( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير    ( 103 ) قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ    ( 104 ) وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون    ( 105 ) ) 
وأما قوله : ( لا تدركه الأبصار    )  علم أن الإدراك غير الرؤية لأن الإدراك هو : الوقوف على كنه الشيء والإحاطة به ، والرؤية : المعاينة ، وقد تكون الرؤية بلا إدراك ، قال الله تعالى في قصة موسى    " فلما تراءى الجمعان  قال أصحاب موسى  إنا لمدركون  قال : كلا " ( سورة الشعراء ، 61 ) ، وقال " لا تخاف دركا ولا تخشى    " ( سورة طه ، 77 ) ، فنفى الإدراك مع إثبات الرؤية ، فالله عز وجل يجوز أن يرى من غير إدراك وإحاطة كما يعرف في الدنيا ولا يحاط به ، قال الله تعالى : ( ولا يحيطون به علما    ) ، ( سورة طه ، 110 ) ، فنفى الإحاطة مع ثبوت العلم ، قال  سعيد بن المسيب    : لا تحيط به الأبصار ، وقال عطاء    : كلت أبصار المخلوقين عن الإحاطة به ، وقال ابن عباس  ومقاتل    : لا تدركه الأبصار في الدنيا ، وهو يرى في الآخرة ، قوله تعالى : ( وهو يدرك الأبصار    ) لا يخفى عليه شيء ولا يفوته ، ( وهو اللطيف الخبير    ) قال ابن عباس  رضي الله عنهما : اللطيف بأوليائه [ الخبير بهم ، وقال الأزهري    : معنى ( اللطيف )    ] الرفيق بعباده ، وقيل : اللطيف الموصل الشيء باللين والرفق ، وقيل : اللطيف الذي ينسي العباد ذنوبهم لئلا يخجلوا ، وأصل اللطف دقة النظر في الأشياء . 
قوله عز وجل : ( قد جاءكم بصائر من ربكم    ) يعني الحجج البينة التي تبصرون بها الهدى   [ ص: 175 ] من الضلالة والحق من الباطل ، ( فمن أبصر فلنفسه    ) أي : فمن عرفها وآمن بها فلنفسه عمل ، ونفعه له ، ( ومن عمي فعليها    ) أي : من عمي عنها فلم يعرفها ولم يصدقها فعليها ، أي : فبنفسه ضر ، ووبال العمى عليه ، ( وما أنا عليكم بحفيظ    ) برقيب أحصي عليكم أعمالكم ، إنما أنا رسول إليكم أبلغكم رسالات ربي وهو الحفيظ عليكم الذي لا يخفى عليه شيء من أفعالكم . 
( وكذلك نصرف الآيات    ) نفصلها ونبينها في كل وجه ، ( وليقولوا    ) قيل : معناه لئلا يقولوا ، ( درست    ) وقيل : هذه اللام لام العاقبة أي عاقبة أمرهم أن يقولوا : درست ، أي : قرأت على غيرك ، وقيل : قرأت كتب أهل الكتاب ، كقوله تعالى : ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا    ) ، ( القصص ، 8 ) ، ومعلوم أنهم لم يلتقطوه لذلك ، ولكن أراد أن عاقبة أمرهم أن كان عدوا لهم . 
قال ابن عباس    : وليقولوا يعني : أهل مكة  حين تقرأ عليهم القرآن درست ، أي : تعلمت من يسار  وجبر  ، كانا عبدين من سبي الروم  ، ثم قرأت علينا تزعم أنه من عند الله ، من قولهم : درست الكتاب أدرس درسا ودراسة   . 
وقال الفراء    : يقولون تعلمت من اليهود  ، وقرأ ابن كثير  وأبو عمرو    : " دارست " بالألف ، [ أي : قارأت أهل الكتاب من المدارسة بين اثنين ، تقول : ] قرأت عليهم وقرأوا عليك . وقرأ ابن عامر  ويعقوب    : " درست " بفتح السين وسكون التاء ، أي : هذه الأخبار التي تتلوها علينا قديمة ، قد درست وانمحت ، من قولهم : درس الأثر يدرس دروسا . ( ولنبينه لقوم يعلمون    ) قال ابن عباس    : يريد أولياءه الذين هداهم إلى سبيل الرشاد ، وقيل : يعني أن تصريف الآيات ليشقى به قوم ويسعد به قوم آخرون ، فمن قال درست فهو شقي ومن تبين له الحق فهو سعيد . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					