تنبيه على فضل هذا المسجد الشريف والمحل المنيف 
 قال الإمام أحمد    : حدثنا يحيى ،  عن أنيس بن أبي يحيى ،  حدثني أبي ، قال : سمعت أبا سعيد الخدري ،  قال : اختلف رجلان - رجل من بني خدرة  ، ورجل من بني عمرو بن عوف    - في المسجد الذي أسس على التقوى . فقال الخدري : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال العمري : هو مسجد قباء    . فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن ذلك فقال : " هو هذا المسجد " . لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : " في ذلك خير كثير " . يعني مسجد قباء    . ورواه الترمذي ،  عن قتيبة ،  عن حاتم بن إسماعيل ،  عن أنيس بن أبي يحيى الأسلمي  به ، وقال : حسن صحيح . 
وروى الإمام أحمد ،  عن إسحاق بن عيسى ،  عن الليث بن سعد  ،   [ ص: 542 ] ،  والترمذي   والنسائي  جميعا عن قتيبة ،  عن الليث ،  عن عمران بن أبي أنس ،  عن عبد الرحمن بن أبي سعيد ،  عن أبيه ، قال : تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى . وذكر نحو ما تقدم . 
وفي " صحيح مسلم    " من حديث حميد الخراط ،  عن  أبي سلمة بن عبد الرحمن ،  أنه سأل عبد الرحمن بن أبي سعيد    : كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسس على التقوى ؟ قال : قال أبي : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن المسجد الذي أسس على التقوى ، فأخذ كفا من حصباء ، فضرب به الأرض ، ثم قال : " هو مسجدكم هذا " . 
وقال الإمام أحمد    : حدثنا  وكيع ،  حدثنا ربيعة بن عثمان التيمي ،  عن عمران بن أبي أنس ،  عن سهل بن سعد ،  قال : اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى ، فقال أحدهما : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال الآخر : هو مسجد قباء . فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه ، فقال : " هو مسجدي هذا " . 
 [ ص: 543 ] وقال الإمام أحمد    : حدثنا أبو نعيم ،  حدثنا عبد الله بن عامر الأسلمي  ، عن عمران بن أبي أنس ،  عن سهل بن سعد ،  عن أبي بن كعب  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :   " المسجد الذي أسس على التقوى مسجدي هذا " . 
فهذه طرق متعددة لعلها تقرب من إفادة القطع بأنه مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإلى هذا ذهب عمر ،  وابنه عبد الله ،   وزيد بن ثابت ،   وسعيد بن المسيب ،  واختاره ابن جرير    . وقال آخرون : لا منافاة بين نزول الآية في مسجد قباء    - كما تقدم بيانه - وبين هذه الأحاديث; لأن هذا المسجد أولى بهذه الصفة من ذلك ، لأن هذا أحد المساجد الثلاثة التي تشد الرحال إليها ، كما ثبت في " الصحيحين " من حديث  أبي هريرة ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد; مسجدي هذا ، والمسجد الحرام ، ومسجد بيت المقدس " . وفي " صحيح مسلم    " عن أبي سعيد ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :   " لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد " . وذكرها . وثبت في " الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :   " صلاة في مسجدي هذا خير   [ ص: 544 ] من ألف صلاة فيما سواه ، إلا المسجد الحرام " . وفي " مسند أحمد    " بإسناد حسن زيادة حسنة ، وهي قوله : " فإن ذلك أفضل   " . 
وفي " الصحيحين " من حديث  يحيى القطان ،  عن عبيد الله ،  عن خبيب ،  عن حفص بن عاصم ،  عن  أبي هريرة ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على حوضي " . والأحاديث في فضائل هذا المسجد الشريف كثيرة جدا ، وسنوردها في كتاب المناسك من كتاب " الأحكام الكبير " إن شاء الله ، وبه الثقة ، وعليه التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم . 
وقد ذهب الإمام مالك  وأصحابه إلى أن مسجد المدينة  أفضل من المسجد الحرام    ; لأن ذاك بناه إبراهيم ،  وهذا بناه محمد  صلى الله عليه وسلم ، ومعلوم أن محمدا  صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم  عليه السلام ، وقد ذهب الجمهور إلى خلاف ذلك ، وقرروا أن المسجد الحرام  أفضل; لأنه في بلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، وحرمه إبراهيم  الخليل عليه السلام ومحمد  خاتم المرسلين ، فاجتمع فيه من الصفات ما ليس في غيره ، ولبسط هذه المسألة موضع آخر . وبالله المستعان . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					