[ ص: 659 ]  [ ص: 660 ]  [ ص: 661 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
القول في تأويل قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه : ( قل يا أيها الكافرون   لا أعبد ما تعبدون  ولا أنتم عابدون ما أعبد  ولا أنا عابد ما عبدتم  ولا أنتم عابدون ما أعبد  لكم دينكم ولي دين   ) . 
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد  صلى الله عليه وسلم ، وكان المشركون من قومه فيما ذكر عرضوا عليه أن يعبدوا الله سنة ، على أن يعبد نبي الله صلى الله عليه وسلم آلهتهم سنة ، فأنزل الله معرفه جوابهم في ذلك : ( قل ) يا محمد  لهؤلاء المشركين الذين سألوك عبادة آلهتهم سنة ، على أن يعبدوا إلهك سنة ( يا أيها الكافرون   ) بالله ( لا أعبد ما تعبدون   ) من الآلهة والأوثان الآن ( ولا أنتم عابدون ما أعبد   ) الآن 
( ولا أنا عابد   ) فيما أستقبل 
( ما عبدتم   ) فيما مضى ( ولا أنتم عابدون   ) فيما تستقبلون أبدا ( ما أعبد   ) أنا الآن ، وفيما أستقبل . وإنما قيل ذلك كذلك ؛ لأن الخطاب من الله كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أشخاص بأعيانهم من المشركين ، قد علم أنهم لا يؤمنون أبدا ، وسبق لهم ذلك في السابق من علمه ، فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يؤيسهم من الذي طمعوا فيه ، وحدثوا به أنفسهم ، وأن ذلك غير كائن منه ولا منهم ، في وقت من الأوقات ، وآيس نبي الله صلى الله عليه وسلم من الطمع في إيمانهم ، ومن أن يفلحوا أبدا ، فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا ، إلى أن قتل بعضهم يوم بدر  بالسيف ، وهلك بعض قبل ذلك كافرا . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وجاءت به الآثار .  [ ص: 662 ] 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن موسى الحرشي  ، قال : ثنا أبو خلف  ، قال : ثنا داود  ، عن عكرمة ،  عن ابن عباس   : أن قريشا  وعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة  ، ويزوجوه ما أراد من النساء ، ويطئوا عقبه ، فقالوا له : هذا لك عندنا يا محمد  ، وكف عن شتم آلهتنا ، فلا تذكرها بسوء ، فإن لم تفعل ، فإنا نعرض عليك خصلة واحدة ، فهي لك ولنا فيها صلاح . قال : " ما هي ؟ " قالوا : تعبد آلهتنا سنة : اللات والعزى ، ونعبد إلهك سنة ، قال : " حتى أنظر ما يأتي من عند ربي " فجاء الوحي من اللوح المحفوظ : ( قل يا أيها الكافرون   ) السورة ، وأنزل الله : ( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون   ) . . . إلى قوله : ( فاعبد وكن من الشاكرين   )  . 
حدثني يعقوب ،  قال : ثنا  ابن علية ،  عن محمد بن إسحاق  ، قال : ثني سعيد بن مينا مولى البختري  قال : لقي الوليد بن المغيرة  والعاص بن وائل  ، والأسود بن المطلب  ، وأمية بن خلف  ، رسول الله ، فقالوا : يا محمد  ، هلم فلنعبد ما تعبد ، وتعبد ما نعبد ، ونشركك في أمرنا كله ، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا ، كنا قد شركناك فيه ، وأخذنا بحظنا منه ; وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يديك ، كنت قد شركتنا في أمرنا ، وأخذت منه بحظك ، فأنزل الله : ( قل يا أيها الكافرون   ) حتى انقضت السورة . 
وقوله : ( لكم دينكم ولي دين   ) 
يقول تعالى ذكره : لكم دينكم فلا تتركونه أبدا ؛ لأنه قد ختم عليكم ، وقضي أن لا تنفكوا عنه ، وأنكم تموتون عليه ، ولي ديني الذي أنا عليه ، لا أتركه أبدا ؛ لأنه قد مضى في سابق علم الله أني لا أنتقل عنه إلى غيره . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد  في قول الله : ( لكم دينكم ولي دين   ) قال : للمشركين ; قال : واليهود  لا يعبدون إلا الله ولا يشركون ، إلا أنهم يكفرون ببعض الأنبياء ، وبما جاءوا به من عند الله ، ويكفرون برسول الله ، وبما جاء به من عند الله ، وقتلوا طوائف الأنبياء ظلما وعدوانا ، قال :  [ ص: 663 ] إلا العصابة التي بقوا ، حتى خرج بختنصر  ، فقالوا : عزير ابن الله ، دعا الله ولم يعبدوه ولم يفعلوا كما فعلت النصارى  ، قالوا : المسيح ابن الله وعبدوه  . 
وكان بعض أهل العربية يقول : كرر قوله : ( لا أعبد ما تعبدون   ) وما بعده على وجه التوكيد ، كما قال : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا   ) ، وكقوله : ( لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين   ) . 
آخر تفسير سورة الكافرون 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					