القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض  فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير   ( 3 ) ) 
يقول تعالى ذكره : ( وإذ أسر النبي   ) محمد  صلى الله عليه وسلم ( إلى بعض أزواجه   ) ، وهو في قول ابن عباس  وقتادة  وزيد بن أسلم  وابنه عبد الرحمن بن زيد   والشعبي   والضحاك بن مزاحم   : حفصة   . وقد ذكرنا الرواية في ذلك قبل . 
وقوله : ( حديثا ) والحديث الذي أسر إليها في قول هؤلاء هو قوله لمن أسر إليه ذلك من أزواجه تحريم فتاته ، أو ما حرم على نفسه مما كان الله جل ثناؤه قد أحله له ، وحلفه على ذلك ، وقوله : "لا تذكري ذلك لأحد" . 
وقوله : ( فلما نبأت به   ) يقول تعالى ذكره : فلما أخبرت بالحديث الذي أسر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبتها ( وأظهره الله عليه   ) يقول :  [ ص: 482 ] وأظهر الله نبيه محمدا  صلى الله عليه وسلم على أنها قد أنبأت بذلك صاحبتها . 
وقوله : ( عرف بعضه وأعرض عن بعض   ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار غير الكسائي   ( عرف ) بتشديد الراء ، بمعنى : عرف النبي صلى الله عليه وسلم حفصة  بعض ذلك الحديث وأخبرها به ، وكان الكسائي  يذكر عن  الحسن البصري   وأبي عبد الرحمن السلمي  وقتادة ،  أنهم قرءوا ذلك ( عرف ) بتخفيف الراء ، بمعنى : عرف  لحفصة  بعض ذلك الفعل الذي فعلته من إفشائها سره ، وقد استكتمها إياه ، أي غضب من ذلك عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجازاها عليه; من قول القائل لمن أساء إليه : لأعرفن لك يا فلان ما فعلت ، بمعنى : لأجازينك عليه; قالوا : وجازاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك من فعلها بأن طلقها . 
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه ( عرف بعضه ) بتشديد الراء ، بمعنى : عرف النبي صلى الله عليه وسلم حفصة ،  يعني ما أظهره الله عليه من حديثها صاحبتها؛ لإجماع الحجة من القراء عليه . 
وقوله : ( وأعرض عن بعض   ) يقول : وترك أن يخبرها ببعض . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا   ) قوله لها : لا تذكريه ( فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض   ) وكان كريما صلى الله عليه وسلم . 
وقوله : ( فلما نبأها به ) يقول : فلما خبر حفصة  نبي الله صلى الله عليه وسلم بما أظهره الله عليه من إفشائها سر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عائشة   ( قالت من أنبأك هذا   ) يقول : قالت حفصة  لرسول الله صلى الله عليه  [ ص: 483 ] وسلم : من أنبأك هذا الخبر وأخبرك به ( قال نبأني العليم الخبير   ) يقول تعالى ذكره : قال محمد  نبي الله  لحفصة   : خبرني به العليم بسرائر عباده ، وضمائر قلوبهم ، الخبير بأمورهم ، الذي لا يخفى عنه شيء . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا   ) ولم تشك أن صاحبتها أخبرت عنها ( قال نبأني العليم الخبير   ) . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					