القول في تأويل قوله تعالى ( ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا    ) 
قال أبو جعفر   : اختلف أهل التأويل في الحال التي نهى الله الشهداء عن إباء الإجابة إذا دعوا  بهذه الآية . 
فقال بعضهم : معناه : لا يأب الشهداء أن يجيبوا ، إذا دعوا ليشهدوا على الكتاب والحقوق . 
ذكر من قال ذلك : 
6367 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد  عن قتادة  قوله تعالى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " كان الرجل يطوف في الحواء العظيم فيه القوم ، فيدعوهم إلى الشهادة ، فلا يتبعه أحد منهم . قال : وكان قتادة  يتأول هذه الآية : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " ليشهدوا لرجل على رجل . 
6368 - حدثت عن عمار  قال : حدثنا ابن أبي جعفر  عن أبيه ، عن الربيع  في قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " قال : كان الرجل يطوف في القوم  [ ص: 69 ] الكثير يدعوهم ليشهدوا ، فلا يتبعه أحد منهم ، فأنزل الله - عز وجل - : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " . 
 6369 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال أخبرنا عبد الرزاق  قال أخبرنا معمر  عن قتادة  في قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " قال : لا تأب أن تشهد إذا ما دعيت إلى شهادة . 
وقال آخرون بمثل معنى هؤلاء ، إلا أنهم قالوا : يجب فرض ذلك على من دعي للإشهاد على الحقوق إذا لم يوجد غيره . فأما إذا وجد غيره فهو في الإجابة إلى ذلك مخير ، إن شاء أجاب ، وإن شاء لم يجب . 
ذكر من قال ذلك : 
6370 - حدثنا  محمد بن بشار  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا سفيان  عن جابر  عن الشعبي  قال : " لا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " - قال : إن شاء شهد ، وإن شاء لم يشهد ، فإذا لم يوجد غيره شهد . 
وقال آخرون : معنى ذلك : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " - للشهادة على من أراد الداعي إشهاده عليه ، والقيام بما عنده من الشهادة - من الإجابة . 
ذكر من قال ذلك : 
6371 - حدثنا ابن بشار  قال : حدثنا عبد الرحمن  قال : حدثنا أبو عامر  عن الحسن   : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " قال : قال الحسن   : الإقامة والشهادة . 
6372 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال أخبرنا عبد الرزاق  قال أخبرنا معمر   [ ص: 70 ] في قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " قال : كان الحسن  يقول : جمعت أمرين : لا تأب إذا كانت عندك شهادة أن تشهد ، ولا تأب إذا دعيت إلى شهادة . 
6373 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو صالح  قال حدثني معاوية  عن علي  عن ابن عباس  قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " يعني : من احتيج إليه من المسلمين شهد على شهادة إن كانت عنده ، ولا يحل له أن يأبى إذا ما دعي . 
6374 - حدثني المثنى  قال : حدثنا  عمرو بن عون  قال أخبرنا هشيم  عن يونس  عن الحسن   : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " قال : لإقامتها ، ولا يبدأ بها إذا دعاه ليشهده ، وإذا دعاه ليقيمها . 
وقال آخرون : بل معنى ذلك : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " - للقيام بالشهادة التي عندهم للداعي - من إجابته إلى القيام بها . 
ذكر من قال ذلك : 
6375 - حدثنا ابن بشار  قال : حدثنا عبد الرحمن  قال : حدثنا سفيان  عن ابن أبي نجيح  عن مجاهد   : " ولا يأب الشهداء إذا ما  دعوا " قال : إذا شهد . 
6376 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  عن عيسى  عن ابن أبي نجيح  عن مجاهد   : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " قال : إذا كانوا قد شهدوا قبل ذلك . 
6377 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن سفيان  عن ابن أبي نجيح  عن مجاهد   : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " يقول : إذا كانوا قد أشهدوا . 
6378 - حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : حدثنا  ابن علية  عن ابن أبي نجيح  عن مجاهد  في قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " قال : إذا كانت عندك شهادة فدعيت . 
6379 - حدثني يعقوب  قال : حدثنا  ابن علية  قال : حدثنا ليث  عن  [ ص: 71 ] مجاهد  في قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " قال : إذا كانت شهادة فأقمها ، فإذا دعيت لتشهد فإن شئت فاذهب ، وإن شئت فلا تذهب . 
6380 - حدثنا سوار بن عبد الله  قال : حدثنا عبد الملك بن الصباح  عن عمران بن حدير  قال : قلت لأبي مجلز   : ناس يدعونني لأشهد بينهم ، وأنا أكره أن أشهد بينهم ؟ قال : دع ما تكره ، فإذا شهدت فأجب إذا دعيت  . 
6381 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن سفيان  عن جابر  عن عامر  قال : الشاهد بالخيار ما لم يشهد . 
6382 - حدثني المثنى  قال : حدثنا عمرو  قال : حدثنا هشيم  عن يونس  عن عكرمة  في قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " . قال : لإقامة الشهادة . 
6383 - حدثني المثنى  قال : حدثنا  عمرو بن عون  قال أخبرنا هشيم  عن أبي عامر  عن عطاء  قال : في إقامة الشهادة . 
6384 - حدثني يعقوب  قال : حدثنا هشيم  قال : حدثنا أبو عامر المزني  قال سمعت عطاء  يقول : ذلك في إقامة الشهادة يعني قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " . 
6385 - حدثني يعقوب  قال : حدثنا هشيم  قال أخبرنا أبو حرة ، أخبرنا عن الحسن  أنه سأله سائل قال : أدعى إلى الشهادة وأنا أكره أن أشهد عليها . قال : فلا تجب إن شئت . 
6386 - حدثنا يعقوب  قال : حدثنا هشيم  عن مغيرة  قال : سألت إبراهيم   [ ص: 72 ] قلت : أدعى إلى الشهادة وأنا أخاف أن أنسى ؟ قال : فلا تشهد إن شئت . 
6387 - حدثنا ابن بشار  قال : حدثنا عبد الرحمن  قال : حدثنا أبو عامر  عن عطاء  قال : للإقامة . 
6388 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن شريك  عن سالم الأفطس  عن سعيد بن جبير   : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " قال : إذا كانوا قد شهدوا . 
6389 - حدثني المثنى  قال : حدثنا سويد بن نصر  قال أخبرنا ابن المبارك  عن شريك  عن سالم  عن سعيد   : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " قال : هو الذي عنده الشهادة . 
6390 - حدثني موسى  قال : حدثنا عمرو  قال : حدثنا أسباط  عن  السدي  قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " يقول : لا يأب الشاهد أن يتقدم فيشهد إذا كان فارغا . 
6391 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال حدثني حجاج  عن  ابن جريج  قال : قلت لعطاء   : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " قال : هم الذين قد شهدوا . قال : ولا يضر إنسانا أن يأبى أن يشهد إن شاء . قلت لعطاء   : ما شأنه ؟ إذا دعي أن يكتب وجب عليه أن لا يأبى ، وإذا دعي أن يشهد لم يجب عليه أن يشهد إن شاء ! قال : كذلك يجب على الكاتب أن يكتب ، ولا يجب على الشاهد أن يشهد إن شاء ، الشهداء كثير . 
6392 - حدثني يونس  قال أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " قال : إذا شهد فلا يأب إذا دعي أن يأتي يؤدي شهادة ويقيمها . 
6393 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد  عن قتادة   :  [ ص: 73 ]  " ولا يأب الشهداء   " قال : كان الحسن  يتأولها : إذا كانت عنده شهادة فدعي ليقيمها . 
6394 - حدثني يحيى بن أبي طالب  قال أخبرنا يزيد  قال أخبرنا جويبر  عن الضحاك  في قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " قال : إذا كتب الرجل شهادته أو أشهد لرجل فشهد ، والكاتب الذي يكتب الكتاب - دعوا إلى مقطع الحق ، فعليهم أن يجيبوا وأن يشهدوا بما أشهدوا عليه . 
وقال آخرون : هو أمر من الله - عز وجل - الرجل والمرأة بالإجابة إذا دعي ليشهد على ما لم يشهد عليه من الحقوق ابتداء ، لا لإقامة الشهادة ، ولكنه أمر ندب لا فرض . 
ذكر من قال ذلك : 
6395 - حدثني أبو العالية العبدي إسماعيل بن الهيثم  قال : حدثنا أبو قتيبة  عن  فضيل بن مرزوق  عن عطية العوفي  في قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " قال : أمرت أن تشهد ، فإن شئت فاشهد ، وإن شئت فلا تشهد . 
6396 - حدثني أبو العالية  قال : حدثنا أبو قتيبة  عن محمد بن ثابت العصري  عن عطاء ،  بمثله . 
قال أبو جعفر   : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : " [ معنى ]  [ ص: 74 ] ذلك : ولا يأب الشهداء من الإجابة إذا دعوا لإقامة الشهادة وأدائها عند ذي سلطان أو حاكم يأخذ من الذي عليه ما عليه للذي هو له " . 
وإنما قلنا هذا القول بالصواب أولى في ذلك من سائر الأقوال غيره ، لأن الله - عز وجل - قال : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " فإنما أمرهم بالإجابة للدعاء للشهادة وقد ألزمهم اسم " الشهداء " . وغير جائز أن يلزمهم اسم " الشهداء " إلا وقد استشهدوا قبل ذلك فشهدوا على ما ألزمتهم شهادتهم عليه اسم " الشهداء " . فأما قبل أن يستشهدوا على شيء ، فغير جائز أن يقال لهم " شهداء " . لأن ذلك الاسم لو كان يلزمهم ولما يستشهدوا على شيء يستوجبون بشهادتهم عليه هذا الاسم ، لم يكن على الأرض أحد له عقل صحيح إلا وهو مستحق أن يقال له " شاهد " بمعنى أنه سيشهد ، أو أنه يصلح لأن يشهد . وإذ كان خطأ أن يسمى بذلك الاسم إلا من عنده شهادة لغيره ، أو من قد أقام شهادته فلزمه لذلك هذا الاسم كان معلوما أن المعني بقوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا   " من وصفنا صفته ممن قد استرعي شهادة ، أو شهد فدعي إلى القيام بها ؛ لأن الذي لم يستشهد ولم يسترع شهادة قبل الإشهاد غير مستحق اسم " شهيد " ولا " شاهد " لما قد وصفنا قبل . 
مع أن في دخول " الألف واللام " في " الشهداء " دلالة واضحة على أن المسمى بالنهي عن ترك الإجابة للشهادة  ، أشخاص معلومون قد عرفوا بالشهادة ،  [ ص: 75 ] وأنهم الذين أمر الله - عز وجل - أهل الحقوق باستشهادهم بقوله : " واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء   " . وإذ كان ذلك كذلك ، كان معلوما أنهم إنما أمروا بإجابة داعيهم لإقامة شهادتهم بعدما استشهدوا فشهدوا . ولو كان ذلك أمرا لمن أعرض من الناس فدعي إلى الشهادة يشهد عليها لقيل : ولا يأب شاهد إذا ما دعي . 
غير أن الأمر وإن كان كذلك ، فإن الذي نقول به في الذي يدعى لشهادة ليشهد عليها إذا كان بموضع ليس به سواه ممن يصلح للشهادة ، فإن الفرض عليه إجابة داعيه إليها ، كما فرض على الكاتب إذا استكتب بموضع لا كاتب به سواه ، ففرض عليه أن يكتب كما فرض على من كان بموضع لا أحد به سواه يعرف الإيمان وشرائع الإسلام ، فحضره جاهل بالإيمان وبفرائض الله فسأله تعليمه وبيان ذلك له أن يعلمه ويبينه له . ولم نوجب ما أوجبنا على الرجل من الإجابة للشهادة إذا دعي ابتداء ليشهد على ما أشهد عليه بهذه الآية ، ولكن بأدلة سواها ، وهي ما ذكرنا . وإن فرضا على الرجل إحياء ما قدر على إحيائه من حق أخيه المسلم . 
" والشهداء " جمع " شهيد " . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					