( بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم  فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين    ( 29 ) فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون    ( 30 ) ) 
( بل اتبع الذين ظلموا    ) أشركوا بالله ( أهواءهم    ) في الشرك ) ( بغير علم ) جهلا بما يجب عليهم ( فمن يهدي من أضل الله    ) أي : أضله الله ( وما لهم من ناصرين    ) مانعين يمنعونهم من عذاب الله - عز وجل - . قوله تعالى : ( فأقم وجهك للدين    ) أي : أخلص دينك لله ، قاله سعيد بن جبير ،  وإقامة الوجه : إقامة الدين ، وقال غيره : سدد عملك . والوجه ما يتوجه إليه الإنسان ، ودينه وعمله مما يتوجه إليه لتسديده ) ( حنيفا ) مائلا مستقيما عليه ( فطرة الله    ) دين الله ، وهو نصب على الإغراء ، أي : إلزم فطرة الله ( التي فطر الناس عليها    ) أي : خلق الناس عليها ، وهذا قول ابن عباس  وجماعة من المفسرين أن المراد بالفطرة    : الدين ، وهو الإسلام . وذهب قوم إلى أن الآية خاصة في المؤمنين . وهم الذين فطرهم الله على الإسلام : أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي ،  أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمش الزيادي ،  أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ،  أخبرنا  أحمد بن يوسف السلمي ،  أخبرنا عبد الرزاق ،  أخبرنا معمر ،  عن  همام بن منبه  قال : حدثنا  أبو هريرة  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :   " من يولد يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتجون البهيمة ، هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها ؟ ، قالوا يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير ؟ قال : " الله أعلم بما كانوا عاملين   " .   [ ص: 270 ] 
ورواه الزهري ،  عن  سعيد بن المسيب ،  عن  أبي هريرة  من غير ذكر من يموت وهو صغير ، وزاد : ثم يقول  أبو هريرة    : اقرءوا إن شئتم : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها    ) . قوله : " من يولد يولد على الفطرة " يعني على العهد الذي أخذ الله عليهم بقوله : " ألست ، بربكم قالوا بلى " ( الأعراف - 172 ) ، وكل مولود في العالم على ذلك الإقرار ، وهو الحنيفية التي وقعت الخلقة عليها وإن عبد غيره ، قال تعالى : " ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله " ( الزخرف - 87 ) ، وقالوا : " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى    " ( الزمر - 3 ) ، ولكن لا عبرة بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا ، وإنما يعتبر الإيمان الشرعي المأمور به المكتسب بالإرادة والفعل ، ألا ترى أنه يقول : " فأبواه يهودانه " ؟ فهو مع وجود الإيمان الفطري فيه محكوم له بحكم أبويه الكافرين ، وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - :   " يقول الله تعالى إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم   " . ويحكى معنى هذا عن الأوزاعي ،   وحماد بن سلمة .  
وحكي عن  عبد الله بن المبارك  أنه قال : معنى الحديث إن كل مولود يولد على فطرته ، أي : على خلقته التي جبل عليها في علم الله تعالى من السعادة أو الشقاوة ، فكل منهم صائر في العاقبة إلى ما فطر عليها ، وعامل في الدنيا بالعمل المشاكل لها ، فمن أمارات الشقاوة للطفل أن يولد بين يهوديين أو نصرانيين ، فيحملانه - لشقائه - على اعتقاد دينهما . وقيل : معناه أن كل مولود يولد في مبدأ الخلقة على الفطرة أي على الجبلة السليمة والطبع المتهيئ لقبول الدين ، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها ، لأن هذا الدين موجود حسنه في العقول ، وإنما يعدل عنه من يعدل إلى غيره لآفة من آفات النشوء والتقليد ، فلو سلم من تلك الآفات لم يعتقد غيره . . . ثم يتمثل بأولاد اليهود  والنصارى  واتباعهم لآبائهم والميل إلى أديانهم فيزلون بذلك على الفطرة السليمة والمحجة المستقيمة . ذكر أبو سليمان الخطابي  هذه المعاني في كتابه .   [ ص: 271 ] 
قوله : ( لا تبديل لخلق الله    ) فمن حمل الفطرة على الدين قال : معناه لا تبديل لدين الله ، وهو خبر بمعنى النهي ، أي : لا تبدلوا دين الله . قال مجاهد ،  وإبراهيم    : معنى الآية الزموا فطرة الله ، أي دين الله ، واتبعوه ولا تبدلوا التوحيد بالشرك ( ذلك الدين القيم    ) المستقيم ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون    ) وقيل : لا تبديل لخلق الله أي : ما جبل عليه الإنسان من السعادة والشقاء لا يتبدل ، فلا يصير السعيد شقيا ولا الشقي سعيدا . وقال عكرمة  ومجاهد    : معناه تحريم إخصاء البهائم . 
				
						
						
