( ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين    ( 18 ) إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين    ( 19 ) ) 
( ذلكم ) الذي ذكرت من القتل والرمي والبلاء الحسن ، ( وأن الله ) قيل : فيه إضمار ، أي : واعلموا أن الله ( موهن ) مضعف ، ( كيد الكافرين    ) قرأ ابن كثير  ونافع  وأهل البصرة    : " موهن " بالتشديد والتنوين ، " كيد " نصب ، وقرأ الآخرون " موهن " بالتخفيف والتنوين إلا حفصا ، فإنه يضيفه فلا ينون ويخفض " كيد " . 
قوله تعالى : ( إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح     ) وذلك أن أبا جهل  قال يوم بدر  لما التقى الناس : اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لم نعرف فأحنه الغداة ، فكان هو المستفتح على نفسه . 
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي  ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي  ، أنا محمد بن يوسف  ، ثنا  محمد بن إسماعيل  ، ثنا يعقوب بن إبراهيم  ، حدثنا إبراهيم بن سعد  عن أبيه عن جده قال : قال   [ ص: 341 ] عبد الرحمن بن عوف    : إني لفي الصف يوم بدر  إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان ، حديثا السن ، فكأني لم آمن بمكانهما ، إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه : يا عم أرني أبا جهل  ، فقلت : يا ابن أخي وما تصنع به؟ فقال : عاهدت الله - عز وجل - إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه . فقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله ، فما سرني أني بين رجلين بمكانهما ، فأشرت لهما إليه ، فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه ، وهما ابنا عفراء   . 
وأخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي  ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي  ، أنا محمد بن يوسف  ، ثنا  محمد بن إسماعيل  ، ثنا  محمد بن المثنى  ، ثنا ابن أبي عدي  ، عن سليمان التيمي  عن أنس  رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر : " من ينظر لنا ما صنع أبو جهل    " ؟ قال : فانطلق ابن مسعود  فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد ، قال : فأخذ بلحيته فقال : أنت أبو جهل  ؟ فقال : وهل فوق رجل قتله قومه أو قتلتموه   . 
قال محمد بن إسحاق  حدثني عبد الله بن أبي بكر  قال : قال  معاذ بن عمرو بن الجموح  لما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوه أمر بأبي جهل بن هشام  أن يلتمس في القتلى ، فقال : اللهم لا يعجزنك ، قال فلما سمعتها جعلته من شأني فعمدت نحوه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه . قال : وضربني ابنه عكرمة  على عاتقي ، فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جنبي ، وأجهضني القتال عنه ، فلقد قاتلت عامة يومي ، وإني لأسحبها خلفي ، فلما آذتني جعلت عليها قدمي ، ثم تمطيت بها حتى طرحتها ، ثم مر بأبي جهل  وهو عقير  معوذ بن عفراء  ، فضربه حتى أثبته ، فتركه وبه رمق ، فمر  عبد الله بن مسعود  بأبي جهل  قال  عبد الله بن مسعود    : وجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه ، ثم قلت : هل أخزاك الله يا عدو الله؟ قال : وبماذا أخزاني ، أعمد من رجل قتلتموه أخبرني لمن الدائرة؟ قلت : لله ولرسوله   . 
وروي عن ابن مسعود  أنه قال : قال لي أبو جهل    : لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا ، ثم   [ ص: 342 ] احتززت رأسه ، ثم جئت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله هذا رأس أبي جهل  ، فقال : آلله الذي لا إله غيره ؟ قلت : نعم ، والذي لا إله غيره ، ثم ألقيته بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله - عز وجل -   . 
وقال  السدي  والكلبي    : كان المشركون حين خرجوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة  أخذوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين ففيه نزلت : " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح    " أي : إن تستنصروا فقد جاءكم النصر . 
وقال عكرمة    : قال المشركون والله لا نعرف ما جاء به محمد  فافتح بيننا وبينه بالحق ، فأنزل الله - عز وجل - : " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح    " أي : إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء   . 
وقال أبي بن كعب    : هذا خطاب لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال الله تعالى للمسلمين : " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح    " أي : إن تستنصروا فقد جاءكم الفتح والنصر   . 
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي  ، أنا أحمد بن الحسن الحيري  ، أنا حاجب بن أحمد  ، ثنا عبد الرحيم بن منيب  ، ثنا الفضل بن موسى  ، ثنا إسماعيل بن أبي خالد  عن قيس  عن خباب  رضي الله عنه قال : شكونا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة ، فقلنا : ألا تدعو الله لنا ، ألا تستنصر لنا؟ فجلس محمارا لونه أو وجهه فقال لنا : قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل ، ويحفر له في الأرض ثم يجاء بالمنشار فيجعل فوق رأسه ثم يجعل بفرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم وعصب ، وما يصرفه عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب منكم من صنعاء  إلى حضرموت  لا يخشى إلا الله ، ولكنكم تعجلون   " .   [ ص: 343 ] 
قوله : ( وإن تنتهوا    ) يقول للكفار ، إن تنتهوا عن الكفر بالله وقتال نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، ( فهو خير لكم وإن تعودوا    ) لحربه وقتاله ، ( نعد ) بمثل الواقعة التي وقعت بكم يوم بدر    . وقيل : وإن تعودوا إلى الدعاء والاستفتاح نعد للفتح لمحمد    - صلى الله عليه وسلم - ، ( ولن تغني عنكم فئتكم    ) جماعتكم ، ( شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين    ) قرأ أهل المدينة  وابن عامر  وحفص    " وأن الله " بفتح الهمزة ، أي : ولأن الله مع المؤمنين ، كذلك " لن تغني عنكم فئتكم شيئا    " ، وقيل : هو عطف على قوله : " ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين    " ، وقرأ الآخرون : " وإن الله " بكسر الألف على الابتداء . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					