( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون     ( 10 ) وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين    ( 11 ) ) 
قوله - عز وجل - ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض    ) أي إذا فرغ من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم ( وابتغوا من فضل الله    ) يعني الرزق وهذا أمر إباحة ، كقوله : " وإذا حللتم فاصطادوا    " ( المائدة - 2 ) قال ابن عباس    : إن شئت فاخرج وإن شئت فاقعد وإن شئت فصل إلى العصر ، وقيل : فانتشروا في الأرض ليس لطلب الدنيا ولكن لعيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله . وقال الحسن   وسعيد بن جبير  ومكحول    : " وابتغوا من فضل الله " هو طلب العلم . 
( واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون    ) قوله - عز وجل - ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما    ) الآية ، أخبرنا عبد الواحد المليحي ،  أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ،  أخبرنا محمد بن يوسف ،  حدثنا  محمد بن إسماعيل ،  حدثنا حفص بن عمر ،  حدثنا  خالد بن عبد الله    [ أخبرنا حصين    ] عن  سالم بن أبي الجعد  وعن أبي سفيان  عن  جابر بن عبد الله  قال : أقبلت عير يوم الجمعة ونحن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فثار الناس إلا اثني عشر رجلا فأنزل الله : " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها "   .   [ ص: 124 ] 
ويحتج بهذا الحديث من يرى   [ إقامة ] الجمعة باثني عشر رجلا    . وليس فيه بيان أنه أقام بهم الجمعة حتى يكون حجة لاشتراط هذا العدد . وقال ابن عباس  في رواية الكلبي    : لم يبق في المسجد إلا ثمانية رهط . 
وقال الحسن  وأبو مالك    : أصاب أهل المدينة  جوع وغلاء سعر فقدم  دحية بن خليفة الكلبي  بتجارة زيت من الشام  والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة ، فلما رأوه قاموا إليه بالبقيع  خشوا أن يسبقوا إليه ، فلم يبق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا رهط منهم أبو بكر  وعمر  فنزلت هذه الآية ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -   " والذي نفس محمد بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى منكم أحد لسال بكم الوادي نارا " 
وقال مقاتل    : بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة إذ قدم  دحية بن خليفة الكلبي  من الشام  بالتجارة ، وكان إذا قدم لم تبق بالمدينة  عاتق إلا أتته ، وكان يقدم إذا قدم بكل ما يحتاج إليه من دقيق وبر وغيره ، فينزل عند أحجار الزيت ، وهو مكان في سوق المدينة ، ثم يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فيخرج إليه الناس ليبتاعوا منه فقدم ذات جمعة وكان ذلك قبل أن يسلم ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم على المنبر يخطب فخرج إليه الناس فلم يبق في المسجد إلا اثنا عشر رجلا وامرأة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كم بقي في المسجد ؟ فقالوا : اثنا عشر رجلا وامرأة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لولا هؤلاء لسومت لهم الحجارة من السماء " فأنزل الله هذه الآية وأراد باللهو الطبل . 
وقيل : كانت العير إذا قدمت المدينة  استقبلوها بالطبل والتصفيق . وقوله : " انفضوا إليها " رد الكناية إلى التجارة لأنها أهم . وقال علقمة    : سئل عبد الله بن عمر    : أكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائما أو قاعدا ؟ قال : أما تقرأ " وتركوك قائما " . 
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ،  أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ،  حدثنا أبو العباس الأصم ،  أخبرنا الربيع ،  أخبرنا  الشافعي ،  أخبرنا إبراهيم بن محمد ،  أخبرني  جعفر بن محمد  عن أبيه عن  جابر بن عبد الله    : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة خطبتين قائما يفصل بينهما بجلوس   .   [ ص: 125 ] 
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ،  أخبرنا عبد الغافر بن محمد ،  أخبرنا محمد بن عيسى ،  حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ،  حدثنا مسلم بن الحجاج ،  حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ،  أخبرنا أبو الأحوص ،  عن سماك  عن  جابر بن سمرة  قال : كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس 
وبهذا الإسناد عن  جابر بن سمرة  قال : كنت أصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا 
والخطبة فريضة في صلاة الجمعة  ، ويجب أن يخطب قائما خطبتين  ، وأقل ما يقع عليه اسم الخطبة : أن يحمد الله ، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويوصي بتقوى الله ، هذه الثلاثة فرض في الخطبتين جميعا ويجب أن يقرأ في الأولى آية من القرآن  ، ويدعو للمؤمنين في الثانية ، فلو ترك واحدة من هذه الخمس لا تصح جمعته عند الشافعي وذهب أبو حنيفة  رضي الله عنه إلى أنه لو أتى بتسبيحة أو تحميدة أو تكبيرة أجزأه . وهذا القدر لا يقع عليه اسم الخطبة ، وهو مأمور بالخطبة . 
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ،  أخبرنا عبد الله بن يوسف بن محمد بن مامويه ،  أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري  بمكة ،  حدثنا الحسن بن الصباح الزعفراني ،  حدثنا  عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي  عن  جعفر بن محمد  عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع  أن مروان  استخلف  أبا هريرة  على المدينة ،  فصلى بهم  أبو هريرة  الجمعة فقرأ سورة الجمعة في الركعة الأولى وفي الثانية : " إذا جاءك المنافقون    " ( المنافقون - 1 ) فقال عبيد الله    : فلما انصرفنا مشيت إلى جنبه فقلت له : لقد قرأت بسورتين سمعت  علي بن أبي طالب  يقرأ بهما في الصلاة ؟ فقال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بهما 
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ،  أخبرنا زاهر بن أحمد ،  أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ،  أخبرنا أبو مصعب ،  عن مالك ،  عن ضمرة بن سعيد المازني  عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة  أن الضحاك بن قيس  سأل النعمان بن بشير  ماذا كان يقرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة على إثر سورة الجمعة ؟   [ ص: 126 ] فقال : كان يقرأ ب " هل أتاك حديث الغاشية "   . 
أخبرنا أبو عثمان الضبي ،  أخبرنا أبو محمد الجراحي ،  حدثنا أبو العباس المحبوبي ،  حدثنا أبو عيسى  حدثنا قتيبة ،  حدثنا أبو عوانة  عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر  عن أبيه عن حبيب بن سالم  عن النعمان بن بشير  قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العيدين وفي الجمعة ب " سبح اسم ربك الأعلى " و " هل أتاك حديث الغاشية " وربما اجتمع في يوم واحد فيقرأ بهما   . 
ولجواز الجمعة خمس شرائط    : الوقت وهو : وقت الظهر ما بين زوال الشمس إلى دخول وقت العصر ، والعدد والإمام والخطبة ودار الإقامة فإذا فقد شرط من هذه الخمسة يجب أن يصلوها ظهرا . . 
ولا يجوز للإمام أن يبتدئ الخطبة قبل اجتماع العدد ، وهو عدد الأربعين عند  الشافعي  فلو اجتمعوا وخطب بهم ثم انفضوا قبل افتتاح الصلاة أو انتقص واحد من العدد لا يجوز أن يصلي بهم الجمعة ، بل يصلي الظهر ، ولو افتتح بهم الصلاة ثم انفضوا فأصح أقوال الشافعي أن بقاء الأربعين شرط إلى آخر الصلاة ، [ كما أن بقاء الوقت شرط إلى آخر الصلاة ] فلو انتقص واحد منهم قبل أن يسلم الإمام يجب على الباقين أن يصلوها أربعا . وفيه قول آخر : إن بقي معه اثنان أتمها جمعة . وقيل : إن بقي معه واحد أتمها جمعة ، وعند المزني إذا نقصوا بعد ما صلى الإمام بهم ركعة أتمها جمعة ، وإن بقي وحده فإن كان في الركعة الأولى يتمها أربعا وإن انتقص من العدد واحد ، وبه قال أبو حنيفة  في العدد الذي شرطه كالمسبوق إذا أدرك مع الإمام ركعة من الجمعة  فإذا سلم الإمام أتمها جمعة وإن أدرك أقل من ركعة أتمها أربعا . . 
قوله - عز وجل - : ( قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة    ) أي ما عند الله من الثواب على الصلاة والثبات مع النبي - صلى الله عليه وسلم - خير من اللهو ومن التجارة ( والله خير الرازقين    ) لأنه موجد الأرزاق فإياه فاسألوا ومنه فاطلبوا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					