[ ص: 449 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه    ) 
قال أبو جعفر   : اختلف أهل التأويل في معنى " شهود الشهر " . 
فقال بعضهم : هو مقام المقيم في داره . قالوا : فمن دخل عليه شهر رمضان وهو مقيم في داره  فعليه صوم الشهر كله ، غاب بعد فسافر ، أو أقام فلم يبرح . 
ذكر من قال ذلك : 
2824 - حدثني محمد بن حميد  ومحمد بن عيسى الدامغاني  قالا حدثنا ابن المبارك  ، عن الحسن بن يحيى  ، عن الضحاك  ، عن ابن عباس  في قوله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه   " ، قال : هو إهلاله بالدار . يريد : إذا هل وهو مقيم . 
2825 - حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : حدثنا هشيم  قال : أخبرنا حصين  ، عمن حدثه عن ابن عباس  أنه قال . في قوله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه   " ، فإذا شهده وهو مقيم فعليه الصوم ، أقام أو سافر . وإن شهده وهو في سفر ، فإن شاء صام وإن شاء أفطر . 
2826 - حدثني يعقوب قال : حدثنا  ابن علية  ، عن أيوب  ، عن محمد  عن عبيدة   - في الرجل يدركه رمضان ثم يسافر - قال : إذا شهدت أوله فصم آخره ، ألا تراه يقول : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه   " ؟ 
2827 - حدثني يعقوب  قال : حدثنا  ابن علية  ، عن هشام القردوسي  عن  محمد بن سيرين  قال : سألت عبيدة   : عن رجل أدرك رمضان وهو مقيم؟ قال : من صام أول الشهر فليصم آخره ، ألا تراه يقول : فمن شهد منكم الشهر فليصمه   "؟ .  [ ص: 450 ] 
2828 - حدثني موسى  قال : حدثنا عمرو  قال : حدثنا أسباط  عن  السدي   : أما " من شهد منكم الشهر فليصمه " ، فمن دخل عليه رمضان وهو مقيم في أهله فليصمه ، وإن خرج فيه فليصمه ، فإنه دخل عليه وهو في أهله . 
2829 - حدثني المثنى  قال : حدثنا حجاج  قال : حدثنا حماد  قال : أخبرنا قتادة  ، عن  محمد بن سيرين  ، عن عبيدة السلماني  عن علي   - فيما يحسب حماد   - قال : من أدرك رمضان وهو مقيم لم يخرج ، فقد لزمه الصوم ، لأن الله يقول : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه   " . 
2830 - حدثنا  هناد بن السري  قال : حدثنا عبد الرحمن  ، عن إسماعيل بن مسلم  ، عن  محمد بن سيرين  قال : سألت عبيدة السلماني  عن قول الله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه   " ، قال : من كان مقيما فليصمه ، ومن أدركه ثم سافر فيه فليصمه  . 
2831 - حدثنا هناد  قال : حدثنا  وكيع  ، عن ابن عون  ، عن ابن سيرين  عن عبيدة  ، قال : من شهد أول رمضان فليصم آخره  . 
2832 - حدثنا هناد  قال : حدثنا عبدة  ، عن  سعيد بن أبي عروبة  عن قتادة  أن عليا  كان يقول : إذا أدركه رمضان وهو مقيم ثم سافر ، فعليه الصوم  . 
2833 - حدثنا هناد  قال : حدثنا عبد الرحيم  ، عن عبيدة الضبي  عن إبراهيم  قال : كان يقول : إذا أدركك رمضان فلا تسافر فيه ، فإن صمت فيه يوما أو اثنين ثم سافرت ، فلا تفطر ، صمه . 
2834 - حدثنا  ابن المثنى  قال : حدثنا محمد بن جعفر  قال : حدثنا شعبة  ، عن عمرو بن مرة  ، عن أبي البختري   . قال : كنا عند عبيدة  فقرأ هذه الآية :  [ ص: 451 ]  " فمن شهد منكم الشهر فليصمه   " ، قال : من صام شيئا منه في المصر فليصم بقيته إذا خرج . قال : وكان ابن عباس  يقول : إن شاء صام وإن شاء أفطر  . 
2835 - حدثنا  محمد بن بشار  قال : حدثنا عبد الوهاب   - وحدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : حدثنا  ابن علية   - قالا جميعا ، حدثنا أيوب  ، عن أبي يزيد  ، عن أم ذرة  قالت : أتيت عائشة  في رمضان ، قالت : من أين جئت؟ قلت : من عند أخي حنين   . قالت : ما شأنه؟ قالت : ودعته يريد يرتحل . قالت : فأقرئيه السلام ومريه فليقم ، فلو أدركني رمضان وأنا ببعض الطريق لأقمت له  . 
2836 - حدثنا هناد  قال : حدثنا إسحاق بن عيسى  ، عن أفلح  ، عن عبد الرحمن  ، قال : جاء إبراهيم بن طلحة  إلى عائشة  يسلم عليها ، قالت : وأين تريد؟ قال : أردت العمرة . قالت : فجلست حتى إذا دخل عليك الشهر خرجت فيه! قال : قد خرج ثقلي! قالت : اجلس ، حتى إذا أفطرت فاخرج - يعني شهر رمضان .  [ ص: 452 ] 
وقال آخرون : معنى ذلك : فمن شهد منكم الشهر فليصم ما شهد منه . 
ذكر من قال ذلك : 
2837 - حدثنا  هناد بن السري  قال : حدثنا شريك  ، عن أبي إسحاق   : أن أبا ميسرة  خرج في رمضان ، حتى إذا بلغ القنطرة  دعا ماء فشرب . 
2838 - حدثنا هناد  قال : حدثنا جرير  عن مغيرة  قال : خرج أبو ميسرة  في رمضان مسافرا ، فمر بالفرات  وهو صائم ، فأخذ منه كفا فشربه وأفطر . 
2839 - حدثنا هناد  قال : حدثنا  وكيع  ، عن سفيان  ، عن أبي إسحاق  عن مرثد   : أن أبا ميسرة  سافر في رمضان ، فأفطر عند باب الجسر   - هكذا قال هناد  عن مرثد  ، وإنما هو أبو مرثد   . 
2840 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي  قال : حدثنا  عبيد الله بن موسى  قال : أخبرنا إسرائيل  عن أبي إسحاق  عن مرثد   : أنه خرج مع أبي ميسرة  في رمضان ، فلما انتهى إلى الجسر  أفطر .  [ ص: 453 ] 
2841 - حدثنا هناد  وأبو هشام  قالا حدثنا  وكيع  ، عن المسعودي  ، عن الحسن بن سعد  ، عن أبيه قال : كنت مع علي  في ضيعة له على ثلاث من المدينة  ، فخرجنا نريد المدينة  في شهر رمضان ، وعلي راكب وأنا ماش ، قال : فصام - قال هناد   : وأفطرت - قال أبو هشام   : وأمرني فأفطرت  . 
2842 - حدثنا هناد  قال : حدثنا عبد الرحيم  عن عبد الرحمن بن عتبة  ، عن الحسن بن سعد  ، عن أبيه قال : كنت مع  علي بن أبي طالب  وهو جاء من أرض له ، فصام ، وأمرني فأفطرت ، فدخل المدينة  ليلا وكان راكبا وأنا ماش  . 
2843 - حدثنا هناد  قال : حدثنا  وكيع   - و حدثنا ابن بشار  قال : حدثنا ابن مهدي   - قالا جميعا ، حدثنا سفيان  ، عن عيسى بن أبي عزة  عن الشعبي   : أنه سافر في شهر رمضان فأفطر عند باب الجسر   . 
2844 - حدثني ابن بشار  قال : حدثنا عبد الرحمن  قال : قال لي سفيان   : أحب إلي أن تتمه . 
2845 - حدثنا  ابن المثنى  قال : حدثنا محمد بن جعفر  عن شعبة  قال : سألت الحكم  وحمادا  وأردت أن أسافر في رمضان فقالا لي : اخرج . وقال حماد  قال إبراهيم   : أما إذا كان العشر ، فأحب إلي أن يقيم . 
2846 - حدثنا  ابن المثنى  قال : حدثنا أبو الوليد  قال : حدثنا حماد  ، عن قتادة  عن الحسن   وسعيد بن المسيب  قالا من أدركه الصوم وهو مقيم رمضان ثم سافر ، قالا إن شاء أفطر .  [ ص: 454 ] 
وقال آخرون : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه   " ، يعني : فمن شهده عاقلا بالغا مكلفا فليصمه . 
وممن قال ذلك أبو حنيفة  وأصحابه ، كانوا يقولون : من دخل عليه شهر رمضان وهو صحيح عاقل بالغ  فعليه صومه ، فإن جن بعد دخوله عليه وهو بالصفة التي وصفنا ، ثم أفاق بعد انقضائه ، لزمه قضاء ما كان فيه من أيام الشهر مغلوبا على عقله ، لأنه كان ممن شهده وهو ممن عليه فرض . 
قالوا : وكذلك لو دخل عليه شهر رمضان وهو مجنون ، إلا أنه ممن لو كان صحيح العقل كان عليه صومه ، فلن ينقضي الشهر حتى صح وبرأ ، أو أفاق قبل انقضاء الشهر بيوم أو أكثر من ذلك ، فإن عليه قضاء صوم الشهر كله ، سوى اليوم الذي صامه بعد إفاقته ، لأنه ممن قد شهد الشهر . 
قالوا : ولو دخل عليه شهر رمضان وهو مجنون ، فلم يفق حتى انقضى الشهر كله ، ثم أفاق  لم يلزمه قضاء شيء منه ، لأنه لم يكن ممن شهده مكلفا صومه . 
قال أبو جعفر   : وهذا تأويل لا معنى له ، لأن الجنون إن كان يسقط عمن كان به فرض الصوم ، من أجل فقد صاحبه عقله جميع الشهر ، فقد يجب أن يكون ذلك سبيل كل من فقد عقله جميع شهر الصوم . وقد أجمع الجميع على أن من فقد عقله جميع شهر الصوم بإغماء أو برسام ، ثم أفاق بعد انقضاء الشهر ، أن عليه قضاء الشهر كله . ولم يخالف ذلك أحد يجوز الاعتراض به على الأمة . وإذ كان إجماعا ، فالواجب أن يكون سبيل كل من كان زائل العقل جميع شهر الصوم سبيل المغمى عليه . وإذ كان ذلك كذلك ، كان معلوما أن تأويل الآية غير الذي تأولها قائلو هذه المقالة : من أنه شهود الشهر أو بعضه مكلفا صومه . وإذا بطل ذلك ، فتأويل المتأول الذي زعم أن معناه : فمن شهد أوله مقيما حاضرا  [ ص: 455 ] فعليه صوم جميعه ، أبطل وأفسد ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج عام الفتح من المدينة  في شهر رمضان بعد ما صام بعضه  ، وأفطر وأمر أصحابه بالإفطار . 
2847 - حدثنا هناد  قال : حدثنا أبو الأحوص  عن منصور  ، عن مجاهد  ، عن ابن عباس  قال : " سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان من المدينة  إلى مكة  ، حتى إذا أتى عسفان  نزل به ، فدعا بإناء فوضعه على يده ليراه الناس ، ثم شربه  . 
2848 - حدثنا ابن حميد   وسفيان بن وكيع  قالا حدثنا جرير  ، عن منصور  ، عن مجاهد  ، عن طاوس  ، عن ابن عباس  ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه 
2849 - حدثنا هناد  ، حدثنا عبيدة  ، عن منصور  ، عن مجاهد  ، عن طاوس  ، عن ابن عباس  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه . 
2850 - حدثنا هناد  وأبو كريب  قالا حدثنا  يونس بن بكير  قال : حدثنا ابن إسحاق  قال : حدثني الزهري  ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة  ، عن ابن عباس  قال : مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره عام الفتح لعشر مضين من رمضان ، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصام الناس معه ، حتى إذا أتى الكديد   - ما بين عسفان  وأمج   - أفطر  . 
2851 - حدثنا هناد  وأبو كريب  قالا حدثنا عبدة  ، عن محمد بن إسحاق  ، عن الزهري  ، عن عبيد الله بن عبد الله  ، عن ابن عباس  قال خرج رسول الله  [ ص: 456 ] صلى الله عليه وسلم لعشر - أو لعشرين - مضت من رمضان عام الفتح ، فصام حتى إذا كان بالكديد  أفطر  . 
2852 - حدثنا ابن بشار  قال : حدثنا سالم بن نوح  قال : حدثنا عمر بن عامر  ، عن قتادة  ، عن  أبي نضرة  ، عن  أبي سعيد الخدري  قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لثمان عشرة مضت من رمضان ، فمنا الصائم ومنا المفطر ، فلم يعب المفطر على الصائم ، ولا الصائم على المفطر  . 
فإذ كانا فاسدين هذان التأويلان ، بما عليه دللنا من فسادهما - فبين أن الصحيح من التأويل هو الثالث ، وهو قول من قال : فمن شهد منكم الشهر فليصمه ، جميع ما شهد منه مقيما ، ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر . 
				
						
						
