القول في تأويل قوله تعالى ( فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت    ) 
قال أبو جعفر   : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " فهزموهم " فهزم طالوت  وجنوده أصحاب جالوت  ، وقتل داود  جالوت   . 
وفي هذا الكلام متروك ، ترك ذكره اكتفاء بدلالة ما ظهر منه عليه . وذلك أن معنى الكلام : " ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين   "  [ ص: 355 ] فاستجاب لهم ربهم ، فأفرغ عليهم صبره وثبت أقدامهم ، ونصرهم على القوم الكافرين " فهزموهم بإذن الله " ولكنه ترك ذكر ذلك اكتفاء بدلالة قوله : " فهزموهم بإذن الله   " على أن الله قد أجاب دعاءهم الذي دعوه به . 
ومعنى قوله : " فهزموهم بإذن الله   " فلوهم بقضاء الله وقدره . يقال منه : " هزم القوم الجيش هزيمة وهزيمى " . 
" وقتل داود  جالوت   " . وداود  هذا هو داود بن إيشى  نبي الله - صلى الله عليه وسلم - . وكان سبب قتله إياه كما : - 
5740 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا بكار بن عبد الله  قال : سمعت  وهب بن منبه  يحدث قال : لما خرج أو قال : لما برز طالوت  لجالوت  ، قال جالوت   : أبرزوا إلي من يقاتلني ، فإن قتلني فلكم ملكي ، وإن قتلته فلي ملككم ! فأتي بداود  إلى طالوت  ، فقاضاه إن قتله أن ينكحه ابنته ، وأن يحكمه في ماله . فألبسه طالوت  سلاحا ، فكره داود  أن يقاتله بسلاح ، وقال : إن الله لم ينصرني عليه لم يغن السلاح ! فخرج إليه بالمقلاع ، وبمخلاة فيها أحجار ، ثم برز له . قال له جالوت   : أنت تقاتلني ! ! قال داود   :  [ ص: 356 ] نعم ! قال : ويلك ! ما خرجت إلا كما تخرج إلى الكلب بالمقلاع والحجارة ! لأبددن لحمك ، ولأطعمنه اليوم الطير والسباع ! فقال له داود   : بل أنت عدو الله شر من الكلب ! فأخذ داود  حجرا ورماه بالمقلاع ، فأصابت بين عينيه حتى نفذ في دماغه ، فصرع جالوت  وانهزم من معه ، واحتز داود  رأسه . فلما رجعوا إلى طالوت ،  ادعى الناس قتل جالوت  ، فمنهم من يأتي بالسيف ، وبالشيء من سلاحه أو جسده ، وخبأ داود  رأسه . فقال طالوت   : من جاء برأسه فهو الذي قتله ! فجاء به داود ،  ثم قال لطالوت   : أعطني ما وعدتني ! فندم طالوت  على ما كان شرط له ، وقال : إن بنات الملوك لا بد لهن من صداق وأنت رجل جريء شجاع ، فاحتمل صداقها ثلاثمائة غلفة من أعدائنا . وكان يرجو بذلك أن يقتل داود   . فغزا داود  وأسر منهم ثلاثمائة وقطع غلفهم ، وجاء بها . فلم يجد طالوت  بدا من أن يزوجه ، ثم أدركته الندامة . فأراد قتل داود  حتى هرب منه إلى الجبل ، فنهض إليه طالوت  فحاصره . فلما كان ذات ليلة سلط النوم على طالوت  وحرسه ، فهبط إليهم داود  فأخذ إبريق طالوت  الذي كان يشرب منه ويتوضأ ، وقطع شعرات من لحيته وشيئا من هدب ثيابه ، ثم رجع داود  إلى مكانه فناداه : أن [ قد نمت ونام ] حرسك ، فإني لو شئت أقتلك البارحة فعلت ،  [ ص: 357 ] فإنه هذا إبريقك ، وشيء من شعر لحيتك وهدب ثيابك ! وبعث [ به ] إليه ، فعلم طالوت  أنه لو شاء قتله ، فعطفه ذلك عليه فأمنه ، وعاهده بالله لا يرى منه بأسا ، ثم انصرف . ثم كان في آخر أمر طالوت  أنه كان يدس لقتله . وكان طالوت  لا يقاتل عدوا إلا هزم ، حتى مات . قال بكار   : وسئل وهب  وأنا أسمع : أنبيا كان طالوت  يوحى إليه ؟ فقال : لم يأته وحي ، ولكن كان معه نبي يقال له أشمويل  يوحى إليه ، وهو الذي ملك طالوت   . 
5741 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا سلمة  ، عن ابن إسحاق  قال : كان داود  النبي وإخوة له أربعة ، معهم أبوهم شيخ كبير ، فتخلف أبوهم ، وتخلف معه داود  من بين إخوته في غنم أبيه يرعاها له ، وكان من أصغرهم . وخرج إخوته الأربعة مع طالوت ،  فدعاه أبوه وقد تقارب الناس ودنا بعضهم من بعض . 
قال ابن إسحاق   : وكان داود  فيما ذكر لي بعض أهل العلم عن  وهب بن منبه   : رجلا قصيرا أزرق ، قليل شعر الرأس ، وكان طاهر القلب نقيه . فقال له أبوه : يا بني ، إنا قد صنعنا لإخوتك زادا يتقوون به على عدوهم ، فاخرج به إليهم ، فإذا دفعته إليهم فأقبل إلي سريعا ! فقال : أفعل . فخرج وأخذ معه ما حمل لإخوته ، ومعه مخلاته التي يحمل فيها الحجارة ، ومقلاعه الذي كان يرمي به عن غنمه . حتى إذا فصل من عند أبيه ، فمر بحجر فقال : يا داود   ! خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي جالوت  ، فإني حجر يعقوب ! فأخذه فجعله في مخلاته ومشى ، فبينا هو يمشي إذ مر بحجر آخر فقال : يا داود  خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي  [ ص: 358 ] جالوت  ، فإني حجر إسحاق ! فأخذه فجعله في مخلاته ، ثم مضى . فبينا هو يمشي إذ مر بحجر فقال : يا داود   ! خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي جالوت  ، فإني حجر إبراهيم ! فأخذه فجعله في مخلاته . ثم مضى بما معه حتى انتهى إلى القوم ، فأعطى إخوته ما بعث إليهم معه . وسمع في العسكر خوض الناس بذكر جالوت  وعظم شأنه فيهم ، وبهيبة الناس إياه ، وبما يعظمون من أمره ، فقال لهم : والله إنكم لتعظمون من أمر هذا العدو شيئا ما أدري ما هو ! ! والله إني لو أراه لقتلته ! فأدخلوني على الملك . فأدخل على الملك طالوت  ، فقال : أيها الملك ، إني أراكم تعظمون شأن هذا العدو ! والله إني لو أراه لقتلته ! فقال : يا بني ! ما عندك من القوة على ذلك ؟ وما جربت من نفسك ؟ قال : قد كان الأسد يعدو على الشاة من غنمي فأدركه ، فآخذ برأسه ، فأفك لحييه عنها ، فآخذها من فيه ، فادع لي بدرع حتى ألقيها علي . فأتي بدرع فقذفها في عنقه ، ومثل فيها ملء عين طالوت  ونفسه ومن حضره من بني إسرائيل  ، فقال طالوت   : والله لعسى الله أن يهلكه به ! فلما أصبحوا رجعوا إلى جالوت  ، فلما التقى الناس قال داود   : أروني جالوت   ! فأروه إياه على فرس عليه لأمته ، فلما رآه جعلت الأحجار الثلاثة تواثب من مخلاته ، فيقول هذا : خذني ! ويقول هذا : خذني ! ويقول هذا : خذني ! فأخذ أحدها فجعله في مقذافه ، ثم فتله به ، ثم أرسله ، فصك  [ ص: 359 ] به بين عيني جالوت  فدمغه ، وتنكس عن دابته ، فقتله . ثم انهزم جنده ، وقال الناس : قتل داود  جالوت   ! وخلع طالوت  وأقبل الناس على داود  مكانه ، حتى لم يسمع لطالوت  بذكر إلا أن أهل الكتاب يزعمون أنه لما رأى انصراف بني إسرائيل  عنه إلى داود  ، هم بأن يغتال داود  وأراد قتله ، فصرف الله ذلك عنه وعن داود ،  وعرف خطيئته ، والتمس التوبة منها إلى الله . 
وقد روي عن  وهب بن منبه  في أمر طالوت  وداود  قول خلاف الروايتين اللتين ذكرنا قبل وهو ما : - 
5742 - حدثني به المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم  قال : حدثني عبد الصمد بن معقل   : أنه سمع  وهب بن منبه  قال : لما سلمت بنو إسرائيل  الملك لطالوت ،  أوحي إلى نبي بني إسرائيل   : أن قل لطالوت  فليغز أهل مدين ، فلا يترك فيها حيا إلا قتله ، فإني سأظهره عليهم . فخرج بالناس حتى أتى مدين ، فقتل من كان فيها إلا ملكهم فإنه أسره ، وساق مواشيهم . فأوحى الله إلى أشمويل   : ألا تعجب من طالوت  إذ أمرته بأمري فاختل فيه ، فجاء بملكهم أسيرا ، وساق مواشيهم ! فالقه فقل له : لأنزعن الملك من بيته ثم لا يعود فيه إلى يوم القيامة ، فإني إنما أكرم من أطاعني ، وأهين من هان  [ ص: 360 ] عليه أمري ! فلقيه فقال له : ما صنعت ! ! لم جئت بملكهم أسيرا ، ولم سقت مواشيهم ؟ قال : إنما سقت المواشي لأقربها . قال له أشمويل   : إن الله قد نزع من بيتك الملك ، ثم لا يعود فيه إلى يوم القيامة ! فأوحى الله إلى أشمويل   : أن انطلق إلى إيشى  ، فيعرض عليك بنيه ، فادهن الذي آمرك بدهن القدس ، يكن ملكا على بني إسرائيل   . فانطلق حتى أتى إيشى  فقال : اعرض علي بنيك ! فدعا إيشى  أكبر ولده ، فأقبل رجل جسيم حسن المنظر ، فلما نظر إليه أشمويل  أعجبه فقال : الحمد لله ، إن الله لبصير بالعباد ! فأوحى الله إليه : إن عينيك يبصران ما ظهر ، وإني أطلع على ما في القلوب ، ليس بهذا ! فقال : ليس بهذا ، اعرض علي غيره ، فعرض عليه ستة في كل ذلك يقول : ليس بهذا . فقال : هل لك من ولد غيرهم ؟ فقال : بلى ! لي غلام أمغر ، وهو راع في الغنم . فقال : أرسل إليه . فلما أن جاء داود ،  جاء غلام أمغر ، فدهنه بدهن القدس وقال لأبيه : اكتم هذا ، فإن طالوت  لو يطلع عليه قتله . فسار جالوت  في قومه إلى بني إسرائيل  ، فعسكر ، وسار طالوت  ببني إسرائيل  وعسكر ، وتهيئوا للقتال . فأرسل جالوت  إلى طالوت   : لم يقتل قومي وقومك ؟ ابرز لي ، أو أبرز لي من شئت ، فإن قتلتك كان الملك لي ، وإن قتلتني كان الملك لك . فأرسل طالوت  في عسكره صائحا : من يبرز لجالوت  ، فإن قتله فإن الملك ينكحه ابنته ، ويشركه في ملكه . فأرسل إيشى  داود  إلى إخوته . قال الطبري : هو أيشى ،  ولكن قال المحدث :  [ ص: 361 ] إشى وكانوا في العسكر فقال : اذهب فزود إخوتك ، وأخبرني خبر الناس ماذا صنعوا ؟ فجاء إلى إخوته وسمع صوتا : إن الملك يقول : من يبرز لجالوت   ! فإن قتله أنكحه الملك ابنته . فقال داود  لإخوته : ما منكم رجل يبرز لجالوت  فيقتله وينكح ابنة الملك ؟ فقالوا : إنك غلام أحمق ! ومن يطيق جالوت ،  وهو من بقية الجبارين ! ! فلما لم يرهم رغبوا في ذلك قال : فأنا أذهب فأقتله ! فانتهروه وغضبوا عليه ، فلما غفلوا عنه ذهب حتى جاء الصائح فقال : أنا أبرز لجالوت   ! فذهب به إلى الملك ، فقال له : لم يجبني أحد إلا غلام من بني إسرائيل ،  هو هذا ! قال : يا بني ، أنت تبرز لجالوت  فتقاتله ! قال : نعم . قال : وهل آنست من نفسك شيئا ؟ قال : نعم ، كنت راعيا في الغنم فأغار علي الأسد ، فأخذت بلحييه ففككتهما . فدعا له بقوس وأداة كاملة ، فلبسها وركب الفرس ، ثم سار منهم قريبا ، ثم صرف فرسه ، فرجع إلى الملك ، فقال الملك ومن حوله : جبن الغلام ! فجاء فوقف على الملك ، فقال : ما شأنك ؟ قال داود   : إن لم يقتله الله لي ، لم يقتله هذا الفرس وهذا السلاح ! فدعني فأقاتل كما أريد . فقال : نعم يا بني . فأخذ داود  مخلاته فتقلدها ، وألقى فيها أحجارا ، وأخذ مقلاعه الذي كان يرعى به ، ثم مضى نحو جالوت   . فلما دنا من عسكره قال : أين جالوت  يبرز لي ؟ فبرز له على فرس عليه السلاح كله ، فلما رآه جالوت  قال : إليك أبرز ؟ ! قال نعم . قال : فأتيتني بالمقلاع والحجر كما يؤتى إلى الكلب ! قال : هو ذاك . قال : لا جرم أني سوف أقسم لحمك بين طير السماء وسباع الأرض ! قال داود   : أو يقسم الله لحمك ! فوضع داود  حجرا في مقلاعه ثم دوره فأرسله نحو جالوت  ، فأصاب أنف البيضة التي على جالوت  حتى خالط دماغه ، فوقع من فرسه . فمضى داود  إليه فقطع  [ ص: 362 ] رأسه بسيفه ، فأقبل به في مخلاته ، وبسلبه يجره ، حتى ألقاه بين يدي طالوت  ، ففرحوا فرحا شديدا . وانصرف طالوت ،  فلما كان داخل المدينة سمع الناس يذكرون داود  ، فوجد في نفسه . فجاءه داود  فقال : أعطني امرأتي ! فقال : أتريد ابنة الملك بغير صداق ؟ فقال داود   : ما اشترطت علي صداقا ، وما لي من شيء ! ! قال : لا أكلفك إلا ما تطيق ، أنت رجل جريء ، وفي جبالنا هذه جراجمة يحتربون الناس ، وهم غلف ، فإذا قتلت منهم مائتي رجل فأتني بغلفهم . فجعل كلما قتل منهم رجلا نظم غلفته في خيط ، حتى نظم مائتي غلفة . ثم جاء بهم إلى طالوت  فألقى بها إليه فقال : ادفع إلي امرأتي ، قد جئت بما اشترطت . فزوجه ابنته ، وأكثر الناس ذكر داود  ، وزاده عند الناس عجبا . فقال طالوت  لابنه : لتقتلن داود   ! قال : سبحان الله ، ليس بأهل ذلك منك ! قال : إنك غلام أحمق ! ما أراه إلا سوف يخرجك وأهل بيتك من الملك ! فلما سمع ذلك من أبيه انطلق إلى أخته فقال لها : إني قد خفت أباك أن يقتل زوجك داود  ، فمريه أن يأخذ حذره ويتغيب منه . فقالت له امرأته ذلك ، فتغيب . فلما أصبح أرسل طالوت  من يدعو له داود  ، وقد صنعت امرأته على فراشه كهيئة النائم ولحفته . فلما جاء  [ ص: 363 ] رسول طالوت  قال : أين داود ؟  ليجب الملك ! فقالت له : بات شاكيا ونام الآن ، ترونه على الفراش . فرجعوا إلى طالوت  فأخبروه ذلك ، فمكث ساعة ثم أرسل إليه ، فقالت : هو نائم لم يستيقظ بعد . فرجعوا إلى الملك فقال : ائتوني به وإن كان نائما ! فجاءوا إلى الفراش فلم يجدوا عليه أحدا ، فجاءوا الملك فأخبروه ، فأرسل إلى ابنته فقال : ما حملك على أن تكذبين ؟ قالت : هو أمرني بذلك ، وخفت إن لم أفعل أمره أن يقتلني ! وكان داود  فارا في الجبل حتى قتل طالوت  وملك داود  بعده . 
5743 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  ، عن عيسى  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  قال : كان طالوت  أميرا على الجيش ، فبعث أبو داود  مع داود  بشيء إلى إخوته ، فقال داود  لطالوت   : ماذا لي فأقتل جالوت ؟  قال : لك ثلث ملكي ، وأنكحك ابنتي . فأخذ مخلاته ، فجعل فيها ثلاث مروات ، ثم سمى حجارته تلك : " إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب " ثم أدخل يده فقال : باسم إلهي وإله آبائي إبراهيم  وإسحاق  ويعقوب   ! فخرج على " إبراهيم   " فجعله في مرجمته ، فخرقت ثلاثا وثلاثين بيضة عن رأسه ، وقتلت ثلاثين ألفا من ورائه . 
5744 - حدثني موسى  قال : حدثنا عمرو  قال : حدثنا أسباط  ، عن  السدي  قال : عبر يومئذ النهر مع طالوت  أبو داود فيمن عبر ، مع ثلاثة عشر ابنا له ، وكان داود  أصغر بنيه . فأتاه ذات يوم فقال : يا أبتاه ، ما أرمي بقذافتي شيئا إلا صرعته ! فقال : أبشر يا بني ! فإن الله قد جعل رزقك في قذافتك . ثم أتاه مرة أخرى فقال : يا أبتاه ، لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسدا رابضا ، فركبت عليه فأخذت بأذنيه ، فلم يهجني ! قال : أبشر يا بني ! فإن هذا خير يعطيكه  [ ص: 364 ] الله . ثم أتاه يوما آخر فقال : يا أبتاه إني لأمشي بين الجبال فأسبح ، فما يبقى جبل إلا سبح معي ! فقال : أبشر يا بني ! فإن هذا خير أعطاكه الله . وكان داود  راعيا ، وكان أبوه خلفه يأتي إليه وإلى إخوته بالطعام . فأتى النبي [ عليه السلام ] بقرن فيه دهن وسنور من حديد ، فبعث به إلى طالوت  فقال : إن صاحبكم الذي يقتل جالوت  يوضع هذا القرن على رأسه فيغلي حتى يدهن منه ، ولا يسيل على وجهه ، يكون على رأسه كهيئة الإكليل ، ويدخل في هذا السنور فيملأه . فدعا طالوت  بني إسرائيل  فجربهم به ، فلم يوافقه منهم أحد . فلما فرغوا ، قال طالوت   لأبي داود   : هل بقي لك من ولد لم يشهدنا ؟ قال : نعم ! بقي ابني داود  ، وهو يأتينا بطعام . فلما أتاه داود ،  مر في الطريق بثلاثة أحجار فكلمنه وقلن له : خذنا يا داود  تقتل بنا جالوت   ! قال : فأخذهن فجعلهن في مخلاته . وكان طالوت  قال : من قتل جالوت  زوجته ابنتي وأجريت خاتمه في ملكي . فلما جاء داود ،  وضعوا القرن على رأسه فغلى حتى ادهن منه ، ولبس السنور فملأه وكان رجلا مسقاما مصفارا ولم يلبسه أحد إلا تقلقل فيه . فلما لبسه داود   [ ص: 365 ] تضايق الثوب عليه حتى تنقض . ثم مشى إلى جالوت  وكان جالوت  من أجسم الناس وأشدهم فلما نظر إلى داود  قذف في قلبه الرعب منه ، فقال له : يا فتى ! ارجع ، فإني أرحمك أن أقتلك ! قال داود   : لا بل أنا أقتلك ! فأخرج الحجارة فجعلها في القذافة ، كلما رفع حجرا سماه ، فقال : هذا باسم أبي إبراهيم ، والثاني باسم أبي إسحاق  ، والثالث باسم أبي إسرائيل   . ثم أدار القذافة فعادت الأحجار حجرا واحدا ، ثم أرسله فصك به بين عيني جالوت  ، فنقبت رأسه فقتلته ، ثم لم تزل تقتل كل إنسان تصيبه ، تنفذ منه حتى لم يكن يحيا لها أحد . فهزموهم عند ذلك ، وقتل داود  جالوت ،  ورجع طالوت  ، فأنكح داود  ابنته ، وأجرى خاتمه في ملكه . فمال الناس إلى داود  فأحبوه . فلما رأى ذلك طالوت  وجد في نفسه وحسده ، فأراد قتله . فعلم به داود  أنه يريد به ذلك ، فسجى له زق خمر في مضجعه ، فدخل طالوت  إلى منام داود  وقد هرب داود ،  فضرب الزق ضربة فخرقه ، فسالت الخمر منه ، فوقعت قطرة من خمر في فيه ، فقال : يرحم الله داود   ! ما كان أكثر شربه للخمر . ثم إن داود  أتاه من القابلة في بيته وهو نائم ، فوضع سهمين عند رأسه ، وعند رجليه ، وعن يمينه وعن شماله سهمين سهمين ، ثم نزل . فلما استيقظ طالوت  بصر بالسهام فعرفها ، فقال : يرحم الله داود   ! هو خير مني ، ظفرت به فقتلته ، وظفر بي فكف عني ! ثم إنه ركب يوما فوجده يمشي في البرية  [ ص: 366 ] وطالوت  على فرس ، فقال طالوت   : اليوم أقتل داود   ! وكان داود  إذا فزع لا يدرك فركض على أثره طالوت  ، ففزع داود  فاشتد فدخل غارا ، وأوحى الله إلى العنكبوت فضربت عليه بيتا . فلما انتهى طالوت  إلى الغار ، نظر إلى بناء العنكبوت فقال : لو كان دخل هاهنا لخرق بيت العنكبوت ! ! فخيل إليه ، فتركه  . 
5745 - حدثت عن عمار بن الحسن  قال : حدثنا ابن أبي جعفر  ، عن أبيه ، عن الربيع  قال : ذكر لنا أن داود  حين أتاهم كان قد جعل معه مخلاة فيها ثلاثة أحجار . وإن جالوت  برز لهم فنادى : ألا رجل لرجل ! فقال طالوت   : من يبرز له ؟ وإلا برزت له ؟ فقام داود  فقال : أنا ! فقام له طالوت  فشد عليه درعه ، فجعل يراه يشخص فيها ويرتفع ، فعجب من ذلك طالوت  ، فشد عليه أداته كلها وإن داود  رماهم بحجر من تلك الحجارة ، فأصاب في القوم ، ثم رمى الثانية بحجر ، فأصاب فيهم ، ثم رمى الثالثة فقتلجالوت   . فآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ، وصار هو الرئيس عليهم ، وأعطوه الطاعة  . 
5746 - حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : حدثني ابن زيد  في قول الله - تعالى ذكره - : ( ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل   ) ، فقرأ حتى بلغ : ( فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين   ) قال : أوحى الله إلى نبيهم : إن في ولد فلان رجلا يقتل الله به جالوت  ، ومن علامته هذا القرن تضعه على رأسه فيفيض ماء . فأتاه فقال : إن الله أوحى إلي أن في ولدك رجلا  [ ص: 367 ] يقتل الله به جالوت   ! فقال : نعم يا نبي الله ! قال : فأخرج له اثني عشر رجلا أمثال السواري ، وفيهم رجل بارع عليهم ، فجعل يعرضهم على القرن فلا يرى شيئا ، فيقول لذلك الجسيم : ارجع ! فيردده عليه . فأوحى الله إليه : إنا لا نأخذ الرجال على صورهم ، ولكنا نأخذهم على صلاح قلوبهم . قال : يا رب ، قد زعم أنه ليس له ولد غيره ! فقال : كذب ! فقال : إن ربي قد كذبك ! وقال : إن لك ولدا غيرهم ! فقال : صدق يا نبي الله لي ولد قصير استحييت أن يراه الناس ، فجعلته في الغنم ! قال : فأين هو ؟ قال في شعب كذا وكذا من جبل كذا وكذا . فخرج إليه ، فوجد الوادي قد سال بينه وبين البقعة التي كان يريح إليها ، قال : ووجده يحمل شاتين يجيز بهما ولا يخوض بهما السيل . فلما رآه قال : هذا هو لا شك فيه ! هذا يرحم البهائم ، فهو بالناس أرحم ! قال : فوضع القرن على رأسه ففاض . فقال له : ابن أخي ! هل رأيت هاهنا من شيء يعجبك ؟ قال : نعم ، إذا سبحت سبحت معي الجبال ،  [ ص: 368 ] وإذا أتى النمر أو الذئب أو السبع أخذ شاة قمت إليه فأفتح لحييه عنها فلا يهيجني ! قال : وألفى معه صفنه . قال : فمر بثلاثة أحجار ينتزى بعضها على بعض ، كل واحد منها يقول : أنا الذي يأخذ ! ويقول هذا : لا ! بل إياي يأخذ ! ويقول الآخر مثل ذلك . قال : فأخذهن جميعا فطرحهن في صفنه . فلما جاء مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وخرجوا ، قال لهم نبيهم : " إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا   " فكان من قصة نبيهم وقصتهم ما ذكر الله في كتابه ، وقرأ حتى بلغ : " والله مع الصابرين   " . قال : واجتمع أمرهم وكانوا جميعا ، وقرأ : " وانصرنا على القوم الكافرين   " . وبرز جالوت  على برذون له أبلق ، في يده قوس نشاب ، فقال : من يبرز ؟ أبرزوا إلي رأسكم ! قال : ففظع به طالوت  قال : فالتفت إلى أصحابه فقال : من رجل يكفيني اليوم جالوت ؟  فقال داود   : أنا . فقال : تعال ! قال :  [ ص: 369 ] فنزع درعا له ، فألبسه إياها . قال : ونفخ الله من روحه فيه حتى ملأه . قال : فرمى بنشابة فوضعها في الدرع . قال : فكسرها داود  ولم تضره شيئا ثلاث مرات . ثم قال له : خذ الآن ! فقال داود   : اللهم اجعله حجرا واحدا . قال : وسمى واحدا إبراهيم  ، وآخر إسحاق  ، وآخر يعقوب   . قال : فجمعهن جميعا فكن حجرا واحدا . قال : فأخذهن وأخذ مقلاعا ، فأدارها ليرمي بها فقال : أترميني كما يرمى السبع والذئب ؟ ارمني بالقوس ! قال : لا أرميك اليوم إلا بها ! فقال له مثل ذلك أيضا ، فقال : نعم ! وأنت أهون علي من الذئب ! فأدارها وفيها أمر الله وسلطان الله . قال : فخلى سبيلها مأمورة . قال : فجاءت مظلة فضربت بين عينيه حتى خرجت من قفاه ، ثم قتلت من أصحابه وراءه كذا وكذا ، وهزمهم الله . 
5747 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج  ، عن  ابن جريج  قال : لما قطعوا ذلك يعني النهر الذي قال الله فيه مخبرا عن قيل طالوت  لجنوده : " إن الله مبتليكم بنهر   " وجاء جالوت ،  وشق على طالوت  قتاله ، فقال طالوت  للناس : لو أن جالوت  قتل ، أعطيت الذي يقتله نصف ملكي ، وناصفته كل شيء أملكه ! فبعث الله داود  وداود  يومئذ في الجبل راعي غنم ، وقد غزا مع طالوت  تسعة إخوة لداود  ، وهم أبد منه ، وأغنى منه ، وأعرف في الناس منه ، وأوجه عند طالوت  منه ، فغزوا وتركوه في غنمهم فقال داود  حين ألقى الله في نفسه ما ألقى ، وأكرمه : لأستودعن ربي غنمي اليوم ، ولآتين الناس ، فلأنظرن ما الذي بلغني من قول الملك لمن قتل جالوت   ! فأتى داود  إخوته ، فلاموه  [ ص: 370 ] حين أتاهم ، فقالوا : لم جئت ؟ قال : لأقتل جالوت  ، فإن الله قادر أن أقتله ، فسخروا منه . قال  ابن جريج   : قال مجاهد   : كان بعث أبو داود مع داود  بشيء إلى إخوته ، فأخذ مخلاة فجعل فيها ثلاث مروات ، ثم سماهن " إبراهيم " " وإسحاق " " ويعقوب " . قال  ابن جريج   : قالوا : وهو ضعيف رث الحال ، فمر بثلاثة أحجار فقلن له : خذنا يا داود  فقاتل بنا جالوت   ! فأخذهن داود  وألقاهن في مخلاته . فلما ألقاهن سمع حجرا منهن يقول لصاحبه : أنا حجر هارون الذي قتل بي ملك كذا وكذا . قال الثاني : أنا حجر موسى الذي قتل بي ملك كذا وكذا . قال الثالث : أنا حجر داود  الذي أقتل جالوت   ! فقال الحجران : يا حجر داود  نحن أعوان لك ! فصرن حجرا واحدا . وقال الحجر : يا داود ،  اقذف بي ، فإني سأستعين بالريح - وكانت بيضته فيما يقولون والله أعلم فيها ستمائة رطل - فأقع في رأس جالوت  فأقتله ! قال  ابن جريج ،  وقال مجاهد   : سمى واحدا إبراهيم ، والآخر إسحاق ، والآخر يعقوب ، وقال : باسم إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ؛ وجعلهن في مرجمته - قال  ابن جريج   : فانطلق حتى نفذ إلى طالوت  فقال : إنك قد جعلت لمن قتل جالوت  نصف ملكك ونصف كل شيء تملكه ! أفلي ذلك إن قتلته ؟ قال : نعم ! والناس يستهزئون بداود  ، وإخوة داود  أشد من هنالك عليه . وكان طالوت  لا ينتدب إليه أحد زعم أنه يقتل جالوت  إلا ألبسه درعا عنده ، فإذا لم تكن قدرا عليه نزعها عنه . وكانت درعا سابغة من دروع طالوت  ، فألبسها داود ،  فلما رأى قدرها عليه أمره أن يتقدم . فتقدم داود  ، فقام مقاما لا يقوم فيه أحد ، وعليه الدرع . فقال له جالوت   : ويحك ! من أنت ؟ إني  [ ص: 371 ] أرحمك ! ليتقدم إلي غيرك من هذه الملوك ! أنت إنسان ضعيف مسكين ! فارجع . فقال داود   : أنا الذي أقتلك بإذن الله ، ولن أرجع حتى أقتلك ! فلما أبى داود إلا قتاله ، تقدم جالوت  إليه ليأخذه بيده مقتدرا عليه ، فأخرج الحجر من المخلاة ، فدعا ربه ورماه بالحجر ، فألقت الريح بيضته عن رأسه ، فوقع الحجر في رأس جالوت  حتى دخل في جوفه فقتله . قال  ابن جريج   : وقال مجاهد   : لما رمى جالوت  بالحجر خرق ثلاثا وثلاثين بيضة عن رأسه ، وقتلت من ورائه ثلاثين ألفا . قال الله تعالى : " وقتل داود  جالوت   " . فقال داود  لطالوت   : ف لي بما جعلت . فأبى طالوت  أن يعطيه ذلك . فانطلق داود  فسكن مدينة من مدائن بني إسرائيل  حتى مات طالوت   . فلما مات عمد بنو إسرائيل  إلى داود  فجاءوا به فملكوه ، وأعطوه خزائن طالوت  ، وقالوا : لم يقتل جالوت  إلا نبي ! قال الله : " وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء   " . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					