القول في تأويل قوله تعالى : ( وبنينا فوقكم سبعا شدادا    ( 12 ) وجعلنا سراجا وهاجا   ( 13 ) وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا   ( 14 ) ) . 
يقول تعالى ذكره : ( وبنينا فوقكم   ) : وسقفنا فوقكم ، فجعل السقف بناء ، إذ كانت العرب تسمي سقوف البيوت - وهي سماؤها - بناء وكانت السماء للأرض سقفا ، فخاطبهم بلسانهم إذ كان التنزيل بلسانهم ، وقال ( سبعا شدادا   ) إذ كانت وثاقا محكمة الخلق ، لا صدوع فيهن ولا فطور ، ولا يبليهن مر الليالي والأيام . 
وقوله : ( وجعلنا سراجا وهاجا   ) يقول تعالى ذكره : وجعلنا سراجا ، يعني بالسراج : الشمس وقوله : ( وهاجا   ) يعني : وقادا مضيئا . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .  [ ص: 153 ] 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي ،  قال : ثنا أبو صالح ،  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس ،  في قوله : ( وجعلنا سراجا وهاجا   ) يقول : مضيئا  . 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   ( وجعلنا سراجا وهاجا   ) يقول : سراجا منيرا  . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى ،  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( سراجا وهاجا   ) قال : يتلألأ  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة   ( سراجا وهاجا   ) قال : الوهاج : المنير  . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان   ( سراجا وهاجا   ) قال : يتلألأ ضوءه  . 
وقوله : ( وأنزلنا من المعصرات   ) اختلف أهل التأويل في المعني بالمعصرات ، فقال بعضهم : عني بها الرياح التي تعصر في هبوبها . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ،  قوله : ( وأنزلنا من المعصرات   ) فالمعصرات : الريح  . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا  يحيى بن واضح ،  قال : ثنا الحسين ،  عن يزيد ،  عن عكرمة ،  أنه كان يقرأ ( وأنزلنا بالمعصرات ) يعني : الرياح  . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( من المعصرات   ) قال : الريح  . 
وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  مثله . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قال : هي في بعض القراءات ( وأنزلنا بالمعصرات ) : الرياح . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( وأنزلنا من المعصرات   ) قال : المعصرات : الرياح ، وقرأ قول الله : ( الذي يرسل الرياح فتثير سحابا   )  [ ص: 154 ] إلى آخر الآية  . 
وقال آخرون : بل هي السحاب التي تتحلب بالمطر ولما تمطر ، كالمرأة المعصر التي قد دنا أوان حيضها ولم تحض . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان   ( من المعصرات   ) قال : المعصرات : السحاب  . 
حدثني علي ،  قال : ثنا أبو صالح ،  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس ،  قوله : ( وأنزلنا من المعصرات   ) يقول : من السحاب  . 
قال : ثنا مهران ،  عن أبي جعفر ،  عن الربيع   : ( المعصرات ) السحاب  . 
وقال آخرون : بل هي السماء . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يعقوب ،  قال : ثنا  ابن علية ،  عن أبي رجاء ،  قال : سمعت الحسن  يقول : ( وأنزلنا من المعصرات   ) قال : من السماء  . 
حدثنا بشر   . قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : ( وأنزلنا من المعصرات   ) قال : من السماوات  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة ،  قوله : ( وأنزلنا من المعصرات   ) قال : من السماء  . 
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله أخبر أنه أنزل من المعصرات - وهي التي قد تحلبت بالماء من السحاب - ماء . 
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب; لأن القول في ذلك على أحد الأقوال الثلاثة التي ذكرت ، والرياح لا ماء فيها فينزل منها ، وإنما ينزل بها ، وكان يصح أن تكون الرياح لو كانت القراءة ( وأنزلنا بالمعصرات ) فلما كانت القراءة ( من المعصرات   ) علم أن المعني بذلك ما وصفت . 
فإن ظن ظان أن الباء قد تعقب في مثل هذا الموضع من قيل ذلك ، وإن كان كذلك ، فالأغلب من معنى " من " غير ذلك ، والتأويل على الأغلب من معنى الكلام . فإن قال : فإن السماء قد يجوز أن تكون مرادا بها . قيل : إن ذلك وإن كان كذلك ،  [ ص: 155 ] فإن الأغلب من نزول الغيث من السحاب دون غيره . 
وأما قوله : ( ماء ثجاجا   ) يقول : ماء منصبا يتبع بعضه بعضا كثج دماء البدن ، وذلك سفكها . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي ،  قال : ثنا أبو صالح ،  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس   ( ماء ثجاجا   ) قال : منصبا  . 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   : ( ماء ثجاجا   ) ماء من السماء منصبا  . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى ،  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( ماء ثجاجا   ) قال : منصبا  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة   : ( ماء ثجاجا   ) قال : الثجاج : المنصب  . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن أبي جعفر ،  عن الربيع   ( ماء ثجاجا   ) قال : منصبا  . 
قال : ثنا مهران ،  عن سفيان   ( ماء ثجاجا   ) قال : متتابعا  . 
وقال بعضهم : عني بالثجاج : الكثير . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب   ( ماء ثجاجا   ) قال : كثيرا ، ولا يعرف في كلام العرب من صفة الكثرة الثج ، وإنما الثج : الصب المتتابع . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أفضل الحج العج والثج  " يعني بالثج : صب دماء الهدايا والبدن بذبحها ، يقال منه : ثججت دمه ، فأنا أثجه ثجا ، وقد ثج الدم ، فهو يثج ثجوجا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					