[ ص: 583 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين    ( 195 ) ) 
قال أبو جعفر   : اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية ، ومن عنى بقوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " . 
فقال بعضهم : عنى بذلك : " وأنفقوا في سبيل الله   " - وسبيل الله " طريقه الذي أمر أن يسلك فيه إلى عدوه من المشركين لجهادهم وحربهم " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " - يقول : ولا تتركوا النفقة في سبيل الله ، فإن الله يعوضكم منها أجرا ويرزقكم عاجلا . 
ذكر من قال ذلك : 
3144 - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة   والحسن بن عرفة  قالا حدثنا أبو معاوية  عن الأعمش  عن سفيان  عن حذيفة   : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " قال : يعني في ترك النفقة  . 
3145 - حدثني  محمد بن بشار  قال : حدثنا عبد الرحمن  قال : حدثنا شعبة  وحدثنا  ابن المثنى  قال : حدثنا ابن أبي عدي  عن شعبة  عن الأعمش  عن أبي وائل  عن حذيفة  وحدثني محمد بن خلف العسقلاني  قال : حدثنا آدم  قال : حدثنا أبو جعفر الرازي  عن الأعمش  وحدثنا أحمد بن إسحاق  قال : حدثنا أبو أحمد  قال : حدثنا سفيان  عن عاصم  جميعا ، عن شقيق  عن حذيفة  قال : هو ترك النفقة في سبيل الله .  [ ص: 584 ] 
3146 - حدثنا  ابن المثنى  قال : حدثنا محمد بن جعفر  قال : حدثنا شعبة  عن منصور  عن أبي صالح  عن  عبد الله بن عباس  أنه قال في هذه الآية : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " قال : تنفق في سبيل الله ، وإن لم يكن لك إلا مشقص - أو : سهم - شعبة  الذي يشك في ذلك . 
3147 - حدثنا  ابن المثنى  قال : حدثنا ابن أبي عدي  عن شعبة  عن منصور  عن أبي صالح  الذي كان يحدث عنه الكلبي  عن ابن عباس  قال : إن لم يكن لك إلا سهم أو مشقص أنفقته . 
3148 - حدثني ابن بشار  قال : حدثنا يحيى  عن سفيان  عن منصور  عن أبي صالح  عن ابن عباس   : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " قال : في النفقة . 
3149 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا حكام  عن عمرو بن أبي قيس  عن عطاء  عن سعيد بن جبير  عن ابن عباس   : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " ، قال : ليس التهلكة أن يقتل الرجل في سبيل الله ، ولكن الإمساك عن النفقة في سبيل الله . 
3150 - حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : حدثنا هشيم  قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد  عن عكرمة  قال : نزلت في النفقات في سبيل الله ، يعني قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " . 
3151 - حدثنا  يونس بن عبد الأعلى  قال : حدثنا ابن وهب  قال : أخبرني أبو صخر  عن  محمد بن كعب القرظي  أنه كان يقول في هذه الآية : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " قال : كان القوم في سبيل الله ، فيتزود الرجل ، فكان أفضل زادا من الآخر . أنفق البائس من زاده حتى لا يبقى من زاده شيء ، أحب أن  [ ص: 585 ] يواسي صاحبه ، فأنزل الله : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " . 
3152 - حدثني محمد بن خلف العسقلاني  قال : حدثنا آدم  قال : حدثنا شيبان  عن  منصور بن المعتمر  عن  أبي صالح مولى أم هانئ  عن ابن عباس  في قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " قال : لا يقولن أحدكم إني لا أجد شيئا ، إن لم يجد إلا مشقصا فليتجهز به في سبيل الله . 
3153 - حدثنا ابن عبد الأعلى الصنعاني  قال : حدثنا المعتمر  قال : سمعت  داود - يعني : ابن أبي هند   - عن عامر   : أن الأنصار  كان احتبس عليهم بعض الرزق ، وكانوا قد أنفقوا نفقات ، قال : فساء ظنهم وأمسكوا . قال : فأنزل الله : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " قال : وكانت التهلكة سوء ظنهم وإمساكهم  . 
3154 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى  وحدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل  عن ابن أبي نجيح  عن مجاهد  في قول الله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " قال : تمنعكم نفقة في حق خيفة العيلة  . 
3155 - حدثنا بشر بن معاذ  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد  عن قتادة  قوله : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " قال : وكان قتادة  يحدث أن الحسن  حدثه - : أنهم كانوا يسافرون ويغزون ولا ينفقون من أموالهم أو قال : ولا ينفقون في ذلك فأمرهم الله أن ينفقوا في مغازيهم في سبيل الله .  [ ص: 586 ] 
3156 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر  عن قتادة  قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " يقول : لا تمسكوا بأيديكم عن النفقة في سبيل الله . 
3157 - حدثني موسى بن هارون  قال : حدثنا عمرو بن حماد  قال : حدثنا أسباط  عن  السدي   : " وأنفقوا في سبيل الله   " أنفق في سبيل الله ولو عقالا " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " - تقول : ليس عندي شيء  . 
3158 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو غسان  قال : حدثنا زهير  قال : حدثنا خصيف  عن عكرمة  في قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " قال : لما أمر الله بالنفقة ، فكانوا - أو بعضهم - يقولون : ننفق فيذهب مالنا ولا يبقى لنا شيء! قال : فقال : أنفقوا ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، قال : أنفقوا وأنا أرزقكم . 
3159 - حدثني المثنى  قال : حدثنا  عمرو بن عون  قال : حدثنا هشيم  عن يونس  عن الحسن  قال : نزلت في النفقة . 
3160 - حدثني المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : أخبرنا ابن همام الأهوازي  قال : أخبرنا يونس  عن الحسن  في " التهلكة " قال : أمرهم الله بالنفقة في سبيل الله ، وأخبرهم أن ترك النفقة في سبيل الله التهلكة . 
3161 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج  عن  ابن جريج  قال : سألت عطاء  عن قوله : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " قال : يقول : أنفقوا في سبيل الله ما قل وكثر - قال : وقال لي عبد الله بن كثير   : نزلت في النفقة في سبيل الله . 
3162 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا جرير  عن منصور  عن أبي  [ ص: 587 ] صالح  عن ابن عباس  قال : لا يقولن الرجل لا أجد شيئا! قد هلكت! فليتجهز ولو بمشقص . 
3163 - حدثني محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس  قوله : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " يقول : أنفقوا ما كان من قليل أو كثير . ولا تستسلموا ولا تنفقوا شيئا فتهلكوا . 
3164 - حدثني المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا أبو زهير  عن جويبر  عن الضحاك  قال : " التهلكة " : أن يمسك الرجل نفسه وماله عن النفقة في الجهاد في سبيل الله . 
3165 - حدثنا بشر بن معاذ  قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد  عن يونس  عن الحسن  في قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " ، فتدعوا النفقة في سبيل الله   . 
وقال آخرون ممن وجهوا تأويل ذلك إلى أنه معنية به النفقة : معنى ذلك : وأنفقوا في سبيل الله ، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، فتخرجوا في سبيل الله بغير نفقة ولا قوة . 
ذكر من قال ذلك : 
3166 - حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " قال : إذا لم يكن عندك ما تنفق ، فلا تخرج بنفسك بغير نفقة ولا قوة : فتلقي بيديك إلى التهلكة  . 
وقال آخرون : بل معناه : أنفقوا في سبيل الله ، ولا تلقوا بأيديكم - فيما أصبتم من الآثام - إلى التهلكة ، فتيأسوا من رحمة الله ، ولكن ارجوا رحمته واعملوا الخيرات .  [ ص: 588 ] 
ذكر من قال ذلك : 
3167 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي  قال : حدثنا أبو الأحوص  عن أبي إسحاق  عن  البراء بن عازب  في قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " قال : هو الرجل يصيب الذنوب فيلقي بيده إلى التهلكة ، يقول : لا توبة لي  . 
3168 - حدثنا أبو كريب  قال : حدثنا أبو بكر بن عياش  قال : حدثنا أبو إسحاق  عن البراء  قال : سأله رجل : أحمل على المشركين وحدي فيقتلوني ، أكنت ألقيت بيدي إلى التهلكة؟ فقال : لا إنما التهلكة في النفقة . بعث الله رسوله ، فقال : ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك   )  [ سورة النساء : 84 ] . 
3169 - حدثنا الحسن بن عرفة   وابن وكيع  قالا حدثنا  وكيع بن الجراح  عن  سفيان الثوري  عن  أبي إسحاق السبيعي  عن  البراء بن عازب  في قول الله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " قال : هو الرجل يذنب الذنب فيقول : لا يغفر الله له . 
3170 - حدثنا أحمد بن إسحاق  قال : حدثنا أبو أحمد  قال : حدثنا إسرائيل  عن أبي إسحاق  قال : سمعت البراء وسأله رجل فقال : يا أبا عمارة  أرأيت قول الله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " ، أهو الرجل يتقدم فيقاتل حتى يقتل؟ قال : لا ولكنه الرجل يعمل بالمعاصي ، ثم يلقي بيده ولا يتوب . 
3171 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا  يحيى بن واضح  قال : حدثنا الحسين  عن أبي إسحاق  قال : سمعت البراء  وسأله رجل فقال : الرجل يحمل على كتيبة وحده فيقاتل ، أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة؟ فقال : لا ولكن التهلكة أن يذنب الذنب فيلقي بيده ، فيقول : لا تقبل لي توبة . 
3172 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا حكام  عن الجراح  عن أبي إسحاق  قال : قلت  للبراء بن عازب   : يا أبا عمارة  الرجل يلقى ألفا من العدو فيحمل عليهم ، وإنما هو وحده ، أيكون ممن قال : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " ؟  [ ص: 589 ] فقال : لا ليقاتل حتى يقتل! قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك   )  . 
3173 - حدثنا مجاهد بن موسى  قال : أخبرنا يزيد  قال : أخبرنا هشام  وحدثني يعقوب  قال : حدثنا  ابن علية  عن هشام  عن محمد  قال : وسألت عبيدة  عن قول الله : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " الآية . فقال عبيدة : كان الرجل يذنب الذنب - قال : حسبته قال : العظيم - فيلقي بيده فيستهلك زاد يعقوب  في حديثه : فنهوا عن ذلك ، فقيل : " أنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " . 
3174 - حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : حدثنا هشيم  قال : أخبرنا هشام  عن ابن سيرين  قال : سألت عبيدة السلماني  عن ذلك ، فقال : هو الرجل يذنب الذنب فيستسلم ، ويلقي بيده إلى التهلكة ، ويقول : لا توبة له! يعني قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " . 
3175 - حدثني يعقوب  قال : حدثنا  ابن علية  قال : أخبرنا أيوب  عن محمد  عن عبيدة  في قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " قال : كان الرجل يصيب الذنب فيلقي بيده  . 
3176 - حدثنا ابن  وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن ابن عون  عن ابن سيرين  عن عبيدة   : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " قال : القنوط  . 
3177 - حدثنا المثنى  قال : حدثنا  عمرو بن عون  قال : أخبرنا هشيم  عن يونس  وهشام  عن ابن سيرين  عن عبيدة السلماني  قال : هو الرجل يذنب الذنب فيستسلم ، يقول : لا توبة لي! فيلقي بيده . 
3178 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر  قال : حدثني أيوب  عن ابن سيرين  عن عبيدة  أنه قال : هي في الرجل يصيب الذنب العظيم فيلقي بيده ، ويرى أنه قد هلك .  [ ص: 590 ] 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وأنفقوا في سبيل الله ، ولا تتركوا الجهاد في سبيله . 
ذكر من قال ذلك : 
3179 - حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : أخبرني حيوة  عن يزيد بن أبي حبيب  عن أسلم أبي عمران  قال : غزونا المدينة  يريد القسطنطينية  وعلى أهل مصر عقبة بن عامر  وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد   . قال : فصففنا صفين لم أر صفين قط أعرض ولا أطول منهما والروم  ملصقون ظهورهم بحائط المدينة  قال : فحمل رجل منا على العدو ، فقال الناس : مه! لا إله إلا الله ، يلقي بيده إلى التهلكة! قال  أبو أيوب الأنصاري   : إنما تتأولون هذه الآية هكذا ، أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة ، أو يبلي من نفسه! إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار   ! إنا لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام ، قلنا بيننا معشر الأنصار  خفيا من رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا قد كنا تركنا أهلنا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلحها حتى نصر الله نبيه ، هلم نقيم في أموالنا ونصلحها! فأنزل الله الخبر من السماء : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " الآية ، فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة : أن نقيم في أموالنا ونصلحها ، وندع الجهاد . قال أبو عمران   : فلم يزل أبو أيوب  يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية   . 
3180 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي  وعبد الله بن أبي زياد  قالا حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد  قال : أخبرني حيوة  وابن لهيعة  قالا حدثنا يزيد بن أبي حبيب  قال : حدثني أسلم أبو عمران مولى تجيب  قال : كنا بالقسطنطينية  وعلى أهل مصر عقبة بن عامر الجهني  صاحب رسول الله صلى الله  [ ص: 591 ] عليه وسلم ، وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد  صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج من المدينة  صف عظيم من الروم  قال : وصففنا صفا عظيما من المسلمين ، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم  حتى دخل فيهم ، ثم خرج إلينا مقبلا فصاح الناس وقالوا : سبحان الله! ألقى بيده إلى التهلكة! فقام  أبو أيوب الأنصاري  صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على هذا التأويل! وإنما أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار   ! إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصريه ، قلنا فيما بيننا بعضنا لبعض سرا من رسول الله : إن أموالنا قد ضاعت ، فلو أنا أقمنا فيها ، فأصلحنا ما ضاع منها! فأنزل الله في كتابه يرد علينا ما هممنا به ، فقال : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " بالإقامة التي أردنا أن نقيم في الأموال ونصلحها ، فأمرنا بالغزو . فما زال أبو أيوب  غازيا في سبيل الله حتى قبضه الله  .  [ ص: 592 ] 
قال أبو جعفر   : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله جل ثناؤه أمر بالإنفاق في سبيله بقوله : " وأنفقوا في سبيل الله   " - وسبيله : طريقه الذي شرعه لعباده وأوضحه لهم . ومعنى ذلك : وأنفقوا في إعزاز ديني الذي شرعته لكم ، بجهاد عدوكم الناصبين لكم الحرب على الكفر بي ، ونهاهم أن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة ، فقال : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " . 
وذلك مثل ، والعرب تقول للمستسلم للأمر : " أعطى فلان بيديه " ، وكذلك  [ ص: 593 ] يقال للممكن من نفسه مما أريد به : " أعطى بيديه " . 
فمعنى قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " ، ولا تستسلموا للهلكة ، فتعطوها أزمتكم فتهلكوا . 
والتارك النفقة في سبيل الله عند وجوب ذلك عليه ، مستسلم للهلكة بتركه أداء فرض الله عليه في ماله . وذلك أن الله جل ثناؤه جعل أحد سهام الصدقات المفروضات الثمانية " في سبيله " ، فقال : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين   ) إلى قوله : ( وفي سبيل الله وابن السبيل   ) [ سورة التوبة : 60 ] فمن ترك إنفاق ما لزمه من ذلك في سبيل الله على ما لزمه ، كان للهلكة مستسلما ، وبيديه للتهلكة ملقيا . 
وكذلك الآيس من رحمة الله لذنب سلف منه ، ملق بيديه إلى التهلكة ، لأن الله قد نهى عن ذلك فقال : ( : 87 ] .
وكذلك التارك غزو المشركين وجهادهم ، في حال وجوب ذلك عليه ، في حال حاجة المسلمين إليه ، مضيع فرضا ، ملق بيده إلى التهلكة . 
فإذ كانت هذه المعاني كلها يحتملها قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " ولم يكن الله عز وجل خص منها شيئا دون شيء ، فالصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله نهى عن الإلقاء بأيدينا لما فيه هلاكنا ، والاستسلام للهلكة - وهي العذاب - بترك ما لزمنا من فرائضه ، فغير جائز لأحد منا الدخول في شيء يكرهه الله منا ، مما نستوجب بدخولنا فيه عذابه . 
غير أن الأمر وإن كان كذلك ، فإن الأغلب من تأويل الآية : وأنفقوا أيها المؤمنون في سبيل الله ، ولا تتركوا النفقة فيها ، فتهلكوا باستحقاقكم - بترككم ذلك - عذابي . كما : 
3181 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو صالح  قال : حدثنا معاوية  عن  [ ص: 594 ] علي بن أبي طلحة  عن ابن عباس  قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة   " قال : التهلكة عذاب الله  . 
قال أبو جعفر   : فيكون ذلك إعلاما منه لهم - بعد أمره إياهم بالنفقة - ما لمن ترك النفقة المفروضة عليه في سبيله ، من العقوبة في المعاد . 
فإن قال قائل : فما وجه إدخال الباء في قوله : " ولا تلقوا بأيديكم   " ، وقد علمت أن المعروف من كلام العرب : " ألقيت إلى فلان درهما " ، دون " ألقيت إلى فلان بدرهم " ؟ 
قيل : قد قيل إنها زيدت نحو زيادة القائل : " الباء " في قوله : " جذبت بالثوب ، وجذبت الثوب " " وتعلقت به وتعلقته " ، و ( تنبت بالدهن ) [ سورة المؤمنون : 20 ] وإنما هو : تنبت الدهن . 
وقال آخرون : " الباء " في قوله : " ولا تلقوا بأيديكم   " أصل للكنية لأن كل فعل واقع كني عنه فهو مضطر إليها نحو قولك في رجل " كلمته " فأردت الكناية عن فعله ، فإذا أردت ذلك قلت : " فعلت به " قالوا : فلما كان " الباء " هي الأصل ، جاز إدخال " الباء " وإخراجها في كل " فعل " سبيله سبيل كنيته . 
وأما " التهلكة " فإنها " التفعلة " من " الهلاك " . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					