( والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا     ( 38 ) وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما    ( 39 ) إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما    ( 40 ) ) 
( والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر    ) محل " الذين " نصب ، عطفا على الذين يبخلون ، وقيل : خفض عطفا على قوله : و ( أعتدنا للكافرين ) نزلت في اليهود ، وقال  السدي    : في المنافقين ، وقيل : في مشركي مكة المتفقين على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم . 
( ومن يكن الشيطان له قرينا    ) صاحبا وخليلا ( فساء قرينا ) أي : فبئس الشيطان قرينا وهو نصب على التفسير ، وقيل : على القطع بإلقاء الألف واللام كما تقول : نعم رجلا عبد الله ، وكما قال تعالى : " بئس للظالمين بدلا    " ( الكهف - 50 ) " ساء مثلا " ( الأعراف - 177 ) . 
( وماذا عليهم ) أي : ما الذي عليهم وأي شيء عليهم؟ ( لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما    ) 
( إن الله لا يظلم مثقال ذرة    ) [ أدخل ابن عباس  يده في التراب ثم نفخ فيها وقال : كل واحد من هذه الأشياء ذرة ، والمراد أنه لا يظلم . لا قليلا ولا كثيرا ] . ونظمه : وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا فإن الله لا يظلم أي : لا يبخس ولا ينقص أحدا من ثواب عمله مثقال ذرة ، وزن ذرة ،   [ ص: 215 ] والذرة : هي النملة الحمراء الصغيرة ، وقيل : الذر أجزاء الهباء في الكوة وكل جزء منها ذرة ولا يكون لها وزن ، وهذا مثل ، يريد : إن الله لا يظلم شيئا ، كما قال في آية أخرى : " إن الله لا يظلم الناس شيئا " ( يونس 44 ) 
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ،  أنا أبو عمر بكر بن محمد المزني ،  أنا أبو بكر محمد بن عبد الله الحفيد ،  أنا  الحسين بن الفضل البجلي ،  أنا عفان ،  أنا همام ،  أنا قتادة  عن أنس  رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :   " إن الله لا يظلم المؤمن حسنة ، يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة " ، قال : " وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيرا "   . 
أخبرنا عبد الواحد المليحي ،  أنا أبو الطيب الربيع بن محمد بن أحمد بن حاتم البزار الطوسي ،  أنا أحمد بن محمد بن الحسن ،  أن محمد بن يحيى  حدثهم ، أخبرنا عبد الرزاق  وأخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ،  أخبرنا جدي أبو سهل عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار ،  أنا أبو بكر محمد بن زكريا العذافري ،  أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الدبري  أنا عبد الرزاق ،  أنا معمر ،  عن  زيد بن أسلم  عن  عطاء بن يسار  عن  أبي سعيد الخدري  رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   " إذا خلص المؤمنون من النار وأمنوا ، فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلو النار  ، قال : يقولون ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار ، قال : فيقول اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صورهم فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ومنهم من أخذته إلى كعبيه فيخرجونهم ، فيقولون : ربنا قد أخرجنا من أمرتنا ، قال : ثم يقول : أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان ، ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار ، حتى يقول : من كان في قلبه مثقال ذرة " ، قال أبو سعيد  رضي الله عنه : فمن لم يصدق هذا فليقرأ هذه الآية : " إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما    " قال : فيقولون ربنا قد أخرجنا من أمرتنا فلم يبق في النار أحد فيه خير ، ثم يقول الله عز وجل : شفعت الملائكة ، وشفعت الأنبياء ، وشفع المؤمنون ، وبقي أرحم الراحمين ، قال : فيقبض قبضة من النار ، أو قال : قبضتين لم يعملوا لله خيرا قط قد احترقوا حتى صاروا حمما فيؤتى بهم إلى ماء يقال له : ماء الحياة فيصب عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ، قال : فتخرج أجسادهم مثل اللؤلؤ في أعناقهم الخاتم : عتقاء الله فيقال لهم : ادخلوا الجنة فما تمنيتم أو رأيتم من شيء فهو لكم ، قال فيقولون : ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين ، قال : فيقول فإن لكم أفضل منه ، فيقولون : ربنا وما أفضل من ذلك؟ فيقول : " رضاي عنكم فلا أسخط عليكم أبدا "   .   [ ص: 216 ] 
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ،  أنا محمد بن أحمد بن الحرث ،  أنا محمد بن يعقوب الكسائي ،  أنا عبد الله بن محمود ،  أنا إبراهيم بن عبد الله بن الخلال ،  أنا  عبد الله بن المبارك ،  عن  ليث بن سعد ،  حدثني عامر بن يحيى ،  عن أبي عبد الرحمن المعافري ،  ثم الجيلي ،  قال : سمعت  عبد الله بن عمرو بن العاص  رضي الله عنهما يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   " إن الله يستخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر ، ثم يقول الله : أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول : لا يا رب ، فيقول : أفلك عذر أو حسنة؟ فبهت الرجل ، قال : لا يا رب ، فيقول : بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم ، فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، فيقول : أحضر وزنك ، فيقول : يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ، فيقول : إنك لا تظلم ، قال : فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة ، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ، قال : فلا يثقل مع اسم الله شيء "   . وقال قوم : هذا في الخصوم . 
وروي عن  عبد الله بن مسعود  رضي الله عنه : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ثم نادى مناد ألا من كان يطلب مظلمة فليجيء إلى حقه فليأخذه ، فيفرح المرء أن يذوب له الحق على والده أو ولده أو زوجته أو أخيه ، فيأخذ منه وإن كان صغيرا ، ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى : ( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون    ) ويؤتى بالعبد فينادي مناد على رءوس الأولين والآخرين : هذا فلان ابن فلان فمن كان له عليه حق فليأت إلى حقه فيأخذه ، ويقال آت هؤلاء حقوقهم فيقول : يا رب من أين وقد ذهبت الدنيا ، فيقول الله عز وجل لملائكته انظروا في أعماله الصالحة فأعطوهم منها فإن بقي مثقال ذرة من حسنة قالت الملائكة : يا ربنا بقي له مثقال ذرة من حسنة ، فيقول : ضعفوها لعبدي وأدخلوه بفضل رحمتي الجنة . ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها    ) وإن كان عبدا شقيا قالت الملائكة : إلهنا فنيت حسناته وبقي طالبون؟ فيقول الله عز وجل : خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ، ثم صكوا له صكا إلى النار   . 
فمعنى الآية هذا التأويل : أن الله لا يظلم مثقال ذرة  للخصم على الخصم بل أخذ له منه ولا   [ ص: 217 ] يظلم مثقال ذرة تبقى له بل يثيبه عليها ويضعفها له ، فذاك قوله تعالى : ( وإن تك حسنة يضاعفها    ) قرأ أهل الحجاز    ( حسنة ) بالرفع ، أي : وإن توجد حسنة ، وقرأ الآخرون بالنصب على معنى : وإن تك زنة الذرة حسنة يضاعفها ، أي : يجعلها أضعافا كثيرة . ( ويؤت من لدنه أجرا عظيما    ) قال  أبو هريرة  رضي الله عنه : إذا قال الله تعالى أجرا عظيما فمن يقدر قدره؟ . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					