ذكر بنيان الجنة ومم قصورها  
قال  الإمام أحمد    : حدثنا أبو النضر   وأبو كامل ،  قالا : حدثنا زهير ،  حدثنا   [ ص: 279 ] سعد ; أبو مجاهد الطائي ،  حدثنا أبو المدلة - مولى أم المؤمنين    - سمع  أبا هريرة  يقول : قلنا : يا رسول الله ، إذا رأيناك رقت قلوبنا ، وكنا من أهل الآخرة ، وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا ، وشممنا النساء والأولاد . فقال : " لو تكونون - أو قال : لو أنكم تكونون - على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم ، ولزارتكم في بيوتكم ، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم " . قال : قلنا : يا رسول الله ، حدثنا عن الجنة ما بناؤها ؟ قال : " لبنة فضة ولبنة ذهب ، وملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وترابها الزعفران ، من يدخلها ينعم لا يبأس ، ويخلد لا يموت ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه   " . رواه الترمذي  من حديث  عبد الله بن نمير  ، عن سعدان القبي    - وكان ثقة - عن سعد ; أبي مجاهد الطائي    - وكان ثقة - به ، وقال : حسن . 
ووقع توثيق هذين الرجلين في رواية ابن ماجه ،  وهما من رجال  البخاري    . 
وقال ابن أبى الدنيا    : حدثنا محمد بن المثنى البزار ،  حدثنا محمد بن زياد   [ ص: 280 ] الكلبي ،  حدثنا بشر بن حسين ،  عن  سعيد بن أبي عروبة ،  عن قتادة ،  عن أنس ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلق الله جنة عدن بيده ، لبنة من درة بيضاء ، ولبنة من ياقوتة حمراء ، ولبنة من زبرجدة خضراء ، ملاطها المسك ، وحصباؤها اللؤلؤ ، وحشيشها الزعفران ، ثم قال لها : انطقي . فقالت : قد أفلح المؤمنون . فقال الله تعالى : وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل " . ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون    [ الحشر : 9 ] . 
وقال أبو بكر بن مردويه    : حدثنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم ،  حدثنا القاسم بن المغيرة الجوهري ،  حدثنا عثمان بن سعيد المري ،  حدثنا علي بن صالح  ، عن أبي ربيعة ، يعني عمر بن ربيعة ،  عن الحسن ،  عن ابن عمر ،  قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنة ، فقال : " من يدخل الجنة يحيا لا يموت ، وينعم لا يبأس ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه    " . قيل : يا رسول الله ، كيف بناؤها ؟   [ ص: 281 ] قال : لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة ، وملاطها مسك أذفر ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وتربتها الزعفران   " . 
وقال البزار    : حدثنا بشر بن آدم ،  حدثنا يونس بن عبيد الله العمري ،  حدثنا عدي بن الفضل ،  حدثنا الجريري ،  عن  أبي نضرة ،  عن أبي سعيد  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خلق الله الجنة لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة ، وملاطها المسك  ، فقال لها : تكلمي . فقالت : قد أفلح المؤمنون . فقالت الملائكة : طوباك منزل الملوك   " . 
وقد رواه  البيهقي ،  وعنده : " فقال الله : طوبى لك منزل الملوك   " . وقد رواه وهيب ،  عن الجريري ،  عن  أبي نضرة ،  عن أبي سعيد  مرفوعا . 
وفي حديث  داود بن أبي هند ،  عن أنس  مرفوعا : " إن الله بنى الفردوس بيده ، وحظرها على كل مشرك وعلى كل مدمن خمر سكير   " . 
وقال أبو بكر بن أبي شيبة    : حدثنا معاوية بن هشام  ، حدثنا علي بن صالح ،  عن عمر بن ربيعة ،  عن الحسن ،  عن ابن عمر ،  قال : قيل : يا رسول   [ ص: 282 ] الله ، كيف بناء الجنة ؟ قال : " لبنة من فضة ، ولبنة من ذهب ، ملاطها مسك أذفر ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وترابها الزعفران   " . 
وقال  الطبراني    : حدثنا أحمد بن خليد ،  حدثنا  أبو اليمان ، الحكم بن نافع  ، حدثنا  صفوان بن عمرو ،  عن مهاجر بن ميمون  ، عن  فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم  أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : أين أمنا خديجة ؟  قال : " في بيت من قصب لا لغو فيه ولا نصب ، بين مريم بنت عمران ،  وآسية امرأة فرعون    " . قالت : أمن هذا القصب ؟ قال : " لا ، من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت " . قال  الطبراني    : لا يروى عن فاطمة  إلا بهذا الإسناد ، تفرد به  صفوان بن عمرو .  
قلت : وهو حديث غريب ، ولأوله شاهد في " الصحيح " : " إن الله أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ، ولا نصب    " . 
قال بعض العلماء : إنما كان بيتها من قصب اللؤلؤ ، لأنها حازت قصب السبق في التصديق برسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الله ، عز وجل ، كما يدل عليه حديث أول البعثة ، أنها أول من آمن ; حيث قالت لما أخبرها بما رأى ، وقال : " لقد خشيت على نفسي ، قالت : كلا والله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتعين على   [ ص: 283 ] نوائب الدهر   . وأما ذكر مريم  وآسية  في هذا الحديث ففيه إشعار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوج بهما في الدار الآخرة ، وقد حاول بعضهم أن يأخذ ذلك من القرآن ، من قوله في سورة " التحريم " : ثيبات وأبكارا    [ التحريم : 5 ] . ثم ذكرت آسية  ومريم  في آخر السورة . يروى مثل هذا عن  البراء بن عازب  ، أو غيره من السلف . والله أعلم . 
وقال  أبو بكر بن أبي داود    : حدثنا علي بن المنذر الطريقي ،  حدثنا . ابن فضيل  ، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق ،  عن النعمان بن سعد  ، عن علي بن أبي طالب  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة لغرفا يرى ظهورها من بطونها ، وبطونها من ظهورها " . فقام أعرابي ، فقال : يا رسول الله ، لمن هي ؟ فقال : " لمن طيب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام   " . ورواه الترمذي  عن علي بن حجر ،  عن علي بن مسهر ،  عن عبد الرحمن بن إسحاق ،  وقال : غريب ، لا نعرفه إلا من حديثه . 
وروى  الطبراني  من حديث  الوليد بن مسلم  ، حدثنا  معاوية بن سلام  ، عن زيد بن سلام  ، حدثني أبو سلام  ، حدثني أبو معانق الأشعري ،  حدثني أبو   [ ص: 284 ] مالك الأشعري ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها  ، أعدها الله لمن أطعم الطعام ، وأدام الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام   " . 
وروى  الطبراني  أيضا ، من حديث ابن وهب  ، حدثني حيي ،  عن أبي عبد الرحمن ،  عن عبد الله بن عمرو ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :   " إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها " . قال أبو مالك الأشعري    : لمن هي يا رسول الله ؟ قال : " لمن أطاب الكلام ، وأطعم الطعام ، وبات قائما والناس نيام   " . قال الحافظ الضياء ؟  هذا عندي إسناد حسن . 
قلت : وقد رواه  الإمام أحمد ،  عن حسن  ، عن ابن لهيعة ،  حدثني حيي بن عبد الله المعافري  فذكر بإسناده مثله ، غير أنه قال : فقال  أبو موسى الأشعري    : لمن هي يا رسول الله ؟ فذكره ، والله أعلم . 
وقد ورد في بعض الأحاديث أن القصر يكون من لؤلؤة واحدة ; أبوابه ومصاريعه وسقفه . 
وفي حديث آخر : أن بعض سقوف الجنة نور يتلألأ كالبرق اللامع ، لولا   [ ص: 285 ] أن الله ثبت أبصارهم لأوشك أن يخطفها    . 
وقال  البيهقي    : حدثنا  أبو الحسين بن بشران ،  أنبأنا  أبو عمرو عثمان بن أحمد المعروف بابن السماك ،  حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور  ، حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد المؤمن ،  سمعت محمد بن واسع  يذكر عن الحسن  ، عن  جابر بن عبد الله  قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أحدثكم بغرف الجنة ؟ " قال : قلنا : بلى ، يا رسول الله ، بأبينا أنت وأمنا . قال : " إن في الجنة غرفا من أصناف الجوهر كله ، يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، فيها من النعيم واللذات والشرف ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت " . قال : قلت : يا رسول الله ، ولمن هذه الغرف ؟ قال : " لمن أفشى السلام ، وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام " . قال : قلنا ؟ يا رسول الله ، ومن يطيق ذلك ؟ قال : " أمتي تطيق ذلك ، وسأخبركم عن ذلك ، من لقي أخاه فسلم عليه أو رد عليه ، فقد أفشى السلام ، ومن أطعم أهله وعياله حتى يشبعهم فقد أطعم الطعام ، ومن صام رمضان ومن كل شهر ثلاثة أيام فقد أدام الصيام ، ومن صلى العشاء الآخرة وصلى الغداة في جماعة فقد صلى بالليل والناس نيام ، اليهود  والنصارى  والمجوس    " . 
 [ ص: 286 ] ثم قال  البيهقي    : وهذا الإسناد غير قوي ، إلا أنه بالإسنادين الأولين يقوي بعضه بعضا . والله أعلم . قال : وروي بإسناد آخر عن جابر    . 
ثم أورده من طريق علي بن حرب  ، عن حفص بن عمر عن عمرو بن قيس الملائي ،  عن عطاء  ، عن ابن عباس  مرفوعا ، بنحوه . 
وروى  البيهقي ،  من حديث جسر بن فرقد  ، عن  الحسن البصري ،  عن عمران بن حصين   وأبي هريرة  قالا : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : ومساكن طيبة في جنات عدن    [ التوبة : 72 ] . قال : " قصر من لؤلؤة ، في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء ، في كل بيت سبعون سريرا ، على كل سرير سبعون فراشا من كل لون ، على كل فراش زوجة من الحور العين ، في كل بيت سبعون مائدة ، على كل مائدة سبعون لونا من الطعام ، في كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة ، ويعطى المؤمن في كل غداة من القوة ما يأتي على ذلك كله أجمع   " . 
قلت : وهذا الحديث غريب ، بل الأشبه أنه موضوع ، وإذا كان الخبر ضعيفا لم يمكن اتصاله ، فإن جسرا هذا ضعيف جدا ، والله سبحانه أعلم . 
 [ ص: 287 ] وقال ابن وهب    : حدثنا عبد الله بن زيد بن أسلم ،  عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليجاء للرجل الواحد بالقصر من اللؤلؤة الواحدة ، في ذلك القصر سبعون غرفة ، في كل غرفة زوجة من الحور العين ، في كل غرفة سبعون بابا ، يدخل عليه من كل باب رائحة من رائحة الجنة ، سوى الرائحة التي تدخل عليه من الباب الآخر " . ثم قرأ قوله تعالى : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين  الآية [ السجدة : 17 ] . 
وذكر القرطبي  من طريق أبي هدبة إبراهيم بن هدبة    - وهو ذو نسخة مكذوبة - عن أنس بن مالك  مرفوعا : " إن في الجنة غرفا ليس فيها معاليق من فوقها ، ولا عماد من تحتها " . قيل : يا رسول الله ، وكيف يدخلها أهلها ؟ قال : " يدخلونها أشباه الطير " . قيل : يا رسول الله ، لمن هي ؟ قال : " لأهل الأسقام والأوجاع والبلوى   " . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					