[ ص: 448 ]  [ ص: 449 ]  [ ص: 450 ]  [ ص: 451 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
القول في تأويل قوله تعالى جل ثناؤه وتقدست أسماؤه : ( والشمس وضحاها    ( 1 ) والقمر إذا تلاها   ( 2 ) والنهار إذا جلاها   ( 3 ) والليل إذا يغشاها   ( 4 ) والسماء وما بناها   ( 5 ) والأرض وما طحاها   ( 6 ) ونفس وما سواها   ( 7 ) فألهمها فجورها وتقواها   ( 8 ) ) . 
قوله : ( والشمس وضحاها   ) قسم أقسم ربنا تعالى ذكره بالشمس وضحاها ; ومعنى الكلام : أقسم بالشمس ، وبضحى الشمس . 
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( وضحاها ) فقال بعضهم : معنى ذلك : والشمس والنهار ، وكان يقول : الضحى : هو النهار كله . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( والشمس وضحاها   ) قال : هذا النهار . 
وقال آخرون : معنى ذلك : وضوئها . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى ;  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  في قول الله : ( والشمس وضحاها   ) قال : ضوئها . 
والصواب من القول في ذلك أن يقال : أقسم جل ثناؤه بالشمس ونهارها ; لأن ضوء الشمس الظاهرة هو النهار . [ ص: 452 ] 
وقوله : ( والقمر إذا تلاها   ) يقول تعالى ذكره : والقمر إذا تبع الشمس ، وذلك في النصف الأول من الشهر ، إذا غربت الشمس ، تلاها القمر طالعا . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   ( والقمر إذا تلاها   ) قال : يتلو النهار . 
حدثني يعقوب ،  قال : ثنا هشيم ،  قال : أخبرنا عبد الملك ،  عن قيس بن سعد ،  عن مجاهد ،  قوله : ( والقمر إذا تلاها   ) يعني : الشمس إذا تبعها القمر  . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى ;  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   ( والقمر إذا تلاها   ) قال : تبعها . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( والقمر إذا تلاها   ) يتلوها صبيحة الهلال فإذا سقطت الشمس رئي الهلال . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة ،  في قوله : ( والقمر إذا تلاها   ) قال : إذا تلاها ليلة الهلال . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قول الله : ( والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها   ) قال : هذا قسم ، والقمر يتلو الشمس نصف الشهر الأول ، وتتلوه النصف الآخر ، فأما النصف الأول فهو يتلوها ، وتكون أمامه وهو وراءها ، فإذا كان النصف الآخر كان هو أمامها يقدمها ، وتليه هي . 
وقوله : ( والنهار إذا جلاها   ) يقول : والنهار إذا جلاها ، قال : إذا أضاء . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( والنهار إذا جلاها   ) قال : إذا غشيها النهار . وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى : والنهار إذا جلا الظلمة ، ويجعل الهاء والألف من جلاها كناية عن الظلمة ، ويقول : إنما جاز الكناية عنها ، ولم يجر لها ذكر قبل ؛ لأن معناها معروف ، كما يعرف معنى قول القائل : أصبحت باردة ، وأمست باردة ، وهبت شمالا ، فكني عن مؤنثات لم يجر لها ذكر ، إذ كان معروفا معناهن . 
والصواب عندنا في ذلك : ما قاله أهل العلم الذين حكينا قولهم ، لأنهم أعلم  [ ص: 453 ] بذلك ، وإن كان للذي قاله من ذكرنا قوله من أهل العربية وجه . 
وقوله : ( والليل إذا يغشاها   ) يقول تعالى ذكره : والليل إذا يغشى الشمس ، حتى تغيب فتظلم الآفاق . 
وكان قتادة  يقول في ذلك ما حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( والليل إذا يغشاها   ) : إذا غشاها الليل . 
وقوله : ( والسماء وما بناها   ) يقول جل ثناؤه : والسماء ومن بناها ، يعني : ومن خلقها ، وبناؤه إياها : تصييره إياها للأرض سقفا . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( والسماء وما بناها   ) وبناؤها : خلقها . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى ;  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( والسماء وما بناها   ) قال : الله بنى السماء . 
وقيل : ( وما بناها ) وهو جل ثناؤه بانيها ، فوضع " ما " موضع " من " كما قال ( ووالد وما ولد   ) ، فوضع " ما " في موضع " من " ومعناه ، ومن ولد ؛ لأنه قسم أقسم بآدم  وولده ، وكذلك : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء   ) ، وقوله : ( فانكحوا ما طاب لكم   ) وإنما هو : فانكحوا من طاب لكم . وجائز توجيه ذلك إلى معنى المصدر ، كأنه قال : والسماء وبنائها ، ووالد وولادته . 
وقوله : ( والأرض وما طحاها   ) وهذه أيضا نظير التي قبلها ، ومعنى الكلام : والأرض ومن طحاها . 
ومعنى قوله : ( طحاها ) : بسطها يمينا وشمالا ومن كل جانب . 
وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( طحاها ) فقال بعضهم : معنى ذلك : والأرض وما خلق فيها . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ،  [ ص: 454 ] عن أبيه ، عن ابن عباس   : ( والأرض وما طحاها   ) يقول : ما خلق فيها . 
وقال آخرون : يعني بذلك : وما بسطها . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عمارة ،  قال : ثنا  عبيد الله بن موسى ،  قال : ثنا عيسى ;  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( والأرض وما طحاها   ) قال : دحاها . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( وما طحاها   ) قال : بسطها . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما قسمها . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي ،  قال : ثنا أبو صالح ،  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس ،  في قوله : ( والأرض وما طحاها   ) يقول : قسمها . 
وقوله : ( ونفس وما سواها   ) يعني جل ثناؤه بقوله : ( وما سواها   ) نفسه ; لأنه هو الذي سوى النفس وخلقها ، فعدل خلقها ، فوضع " ما " موضع " من " وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك أيضا المصدر ، فيكون تأويله : ونفس وتسويتها ، فيكون القسم بالنفس وبتسويتها . 
وقوله : ( فألهمها فجورها وتقواها   ) يقول تعالى ذكره : فبين لها ما ينبغي لها أن تأتي أو تذر من خير ، أو شر أو طاعة ، أو معصية . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي ،  قال : ثنا أبو صالح ،  قال ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس ،  قوله : ( فألهمها فجورها وتقواها   ) يقول : بين الخير والشر . 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ،  قوله : ( فألهمها فجورها وتقواها   ) يقول : بين الخير والشر . 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   : ( فألهمها فجورها وتقواها   ) قال : علمها الطاعة والمعصية .  [ ص: 455 ] 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى ;  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   ( فألهمها فجورها وتقواها   ) قال : عرفها . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( فألهمها فجورها وتقواها   ) : فبين لها فجورها وتقواها . 
وحدثت عن الحسين ،  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : ثنا عبيد ،  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : ( فألهمها فجورها وتقواها   ) ، بين لها الطاعة والمعصية . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان   ( فألهمها فجورها وتقواها   ) قال : أعلمها المعصية والطاعة . 
قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن الضحاك بن مزاحم   ( فألهمها فجورها وتقواها   ) قال : الطاعة والمعصية . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن الله جعل فيها ذلك . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( فألهمها فجورها وتقواها   ) قال : جعل فيها فجورها وتقواها . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا صفوان بن عيسى   وأبو عاصم النبيل ،  قالا : ثنا عزرة بن ثابت ،  قال : ثني يحيى بن عقيل ،  عن  يحيى بن يعمر ،  عن  أبي الأسود الديلي ،  قال : قال لي عمران بن حصين   : أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون فيه أشيء قضي عليهم ، ومضى عليهم من قدر قد سبق ، أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم عليه الصلاة والسلام ، وأكدت عليهم الحجة ؟ قلت : بل شيء قضي عليهم ، قال : فهل يكون ذلك ظلما ؟ قال : ففزعت منه فزعا شديدا ، قال : قلت له : ليس شيء إلا وهو خلقه وملك يده ، ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون   ) قال : سددك الله ، إنما سألتك " أظنه أنا " لأخبر عقلك . إن رجلا من مزينة  أو جهينة ،  أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون أشيء قضي عليهم ، ومضى عليهم من قدر سبق ، أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم عليه السلام وأكدت به عليهم الحجة ؟ قال : " في شيء قد قضي عليهم " قال : ففيم  [ ص: 456 ] نعمل ؟ قال : " من كان الله خلقه لإحدى المنزلتين يهيئه لها ، وتصديق ذلك في كتاب الله : ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها   ) " . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					