[ ص: 247 ] ثم دخلت سنة خمسين وثلاثمائة 
في المحرم منها مرض  معز الدولة بن بويه  بانحصار البول  ، فقلق من ذلك ، وجمع بين حاجبه سبكتكين  ووزيره المهلبي  ، وأصلح بينهما ووصاهما بولده بختيار خيرا ، ثم عوفي من ذلك ، فعزم على الرحيل إلى الأهواز  ، واعتقد أن ما أصابه من هواء بغداد  ومائها ، فأشير عليه بالمقام بها ، وأن يبني بها دارا في أعلاها حيث الهواء أرق والماء أصفى ، فبنى له دارا غرم عليها ثلاثة عشر ألف ألف درهم ، فاحتاج لذلك أن يصادر بعض أصحابه ويقال : أنفق على هذه الدار ألفي ألف دينار ، ومات وهو يبني فيها ، وقد خرب أشياء كثيرة من معالم بغداد  في بنائها ، وكان مما خرب فيها المعشوق من سر من رأى ، وقلع الأبواب الحديد التي على مدينة المنصور  والرصافة  وقصرها ، وحولها إلى داره هذه لا تمت فرحته بها . 
وفيها مات القاضي  أبو السائب عتبة بن عبد الله  ،  وقبضت أملاكه ، وولي بعده القضاء أبو عبد الله الحسن بن أبي الشوارب  ، وضمن أن يؤدي في كل سنة إلى معز الدولة  مائتي ألف درهم ، فخلع عليه معز الدولة  ، وسار ومعه الدبادب والبوقات إلى منزله ، وهو أول من ضمن القضاء  ، ولم يأذن له الخليفة المطيع لله   [ ص: 248 ] في الحضور عنده ولا في حضور الموكب لأجل ذلك ، ثم ضمن معز الدولة  الشرطة وضمن الحسبة أيضا . 
وفيها سار قفل من أنطاكية  يريدون طرسوس  وفيهم نائب أنطاكية  فثار عليهم الفرنج  ، فأخذوهم عن بكرة أبيهم ، فلم يفلت منهم سوى النائب جريحا في مواضع من بدنه . 
وفيها دخل نجا غلام سيف الدولة  بلاد الروم  ، فقتل وسبى وغنم ، ورجع سالما . 
وفيها توفي الأمير عبد الملك بن نوح  
صاحب خراسان  سقط عن فرسه ، فمات ، فقام بالأمر من بعده أخوه منصور بن نوح الساماني  
وفيها توفي الناصر لدين الله عبد الرحمن الأموي  
صاحب الأندلس  ، وكانت خلافته خمسين سنة وستة أشهر ، وله من العمر يوم مات ثلاث وسبعون سنة ، وترك أحد عشر ولدا ، وكان أبيض حسن الوجه ، عظيم الجسم ، طويل الظهر ، قصير الساقين ، وهو أول من تلقب بأمير المؤمنين من أولاد الأمويين الداخلين إلى المغرب  ، وذلك حين بلغه ضعف الخلفاء بالعراق  ، وتغلب الفاطميين ببلاد المغرب  ، فتلقب بأمير المؤمنين قبل موته بثلاث وعشرين سنة . ولما توفي قام   [ ص: 249 ] بالأمر من بعده ولده الحكم  ، وتلقب بالمستنصر  ، ومن جملة أولاد الناصر  عبد الله  ، وكان شافعي المذهب ناسكا شاعرا ، ولا يعرف في الخلفاء أطول مدة من الناصر الأموي    - فإنه مكث خمسين سنة - سوى المستنصر بن الحاكم الفاطمي  صاحب مصر  ، فإنه مكث ستين سنة ، كما سيأتي بيان ذلك في موضعه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					