القول في تأويل قوله تعالى ( وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف    ) 
قال أبو جعفر   : يعني - تعالى ذكره - بذلك ، وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم مراضع غير أمهاتهم إذا أبت أمهاتهم أن يرضعنهم بالذي يرضعنهم به غيرهن من الأجر ، أو من خيفة ضيعة منكم على أولادكم بانقطاع ألبان أمهاتهم ، أو غير ذلك من الأسباب فلا حرج عليكم في استرضاعهن ، إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
5056 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : " وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم   " خيفة الضيعة على الصبي ، " فلا جناح عليكم " . 
5057 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  مثله . 
5058 - حدثني عبد الله بن محمد الحنفي  قال : حدثنا عبد الله بن عثمان  قال : أخبرنا ابن المبارك  قال : أخبرنا أبو بشر ورقاء  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  مثله . 
 [ ص: 72 ]  5059 - حدثني موسى  قال : حدثنا عمرو  قال : حدثنا أسباط  ، عن  السدي   : " وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم   " إن قالت المرأة : " لا طاقة لي به فقد ذهب لبني " فتسترضع له أخرى . 
5060 - حدثني المثنى  قال : حدثنا سويد  قال : أخبرنا ابن المبارك  ، عن جويبر  ، عن الضحاك  قال : ليس للمرأة أن تترك ولدها بعد أن يصطلحا على أن ترضع ، ويسلمان ، ويجبران على ذلك . قال : فإن تعاسروا عند طلاق أو موت في الرضاع ، فإنه يعرض على الصبي المراضع . فإن قبل مرضعا جاز ذلك وأرضعته ، وإن لم يقبل مرضعا فعلى أمه أن ترضعه بالأجر إن كان له مال أو لعصبته . فإن لم يكن له مال ولا لعصبته ، أكرهت على رضاعه . 
5061 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا مهران  وحدثني علي  قال : حدثنا زيد  جميعا ، عن سفيان   : " وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم   " إذا أبت الأم أن ترضعه ، فلا جناح على الأب أن يسترضع له غيرها . 
5062 - حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله : " وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف   " قال : إذا رضيت الوالدة أن تسترضع ولدها ، ورضي الأب أن يسترضع ولده ، فليس عليهما جناح . 
واختلفوا في قوله : " إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف " . 
فقال بعضهم : معناه : إذا سلمتم لأمهاتهم ما فارقتموهن عليه من الأجرة على رضاعهن ، بحساب ما استحقته إلى انقطاع لبنها أو الحال التي عذر أبو الصبي بطلب مرضع لولده غير أمه ، واسترضاعه له . 
ذكر من قال ذلك :  [ ص: 73 ]  5063 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى  ، عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   : " إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف   " قال : حساب ما أرضع به الصبي . 
5064 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : " إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف   " حساب ما يرضع به الصبي . 
5065 - حدثني موسى  قال : حدثنا عمرو  قال : حدثنا أسباط  ، عن  السدي   : " إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف   " إن قالت - يعني الأم - : " لا طاقة لي به ، فقد ذهب لبني " فتسترضع له أخرى ، وليسلم لها أجرها بقدر ما أرضعت . 
5066 - حدثني المثنى  قال : حدثني سويد  قال : أخبرنا ابن المبارك ،  عن  ابن جريج  قال : قلت - يعني لعطاء   - : " وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم   " ؟ قال : أمه وغيرها " فلا جناح عليكم إذا سلمتم   " قال : إذا سلمت لها أجرها " ما آتيتم " قال : ما أعطيتم . 
وقال آخرون : معنى ذلك : إذا سلمتم للاسترضاع ، عن مشورة منكم ومن أمهات أولادكم الذين تسترضعون لهم ، وتراض منكم ومنهن باسترضاعهم . 
ذكر من قال ذلك : 
5067 - حدثنا بشر بن معاذ  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد  ، عن قتادة  قوله : " فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف   " يقول : إذا كان ذلك عن مشورة ورضا منهم . 
5068 - حدثني المثنى  قال : حدثنا عبد الله بن صالح  قال : أخبرني الليث  قال : حدثني عقيل  ، عن ابن شهاب   : لا جناح عليهما أن يسترضعا أولادهما - يعني أبوي المولود - إذا سلما ولم يتضارا . 
 [ ص: 74 ]  5069 - حدثت عن عمار  قال : حدثنا ابن أبي جعفر  ، عن أبيه ، عن الربيع   : " إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف   " يقول : إذا كان ذلك عن مشورة ورضا منهم . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف إلى التي استرضعتموها بعد إباء أم المرضع ، من الأجرة ، بالمعروف . 
ذكر من قال ذلك : 
5070 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا مهران  وحدثني علي  قال : حدثنا زيد  جميعا ، عن سفيان  في قوله : " إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف   " قال : إذا سلمتم إلى هذه التي تستأجرون أجرها بالمعروف - يعني : إلى من استرضع للمولود ، إذا أبت الأم رضاعه . 
قال أبو جعفر   : وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك ، قول من قال : " تأويله : وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم إلى تمام رضاعهن ، ولم تتفقوا أنتم ووالدتهم على فصالهم ، ولم تروا ذلك من صلاحهم ، فلا جناح عليكم أن تسترضعوهم ظؤورة ، إن امتنعت أمهاتهم من رضاعهم لعلة بهن أو لغير علة إذا سلمتم إلى أمهاتهم وإلى المسترضعة الآخرة حقوقهن التي آتيتموهن بالمعروف . 
يعني بذلك المعنى : الذي أوجبه الله لهن عليكم ، وهو أن يوفيهن أجورهن على ما فارقهن عليه ، في حال الاسترضاع ووقت عقد الإجارة . 
وهذا هو المعنى الذي قاله  ابن جريج  ، ووافقه على بعضه مجاهد   والسدي  ومن قال بقولهم في ذلك . 
 [ ص: 75 ] وإنما قضينا لهذا التأويل أنه أولى بتأويل الآية من غيره ، لأن الله - تعالى ذكره - ذكر قبل قوله : " وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم   " أمر فصالهم ، وبين الحكم في فطامهم قبل تمام الحولين الكاملين فقال : " فإن أرادا فصالا عن تراض منهما   " في الحولين الكاملين " فلا جناح عليهما " . فالذي هو أولى بحكم الآية - إذ كان قد بين فيها وجه الفصال قبل الحولين - أن يكون الذي يتلو ذلك حكم ترك الفصال وإتمام الرضاع إلى غاية نهايته وأن يكون - إذ كان قد بين حكم الأم إذا هي اختارت الرضاع بما يرضع به غيرها من الأجرة - أن يكون الذي يتلو ذلك من الحكم ، بيان حكمها وحكم الولد إذا هي امتنعت من رضاعه ، كما كان ذلك كذلك في غير هذا الموضع من كتاب الله تعالى ، وذلك في قوله : ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى   ) [ سورة الطلاق : 6 ] . فأتبع ذكر بيان رضا الوالدات برضاع أولادهن ، ذكر بيان امتناعهن من رضاعهن ، فكذلك ذلك في قوله : " وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم   " . 
وإنما اخترنا في قوله : " إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف   " - ما اخترنا من التأويل ، لأن الله - تعالى ذكره - فرض على أبي المولود تسليم حق والدته إليها مما آتاها من الأجرة على رضاعها له بعد بينونتها منه ، كما فرض عليه ذلك لمن استأجره لذلك ممن ليس من مولده بسبيل ، وأمره بإيتاء كل واحدة منهما حقها بالمعروف على رضاع ولده . فلم يكن قوله : " إذا سلمتم " بأن يكون معنيا به : إذا سلمتم إلى أمهات أولادكم الذين يرضعون حقوقهن ، بأولى منه بأن يكون معنيا به : إذا سلمتم ذلك إلى المراضع سواهن ، ولا الغرائب من المولود بأولى أن يكن معنيات بذلك من الأمهات إذ كان الله - تعالى ذكره - قد أوجب على أبي المولود لكل من  [ ص: 76 ] استأجره لرضاع ولده ، من تسليم أجرتها إليها مثل الذي أوجب عليه من ذلك للأخرى . فلم يكن لنا أن نحيل ظاهر تنزيل إلى باطن ، ولا نقل عام إلى خاص ، إلا بحجة يجب التسليم لها - فصح بذلك ما قلنا . 
قال أبو جعفر   : وأما معنى قوله : " بالمعروف " فإن معناه : بالإجمال والإحسان ، وترك البخس والظلم فيما وجب للمراضع . 
				
						
						
