما وجه قوله : "إلا الذين تابوا فأولئك أتوب عليهم " ؟ وهل يكون تائب إلا وهو متوب عليه ، أو متوب عليه إلا وهو تائب ؟ 
قيل : ذلك مما لا يكون أحدهما إلا والآخر معه ، فسواء قيل : إلا الذين تيب عليهم فتابوا - أو قيل : إلا الذين تابوا فإني أتوب عليهم . وقد بينا وجه ذلك  [ ص: 260 ] فيما جاء من الكلام هذا المجيء ، في نظيره فيما مضى من كتابنا هذا ، فكرهنا إعادته في هذا الموضع . 
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
2390 - حدثنا بشر بن معاذ  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد  ، عن قتادة  في قوله : " إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا   " ، يقول : أصلحوا فيما بينهم وبين الله ، وبينوا الذي جاءهم من الله ، فلم يكتموه ولم يجحدوا به : أولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم  . 
2391 - حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله : "إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا " قال : بينوا ما في كتاب الله للمؤمنين ، وما سألوهم عنه من أمر النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا كله في يهود . 
قال أبو جعفر   : وقد زعم بعضهم أن معنى قوله : "وبينوا " ، إنما هو : وبينوا التوبة بإخلاص العمل . ودليل ظاهر الكتاب والتنزيل بخلافه ؛ لأن القوم إنما عوتبوا قبل هذه الآية ، على كتمانهم ما أنزل الله تعالى ذكره وبينه في كتابه ، في أمر محمد  صلى الله عليه وسلم ودينه ، ثم استثنى منهم تعالى ذكره الذين يبينون أمر محمد  صلى الله عليه وسلم ودينه ، فيتوبون مما كانوا عليه من الجحود والكتمان ، فأخرجهم من عداد من يلعنه الله ويلعنه اللاعنون ، ولم يكن العتاب على تركهم تبيين التوبة بإخلاص العمل . 
والذين استثنى الله من الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد  [ ص: 261 ] ما بينه للناس في الكتاب ،  عبد الله بن سلام  وذووه من أهل الكتاب ، الذين أسلموا فحسن إسلامهم ، واتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					