[ ص: 99 ] ذكر قتال الملحمة مع الروم  الذي يكون آخره فتح القسطنطينية   
وعند ذلك يخرج الدجال ،  وينزل المسيح عيسى ابن مريم  من السماء إلى الأرض ، على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق ،  وقت صلاة الفجر ، كما سيأتي بيان ذلك كله ، بالأحاديث الصحيحة . 
قال  الإمام أحمد    : حدثنا محمد بن مصعب ، هو القرقساني ،  حدثنا الأوزاعي ،  عن حسان بن عطية ،  عن خالد بن معدان ،  عن  جبير بن نفير ،  عن ذي مخمر ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تصالحون الروم  صلحا آمنا ، وتغزون أنتم وهم عدوا من ورائهم ، فتسلمون وتغنمون ،  ثم تنزلون بمرج ذي تلول ،  فيقوم رجل من الروم ،  فيرفع الصليب ، ويقول : ألا غلب الصليب . فيقوم إليه رجل من المسلمين ، فيقتله ، فعند ذلك تغدر الروم ،  وتكون الملاحم ،  فيجمعون لكم ، فيأتونكم في ثمانين غاية ، مع كل غاية عشرة آلاف   " . ثم رواه أحمد ،  عن روح ،  عن الأوزاعي ،  به ، وقال فيه : " فعند ذلك تغدر الروم ،  ويجمعون للملحمة   " . وهكذا رواه أبو داود   وابن ماجه ،  من حديث   [ ص: 100 ] الأوزاعي ،  به . 
وقد تقدم في حديث عوف بن مالك ،  في " صحيح  البخاري    " : " فيأتونكم تحت ثمانين غاية ، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا   " . وهكذا في حديث شداد أبي عمار ،  عن معاذ    : " فيسيرون إليكم بثمانين بندا ، تحت كل بند اثنا عشر ألفا   " . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا إسماعيل ،  حدثنا أيوب ،  عن حميد بن هلال ،  عن  أبي قتادة ،  عن أسير بن جابر ،  قال : هاجت ريح حمراء بالكوفة ،  فجاء رجل ليس له هجيرى إلا : يا  عبد الله بن مسعود ،  جاءت الساعة . قال : وكان متكئا فجلس ، فقال : إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ، ولا يفرح بغنيمة    . قال : عدو يجمعون لأهل الإسلام ، ويجمع لهم أهل الإسلام    . ونحا بيده نحو الشام ،  قلت؟ الروم  تعني؟ قال : نعم ، وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة . قال : فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة ، فيقتتلون ، حتى يحجز بينهم الليل ، فيفيء هؤلاء وهؤلاء ، كل غير غالب ، وتفنى   [ ص: 101 ] الشرطة ، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة ، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل ، فيفيء هؤلاء وهؤلاء ، كل غير غالب ، وتفنى الشرطة ، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة ، فيقتتلون حتى يمسوا ، فيفيء هؤلاء وهؤلاء ، كل غير غالب ، وتفنى الشرطة ، فإذا كان اليوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام ، فيجعل الله الدبرة عليهم ، فيقتتلون مقتلة - إما قال : لا يرى مثلها ، وإما قال : لم ير مثلها - حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم . فما يخلفهم حتى يخر ميتا . قال : فيتعاد بنو الأب ، كانوا مائة ، فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد ، فبأي غنيمة يفرح؟ أو أي ميراث يقاسم؟ قال : فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك . قال : فجاءهم الصريخ : إن الدجال  قد خلفهم في ذراريهم ،  فيرفضون ما في أيديهم ، ويقبلون فيبعثون عشرة فوارس طليعة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأعلم أسماءهم ، وأسماء آبائهم ، وألوان خيولهم ، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ   " . 
 [ ص: 102 ] تفرد بإخراجه مسلم ،  فرواه عن أبي بكر بن أبي شيبة   وعلي بن حجر ،  كلاهما عن إسماعيل ابن علية ،  ومن حديث حماد بن زيد ،  كلاهما عن أيوب ،  ومن حديث  سليمان بن المغيرة ،  كلاهما عن  حميد بن هلال العدوي ،  عن أبي قتادة العدوي    . وقد اختلف في اسمه ، والأشهر ما ذكره ابن معين  أنه تميم بن نذير ،  ووثقه . وقال ابن منده  وغيره : كانت له صحبة . فالله أعلم . 
وتقدم من رواية  جبير بن نفير ،  عن عوف بن مالك  في تعداد الأشراط : " وهدنة تكون بينكم ، وبين بني الأصفر ،  فيسيرون إليكم في ثمانين غاية ، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا ، وفسطاط المسلمين يومئذ في أرض يقال لها : الغوطة    . في مدينة يقال لها : دمشق    " . رواه أحمد . 
وروى أبو داود " من حديث جبير بن نفير أيضا ، عن أبى الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها : دمشق ،  من خير مدائن الشام    " . 
وتقدم حديث أبي حية ، عن عبد الله بن عمرو ، في فتح القسطنطينية ،  وكذا حديث  أبي قبيل  في فتح رومية  بعدها أيضا . 
وقال مسلم بن الحجاج    : حدثني  زهير بن حرب ،  حدثنا معلى بن   [ ص: 103 ] منصور ،  حدثنا  سليمان بن بلال ،  حدثني سهيل ،  عن أبيه ، عن  أبي هريرة ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم  بالأعماق أو بدابق ،  فيخرج إليهم جيش من المدينة ،  من خيار أهل الأرض يومئذ ،  فإذا تصافوا قالت الروم    : خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم . فيقول المسلمون : لا والله ، لا نخلي بينكم وبين إخواننا . فيقاتلونهم ، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا ، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ،  ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا ، فيفتتحون قسطنطينية ،  فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون ، إذ صاح فيهم الشيطان : إن المسيح قد خلفكم في أهليكم . فيخرجون ، وذلك باطل ، فإذا جاءوا الشام  خرج ، فبينما هم يعدون للقتال ، يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة ، فينزل عيسى ابن مريم  فأمهم ،  فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء ،  فلو تركه لانذاب حتى يهلك ، ولكن يقتله الله بيده ، فيريهم دمه في حربته   " . 
وقال مسلم    : حدثنا قتيبة بن سعيد ،  حدثنا  عبد العزيز ، يعني ابن محمد ،  عن ثور ، وهو ابن زيد الديلي ،  عن أبي الغيث ،  عن  أبي هريرة ،  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سمعتم بمدينة جانب منها في البر ، وجانب منها في البحر؟ " قالوا : نعم ، يا رسول الله . قال : " لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفا من بني   [ ص: 104 ] إسحاق ،  فإذا جاءوها نزلوا ، فلم يقاتلوا بسلاح ، ولم يرموا بسهم;  قالوا : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، فيسقط أحد جانبيها " . قال ثور    : لا أعلمه إلا قال : " الذي في البحر ، ثم يقولوا الثانية : لا إله إلا الله ، والله أكبر . فيسقط جانبها الآخر ، ثم يقولوا الثالثة : لا إله إلا الله ، والله أكبر . فيفرج لهم ، فيدخلوها فيغنموا ، فبينما هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ ، فقال : إن الدجال  قد خرج ، فيتركون كل شيء ويرجعون   " . 
وقال ابن ماجه    : حدثنا علي بن ميمون الرقي ،  حدثنا أبو يعقوب الحنيني ،  عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ،  عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تكون أدنى مسالح المسلمين ببولاء     " . ثم قال صلى الله عليه وسلم : " يا علي ،  يا علي ،  يا علي    " . قال : بأبي وأمي . قال : " إنكم   [ ص: 105 ] ستقاتلون بني الأصفر ،  ويقاتلهم الذين من بعدكم ، حتى تخرج إليهم روقة الإسلام ، أهل الحجاز الذين لا يخافون في الله لومة لائم ، فيفتتحون القسطنطينية  بالتسبيح والتكبير ، فيصيبون غنائم لم يصيبوا مثلها ،  حتى يقتسموا بالأترسة ، ويأتي آت ، فيقول : إن المسيح قد خرج في بلادكم ، ألا وهي كذبة ، فالآخذ نادم ، والتارك نادم   " . 
وقال مسلم    : حدثنا قتيبة ،  حدثنا جرير ،  عن  عبد الملك بن عمير ،    . عن  جابر بن سمرة ،  عن نافع بن عتبة ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ، ثم فارس  فيفتحها الله ، ثم تغزون الروم  فيفتحها الله ، ثم تغزون الدجال  فيفتحه الله " . 
وقد روى مسلم  من حديث الليث بن سعد ،  حدثني موسى بن علي ،  عن أبيه ، قال : قال المستورد القرشي  عند عمرو بن العاص    : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تقوم الساعة والروم  أكثر الناس " . فقال له عمرو : أبصر ما تقول . قال : أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا : إنهم لأحلم الناس عند فتنة ، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة ، وأوشكهم كرة بعد فرة ، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف ، وخامسة حسنة جميلة : وأمنعهم من ظلم الملوك   . 
 [ ص: 106 ] ثم قال مسلم    : حدثني حرملة بن يحيى التجيبي ،  حدثنا  عبد الله بن وهب ،  حدثني أبو شريح  أن عبد الكريم بن الحارث  حدثه أن المستورد القرشي  قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تقوم الساعة والروم  أكثر الناس    " . قال : فبلغ ذلك عمرو بن العاص ، فقال : ما هذه الأحاديث التي تذكر عنك أنك تقولها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال له المستورد : قلت الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فقال عمرو : لئن قلت ذلك ، إنهم لأحلم الناس عند فتنة ، وأصبر الناس عند مصيبة ، وخير الناس لمساكينهم وضعفائهم   . وهذا يدل على أن الروم  يسلمون في آخر الزمان ،  ولعل فتح القسطنطينية  يكون على يدي طائفة منهم ، كما نطق به الحديث المتقدم أنه يغزوها سبعون ألفا من بني إسحاق ،  والروم  من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ،  عليه الصلاة والسلام ، فهم أولاد عم بني إسرائيل ،  وهو يعقوب بن إسحاق ،  فالروم  يكونون في آخر الزمان خيرا من بني إسرائيل ،  فإن الدجال  يتبعه سبعون ألفا من يهود أصبهان ،   فهم أنصار الدجال ،  وهؤلاء أعني الروم ،  قد مدحوا في هذا الحديث ، فلعلهم يسلمون على يدي المسيح ابن مريم ،  والله أعلم . على أنه قد وقع في بعض الروايات : " من بني إسماعيل    " . وقوى ذلك عياض  وغيره ، والله أعلم . 
 [ ص: 107 ] وقال  إسماعيل بن أبي أويس    : حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ،  عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ستقاتلون بني الأصفر ،  ويقاتلهم من بعدكم من المؤمنين أهل الحجاز ، حتى يفتح الله عليهم القسطنطينية  ورومية بالتسبيح والتكبير ، فينهدم حصنها فيصيبون مالا لم يصيبوا مثله قط ، حتى إنهم يقتسمون بالأترسة ، ثم يصرخ صارخ : يا أهل الإسلام ، المسيح الدجال  في بلادكم  وذراريكم . فينفض الناس عن المال ، منهم الآخذ ، ومنهم التارك ، الآخذ نادم ، والتارك نادم ، فيقولون : من هذا الصارخ؟ ولا يعلمون من هو فيقولون : ابعثوا طليعة إلى إيلياء ،  فإن يكن المسيح  قد خرج فسيأتونكم بعلمه . فيأتون ، فينظرون ، فلا يرون شيئا ، ويرون الناس ساكتين فيقولون : ما صرخ الصارخ إلا لنبأ عظيم ، فاعتزموا ، ثم ارتضوا ، فيعتزمون أن نخرج بأجمعنا إلى إيلياء ،  فإن يكن الدجال  خرج نقاتله بأجمعنا ، حتى يحكم الله بيننا وبينه ، وإن تكن الأخرى فإنها بلادكم وعشائركم إن رجعتم إليها   . 
وقد روى الحافظ  بهاء الدين ابن عساكر  في كتابه " المستقصى في فضائل الأقصى " بسند له عن الأوزاعي ،  عن خالد بن معدان ،  عن كعب الأحبار ،  أنه قال : إن مدينة القسطنطينية  شمتت بخراب بيت المقدس ،  يعني زمن بخت نصر ،  فتعززت وتجبرت وشمخت ، فسماها الله ، عز وجل ، العاتية المستكبرة; وذلك أنها قالت مع شماتتها ببيت المقدس    . إن يكن عرش ربي على الماء ، فقد بنيت أنا على الماء ، فغضب الله تعالى عليها ، ووعدها العذاب والخراب وقال   [ ص: 108 ] لها : حلفت يا مستكبرة لما قد عتيت عن أمري وتجبرت ، لأبعثن عليك عبادا لي مؤمنين من مساكن سبأ ،  ثم لأشجعن قلوبهم حتى أدعها كقلوب الأسد الضارية ، ولأجعلن صوت أحدهم عند البأس كصوت الأسد حين يخرج من الغابة ، ثم لأرعبن قلوب أهلك كرعب العصفور ، ثم لأنزعن عنك حليك وديباجك ورياشك ، ثم لأتركنك جلحاء قرعاء صلعاء; فإنه طال ما أشرك بي فيك ، وعبد غيري ، وافتري علي ، وأمهلتك إلى اليوم الذي فيه خزيك ، فلا تستعجلي يا عاتية فإنه لن يفوتني شيء أريده   . 
وقال  الإمام أحمد    : ثنا عبد الجبار بن العباس الشامي ،  عن أبي قيس  قال عبد الجبار :  أراه عن هزيل ،  قال : قام حذيفة  في دار عامر بن حنظلة  فيها اليمني والمضري ، فقال : " ليأتين على مضر  يوم لا يدعون لله عبدا يعبده إلا قتلوه ،  أو ليضربن ضربا لا يمنعون ذنب تلعة " . فقيل : يا أبا عبد الله  تقول هذا لقومك - أو : لقوم أنت منهم - فقال : لا أقول إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول   . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا أبو النضر ،  حدثنا  عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ،  عن أبيه ، عن مكحول ،  عن  جبير بن نفير ،  عن مالك بن يخامر ،  عن   [ ص: 109 ] معاذ بن جبل ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عمران بيت المقدس  خراب يثرب ،   وخراب يثرب  خروج الملحمة ، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية ،  وفتح القسطنطينية  خروج الدجال     " . قال : ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدثه أو منكبه ، ثم قال " إن هذا لحق كما أنك هاهنا " . أو : " كما أنك قاعد   " . يعني معاذا    . 
وهكذا رواه أبو داود ،  عن  عباس العنبري ،  عن  أبي النضر هاشم بن القاسم ،  به . 
وهذا إسناد جيد وحديث حسن ، وعليه نور الصدق وجلالة النبوة ، وليس المراد أن المدينة  تخرب بالكلية قبل خروج الدجال ،  وإنما ذلك في آخر الزمان ، كما سيأتي بيانه في الأحاديث الصحيحة ، بل قد يكون عمارة بيت المقدس  سببا في خراب المدينة  النبوية; لأن الناس يرحلون منها إلى الشام  لأجل الريف والرخص ، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الدجال  لا يدخلها يمنعه من ذلك ما على أنقابها من الملائكة ، بأيديهم السيوف المصلتة . 
وفي " صحيح  البخاري    " من حديث مالك ، عن نعيم المجمر ، عن  أبي هريرة ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :   " المدينة  لا يدخلها الطاعون ولا الدجال     " . وفي " جامع الترمذي    " أن المسيح ابن مريم  إذا مات يدفن في الحجرة النبوية    . 
 [ ص: 110 ] وقد قال مسلم    : حدثني  عمرو الناقد ،  حدثنا  الأسود بن عامر ،  حدثنا زهير ،  عن سهيل بن أبي صالح ،  عن أبيه ، عن  أبي هريرة ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   " تبلغ المساكن إهاب    " . أو : " يهاب    " . قال زهير    : قلت لسهيل    : فكم ذلك من المدينة؟  قال : كذا وكذا ميلا . 
فهذه العمارة إما أن تكون قبل عمارة بيت المقدس ،  وقد تكون بعد ذلك بدهر ، ثم تخرب بالكلية ، كما دلت على ذلك الأحاديث التي سنوردها . 
وقد روى القرطبي ،  من طريق  الوليد بن مسلم ،  عن ابن لهيعة ،  عن  أبي الزبير ،  عن جابر ،  أنه سمع عمر بن الخطاب ،  رضي الله عنه ، على المنبر ، يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يخرج أهل المدينة  منها ، ثم يعودون إليها فيعمرونها حتى تمتلئ ، ثم يخرجون منها ، ثم لا يعودون إليها أبدا    " . 
وفي حديث عن أبي سعيد ،  مرفوعا مثله ، وزاد : " وليدعنها وهي خير ما تكون ، مونعة " . قيل : فمن يأكلها؟ قال : " الطير والسباع   " . 
وفي " صحيح مسلم    " ، عن  أبي هريرة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يتركون المدينة  على خير ما كانت ، لا يغشاها إلا العوافي - يريد عوافي السباع والطير -   [ ص: 111 ] ثم يخرج راعيان من مزينة  يريدان المدينة  ينعقان بغنمهما ، فيجدانها وحشا ، حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما    " . 
وفي حديث حذيفة    : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء ، إلا أني لم أسأله : ما يخرج أهل المدينة  منها؟ وفي حديث آخر ، عن  أبي هريرة    : " يخرجون منها ونصف ثمرها زهو ، ونصفه رطب " . قيل : ما يخرجهم منها يا  أبا هريرة؟  قال : أمراء السوء   . 
وقال أبو داود    : حدثنا ابن نفيل ،  حدثنا عيسى بن يونس ،  عن أبي بكر بن أبي مريم ،  عن الوليد بن سفيان الغساني ،  عن يزيد بن قطب السكوني ،  عن  أبي بحرية ،  عن معاذ بن جبل ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الملحمة الكبرى ، وفتح القسطنطينية ،  وخروج الدجال  في سبعة أشهر    " . ورواه الترمذي ،  عن  عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ،  عن الحكم بن المبارك ،  عن  الوليد بن مسلم  به ، وقال : حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وفي الباب عن الصعب بن جثامة ،   [ ص: 112 ]  وعبد الله بن بسر ،   وعبد الله بن مسعود ،   وأبي سعيد الخدري    . 
ورواه ابن ماجه ،  عن هشام بن عمار ،  عن  الوليد بن مسلم   وإسماعيل بن عياش ،  عن أبي بكر بن أبي مريم ،  به . 
وقد قال  الإمام أحمد  وأبو داود ،  واللفظ له : حدثنا حيوة بن شريح الحمصي ،  حدثنا بقية ،  عن بحير بن سعد ،  عن  خالد ، هو ابن معدان ،  عن ابن أبي بلال ،  عن عبد الله بن بسر ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بين الملحمة وفتح المدينة  ست سنين ، ويخرج الدجال  في السابعة    " . وهكذا رواه ابن ماجه ،  عن  سويد بن سعيد ،  عن بقية ، به . 
وهذا مشكل مع الذي قبله ، اللهم إلا أن يكون بين أول الملحمة وآخرها ست سنين ، ويكون بين آخرها وفتح المدينة ،  وهي القسطنطينية ،  مدة قريبة ، بحيث يكون ذلك مع خروج الدجال  في سبعة أشهر ، والله أعلم . 
وقال الترمذي    : حدثنا محمود بن غيلان ،  حدثنا أبو داود ،  عن شعبة ،  عن يحيى بن سعيد ،  عن أنس بن مالك ،  قال : فتح القسطنطينية  مع قيام الساعة . قال محمود    : هذا حديث غريب ، والقسطنطينية  هي مدينة الروم  تفتح عند خروج الدجال ،  والقسطنطينية  قد فتحت في زمان بعض أصحاب النبي   [ ص: 113 ] صلى الله عليه وسلم . هكذا قال إنها فتحت في زمن الصحابة ، وفي هذا نظر; فإن معاوية  بعث إليها ابنه يزيد  في جيش فيهم  أبو أيوب الأنصاري ،  ولكن لم يتفق له فتحها ، وحاصرها  مسلمة بن عبد الملك بن مروان ،  في زمان دولتهم ، ولم يفتحها أيضا ، ولكن صالحهم على بناء مسجد بها ، كما قدمنا ذلك مبسوطا . والله سبحانه أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					