[ ص: 696 ]  [ ص: 697 ]  [ ص: 698 ]  [ ص: 699 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
القول في تأويل قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه : ( قل أعوذ برب الفلق    ( 1 ) من شر ما خلق   ( 2 ) ومن شر غاسق إذا وقب   ( 3 ) ومن شر النفاثات في العقد   ( 4 ) ومن شر حاسد إذا حسد   ( 5 ) ) . 
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد  صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد ،  أستجير برب الفلق من شر ما خلق من الخلق . 
واختلف أهل التأويل في معنى ( الفلق ) فقال بعضهم : هو سجن في جهنم يسمى هذا الاسم . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني الحسين بن يزيد الطحان ،  قال : ثنا عبد السلام بن حرب ،  عن إسحاق بن عبد الله ،  عمن حدثه عن ابن عباس  قال : ( الفلق ) : سجن في جهنم  . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا أبو أحمد الزبيري ،  قال : ثنا عبد السلام بن حرب ،  عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ،  عن رجل ، عن ابن عباس ،  في قوله : ( الفلق ) : سجن في جهنم  . 
حدثني يعقوب ،  قال : ثنا هشيم ،  قال : أخبرنا العوام بن عبد الجبار الجولاني ،  قال : قدم رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الشأم ،  قال : فنظر إلى دور أهل الذمة ،  وما هم فيه من العيش والنضارة ، وما وسع عليهم في دنياهم ، قال : فقال : لا أبا لك أليس من ورائهم الفلق ؟ قال : قيل : وما الفلق ؟ قال : بيت في جهنم إذ فتح هر أهل النار  . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا سفيان ،  قال : سمعت  [ ص: 700 ]  السدي  يقول : ( الفلق ) : جب في جهنم  . 
حدثني علي بن حسن الأزدي ،  قال : ثنا الأشجعي ،  عن سفيان ،  عن  السدي ،  مثله . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن  السدي ،  مثله . 
حدثني إسحاق بن وهب الواسطي ،  قال : ثنا مسعود بن موسى بن مشكان الواسطي ،  قال : ثنا نصر بن خزيمة الخراساني ،  عن شعيب بن صفوان ،  عن  محمد بن كعب القرظي ،  عن  أبي هريرة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  "الفلق : جب في جهنم مغطى"  . 
حدثنا ابن البرقي ،  قال : ثنا ابن أبي مريم ،  قال : ثنا نافع بن يزيد ،  قال : ثنا يحيى بن أبي أسيد  عن ابن عجلان ،  عن أبي عبيد ،  عن كعب ،  أنه دخل كنيسة فأعجبه حسنها ، فقال : أحسن عمل وأضل قوم ، رضيت لكم الفلق ، قيل : وما الفلق ؟ قال : بيت في جهنم إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره  . 
وقال آخرون : هو اسم من أسماء جهنم . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : سمعت خيثم بن عبد الله  يقول : سألت أبا عبد الرحمن الحبلي ،  عن ( الفلق ) ، قال : هي جهنم  . 
وقال آخرون : الفلق : الصبح . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   : ( أعوذ برب الفلق   ) قال : ( الفلق ) : الصبح  . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا ابن أبي عدي ،  قال : أنبأنا عوف ،  عن الحسن ،  في هذه الآية ( قل أعوذ برب الفلق   ) قال : ( الفلق ) : الصبح  . 
قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا سفيان ،  عن سالم الأفطس ،  عن سعيد بن جبير ،  قال : ( الفلق ) : الصبح  . 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا  وكيع;  وحدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران  جميعا ، عن سفيان ،  عن سالم الأفطس ،  عن سعيد بن جبير ،  مثله .  [ ص: 701 ] 
حدثني علي بن الحسن الأزدي ،  قال : ثنا الأشجعي ،  عن سفيان ،  عن سالم ،  عن سعيد بن جبير ،  مثله . 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا  وكيع ،  عن الحسن بن صالح ،  عن  عبد الله بن محمد بن عقيل ،  عن جابر ،  قال : ( الفلق ) : الصبح  . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا أبو أحمد ،  قال : ثنا الحسن بن صالح ،  عن  عبد الله بن محمد بن عقيل ،  عن  جابر بن عبد الله ،  مثله . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  أخبرنا أبو صخر ،  عن القرظي  أنه كان يقول في هذه الآية : ( قل أعوذ برب الفلق   ) يقول : فالق الحب والنوى ، قال : فالق الإصباح  . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى;  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا ، عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  في قوله : ( قل أعوذ برب الفلق   ) قال : الصبح  . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( قل أعوذ برب الفلق   ) قال : ( الفلق ) : فلق النهار  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة ،  قال : ( الفلق ) : فلق الصبح  . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قول الله : ( قل أعوذ برب الفلق   ) قيل له : فلق الصبح ؟ قال : نعم ، وقرأ : ( فالق الإصباح وجعل الليل سكنا   )  . 
وقال آخرون : ( الفلق ) : الخلق ، ومعنى الكلام : قل أعوذ برب الخلق . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي ،  قال : لنا أبو صالح ،  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس ،  في قوله : ( الفلق ) : يعني : الخلق  . 
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله جل ثناؤه أمر نبيه محمدا  صلى الله عليه وسلم أن يقول : ( أعوذ برب الفلق   ) والفلق في كلام العرب : فلق الصبح ، تقول العرب : هو أبين من فلق الصبح ، ومن فرق الصبح . وجائز أن يكون في جهنم سجن  [ ص: 702 ] اسمه فلق . وإذا كان ذلك كذلك ، ولم يكن جل ثناؤه وضع دلالة على أنه عني بقوله : ( برب الفلق   ) بعض ما يدعى الفلق دون بعض ، وكان الله تعالى ذكره رب كل ما خلق من شيء ، وجب أن يكون معنيا به كل ما اسمه الفلق ، إذ كان رب جميع ذلك . 
وقال جل ثناؤه : ( من شر ما خلق   ) لأنه أمر نبيه أن يستعيذ ( من شر كل شيء ) ، إذ كان كل ما سواه ، فهو ما خلق . 
وقوله : ( ومن شر غاسق إذا وقب   ) يقول : ومن شر مظلم إذا دخل ، وهجم علينا بظلامه . 
ثم اختلف أهل التأويل في المظلم الذي عني في هذه الآية ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منه ، فقال بعضهم : هو الليل إذا أظلم . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   : ( ومن شر غاسق إذا وقب   ) قال : الليل  . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا ابن أبي عدي ،  قال : أنبأنا عوف ،  عن الحسن ،  في قوله : ( ومن شر غاسق إذا وقب   ) قال : أول الليل إذا أظلم  . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : ثنا أبو صخر ،  عن القرظي  أنه كان يقول في : ( غاسق إذا وقب   ) يقول : النهار إذا دخل في الليل  . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن رجل من أهل المدينة ،  عن محمد بن كعب   ( ومن شر غاسق إذا وقب   ) قال : هو غروب الشمس إذا جاء الليل ، إذا وقب  . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى;  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( غاسق ) قال : الليل ( إذا وقب ) قال : إذا دخل  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن الحسن   ( ومن شر غاسق إذا وقب   ) قال : الليل إذا أقبل . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  عن الحسن   ( ومن شر غاسق إذا وقب   ) قال : إذا جاء  .  [ ص: 703 ] 
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ،  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس ،  قوله ( إذا وقب ) يقول : إذا أقبل  . وقال بعضهم : هو النهار إذا دخل في الليل ، وقد ذكرناه قبل . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن رجل من أهل المدينة ،  عن  محمد بن كعب القرظي   ( ومن شر غاسق إذا وقب   ) قال : هو غروب الشمس إذا جاء الليل ، إذا وجب  . 
وقال آخرون : هو كوكب . وكان بعضهم يقول : ذلك الكوكب هو الثريا . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا مجاهد بن موسى ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : أخبرنا سليمان بن حبان ،  عن أبي المهزم ،  عن  أبي هريرة  في قوله : ( ومن شر غاسق إذا وقب   ) قال : كوكب  . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( ومن شر غاسق إذا وقب   ) قال : كانت العرب تقول : الغاسق : سقوط الثريا ، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها  . 
ولقائلي هذا القول علة من أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم . وهو ما حدثنا به نصر بن علي ،  قال : ثنا بكار بن عبد الله بن أخي همام ،  قال : ثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ،  عن أبيه ، عن أبي سلمة ،  عن  أبي هريرة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم ( ومن شر غاسق إذا وقب   ) قال : " النجم الغاسق "  . 
وقال آخرون : بل الغاسق إذا وقب : القمر ، ورووا بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرا . 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا  وكيع;  وحدثنا ابن سفيان ،  قال : ثنا أبي  ويزيد بن هارون ،  به . 
وحدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ،  عن خاله الحارث بن عبد الرحمن ،  عن  أبي سلمة بن عبد الرحمن ،  عن عائشة  قالت : أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي ، ثم نظر إلى القمر ، ثم قال : "يا عائشة  تعوذي بالله من شر غاسق إذا وقب ، وهذا غاسق إذا وقب" ، وهذا لفظ حديث أبي كريب ،   وابن وكيع   . وأما ابن حميد ،  فإنه قال في حديثه : قالت :  [ ص: 704 ] أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي ، فقال : " أتدرين أي شيء هذا ؟ تعوذي بالله من شر هذا; فإن هذا الغاسق إذا وقب"  . 
حدثنا محمد بن سنان ،  قال : ثنا أبو عامر ،  قال : ثنا ابن أبي ذئب ،  عن الحارث بن عبد الرحمن ،  عن عائشة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر . فقال : "يا عائشة  استعيذي بالله من شر هذا ، فإن هذا الغاسق إذا وقب"  . 
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، أن يقال : إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ ( ومن شر غاسق   ) وهو الذي يظلم ، يقال : قد غسق الليل يغسق غسوقا : إذا أظلم ( إذا وقب ) يعني : إذا دخل في ظلامه; والليل إذا دخل في ظلامه غاسق ، والنجم إذا أفل غاسق ، والقمر غاسق إذا وقب ، ولم يخصص بعض ذلك بل عم الأمر بذلك ، فكل غاسق ، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يؤمر بالاستعاذة من شره إذا وقب . وكان يقول في معنى وقب : ذهب . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة   ( غاسق إذا وقب   ) قال : إذا ذهب ، ولست أعرف ما قال قتادة  في ذلك في كلام العرب ، بل المعروف من كلامها من معنى وقب : دخل . 
وقوله : ( ومن شر النفاثات في العقد    ) يقول : ومن شر السواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيط ، حين يرقين عليها . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   ( ومن شر النفاثات في العقد   ) قال : ما خالط السحر من الرقى  . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا ابن أبي عدي ،  عن عوف ،  عن الحسن   ( ومن شر النفاثات في العقد   ) قال : السواحر والسحرة  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  قال : تلا قتادة   : ( ومن شر النفاثات في العقد   )  [ ص: 705 ] قال : إياكم وما خالط السحر من هذه الرقى  . 
قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن ابن طاوس ،  عن أبيه ، قال : ما من شيء أقرب إلى الشرك من رقية المجانين  . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قال : كان الحسن  يقول إذا جاز ( ومن شر النفاثات في العقد   ) قال : إياكم وما خالط السحر  . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن جابر ،  عن مجاهد  وعكرمة   ( النفاثات في العقد   ) قال : قال مجاهد   : الرقى في عقد الخيط ، وقال عكرمة   : الأخذ في عقد الخيط  . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( ومن شر النفاثات في العقد   ) قال : النفاثات : السواحر في العقد . 
وقوله : ( ومن شر حاسد إذا حسد    ) اختلف أهل التأويل في الحاسد الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شر حسده به ، فقال بعضهم : ذلك كل حاسد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شر عينه ونفسه . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة   ( ومن شر حاسد إذا حسد   ) قال : من شر عينه ونفسه ، وعن  عطاء الخراساني  مثل ذلك . قال معمر   : وسمعت ابن طاوس  يحدث عن أبيه ، قال : العين حق  ، ولو كان شيء سابق القدر ، سبقته العين ، وإذا استغسل أحدكم فليغتسل  . 
وقال آخرون : بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية أن يستعيذ من شر اليهود الذين حسدوه . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( ومن شر حاسد إذا حسد   ) قال : يهود ، لم يمنعهم أن يؤمنوا به إلا حسدهم  . 
وأولى القولين بالصواب في ذلك ، قول من قال : أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شر كل حاسد إذا حسد ، فعابه أو سحره ، أو بغاه سوءا .  [ ص: 706 ] 
وإنما قلنا : ذلك أولى بالصواب; لأن الله عز وجل لم يخصص من قوله ( ومن شر حاسد إذا حسد   ) حاسدا دون حاسد ، بل عم أمره إياه بالاستعاذة من شر كل حاسد ، فذلك على عمومه . 
آخر تفسير سورة الفلق 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					