صفة الحور العين ، وبنات آدم وشرفهن وفضلهن عليهن ، وكم لكل واحد منهن  
قال الله تعالى : فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان    [ الرحمن : 56 - 57 ] . وقال تعالى : فيهن خيرات حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات في الخيام    [ الرحمن : 70 - 72 ] . وقال تعالى : ولهم فيها أزوج مطهرة    [ البقرة : 25 ] . أي من الحيض والنفاس ، والبول والغائط ، والبزاق والمخاط ، فلا يصدر منهن أذى أبدا ، وكذلك طهرت أخلاقهن وألفاظهن وقلوبهن . 
وقال  عبد الله بن المبارك    : حدثنا شعبة ،  حدثنا قتادة ،  عن  أبي نضرة ،  عن أبي سعيد  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " فيها أزواج مطهرة " . قال : " من الحيض والنفاس ، والنجاسة ، والبزاق   " . 
 [ ص: 336 ] وقال أبو الأحوص  عند قوله : حور مقصورات في الخيام    . قال : بلغنا في الرواية أن سحابة مطرت من العرش ، فخلقن من قطرات الرحمة ، ثم ضرب على كل واحدة منهن خيمة على شاطئ الأنهار ، وسعة الخيمة أربعون ميلا ، وليس لها باب حتى إذا حل ولي الله بالخيمة انصدعت الخيمة عن باب ليعلم ولي الله أن أبصار المخلوقين من الملائكة والخدم لم تنظر إليها ، فهن مقصورات عن إبصار المخلوقين   . 
وقال تعالى : وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون    [ الواقعة : 22 - 24 ] . وقال في الآية الأخرى : كأنهن بيض مكنون    [ الصافات : 49 ] . قيل : إنه بيض النعام المكنون في الرمل ، وهو عند العرب أحسن أنواع البيض . وقيل : المراد بالبيض : اللؤلؤ قبل أن يبرز من صدفه . وقال تعالى إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا    : [ الواقعة : 35 - 38 ] . أي : إنا أنشأناهن بعد الكبر والعجز والضعف في الدنيا ، فصرن في الجنة شبابا أبكارا . عربا : أي متحببات إلى أزواجهن . وقيل : المراد به الغنجة . وقيل : الشكلة . والآية تعم هذا كله وأضعافه . أترابا أي في عمر واحد ، لا يزدن ولا ينقصن بل هن في سن واحدة . 
وقال  الطبراني    : حدثنا  بكر بن سهل الدمياطي ،  حدثنا عمرو بن هاشم البيروتي ،  حدثنا سليمان بن أبي كريمة ،  عن  هشام بن حسان ،  عن الحسن ،  عن أمه ، عن أم سلمة  قالت : قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قول الله تعالى :   [ ص: 337 ] وحور عين    . قال : " حور : بيض . عين : ضخام العيون ، شفر الحوراء بمنزلة جناح النسر " . قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قوله : كأمثال اللؤلؤ المكنون    . قال : " صفاؤهن صفاء الدر الذي في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي " . قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قوله : فيهن خيرات حسان    . قال ؟ " خيرات الأخلاق ، حسان الوجوه " . قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قوله : كأنهن بيض مكنون  قال : " رقتهن كرقة الجلد الذي يكون في داخل البيضة مما يلي القشرة ، وهو الغرقئ " . قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قوله : عربا أترابا    . قال : " هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمضا شمطا ، خلقهن الله بعد الكبر ، فجعلهن عذارى ، عربا : متعشقات محببات إلى أزواجهن ، أترابا : على ميلاد واحد " . قلت : يا رسول الله ، نساء الدنيا أفضل ، أم الحور العين ؟ قال : " بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين ، كفضل الظهارة على البطانة " . قلت : يا رسول الله ، بماذا ؟ قال : " بصلاتهن وصيامهن ، وعبادتهن الله ، ألبس الله وجوههن النور ، وأجسادهن الحرير ، بيض الألوان ، خضر الثياب ، صفر الحلي ، مجامرهن الدر ، وأمشاطهن الذهب ، يقلن : نحن الخالدات ، فلا نموت ، ونحن الناعمات فلا نبأس ، ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا ، ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا ، طوبى لمن كنا له ، وكان لنا " . قلت : يا رسول الله ، المرأة منا تتزوج الزوجين ، والثلاثة ، والأربعة ، ثم تموت ، فتدخل الجنة . ويدخلون معها ، من يكون زوجها ؟ قال : " يا أم سلمة ،  إنها تخير   [ ص: 338 ] فتختار أحسنهم خلقا فتقول : يا رب ، إن هذا كان أحسنهم معي خلقا في دار الدنيا ، فزوجنيه . يا أم سلمة ،  ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة   " . 
وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة    : حدثنا أحمد بن طارق  ، حدثنا مسعدة بن اليسع ،  حدثنا  سعيد بن أبي عروبة ،  عن قتادة ،  عن  سعيد بن المسيب ،  عن عائشة ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتته عجوز من الأنصار ،  فقالت : يا رسول الله ، ادع الله أن يدخلني الجنة . فقال : " إن الجنة لا يدخلها عجوز " فذهب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم فصلى ، ثم رجع إلى عائشة ،  فقالت : لقد لقيت من كلمتك مشقة وشدة ، فقال : " إن ذلك كذلك ، إن الله إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا   " . 
وتقدم في حديث الصور في صفة دخول المؤمنين الجنة ، قال : " فيدخل الرجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة ; سبعين مما ينشئ الله عز وجل ، وثنتين من ولد آدم ، لهما فضل على من أنشأ الله بعبادتهما الله في الدنيا ، يدخل على الأولى منهما غرفة من ياقوتة ، على سرير من ذهب ، مكلل باللؤلؤ ، عليه سبعون زوجا من سندس وإستبرق ، وإنه ليضع يده بين كتفيها ، ثم ينظر إلى يده من صدرها ، من وراء ثيابها وجلدها ولحمها ، وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت ، كبده لها مرآة ، وكبدها له مرآة ، فبينما هو عندها لا يملها ولا تمله ، ولا يأتيها مرة إلا وجدها عذراء ما يفتر ذكره ، ولا   [ ص: 339 ] يشتكي قبلها ، إلا أنه لا مني ولا منية ، فبينما هو كذلك إذ نودي : إنا قد عرفنا أنك لا تمل ، ولا تمل ، إلا أن لك أزواجا غيرها . فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة ، كلما جاء واحدة قالت : والله ما في الجنة شيء أحسن منك وما في الجنة شيء أحب إلي منك   " . ولهذا الحديث شواهد من وجوه كثيرة تقدمت ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة . 
وتقدم الحديث الذي رواه الإمام أحمد  من حديث أشعث الضرير ،  عن  شهر بن حوشب  ، عن  أبي هريرة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم : " وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا ، وإن الواحدة منهن ليأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض   " . 
وقال حرملة ،  عن ابن وهب  ، حدثنا عمرو ،  أن دراجا أبا السمح  حدثه ، عن أبي الهيثم ،  عن أبي سعيد ،  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم ، واثنتان وسبعون زوجة ، وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت ، كما بين الجابية  وصنعاء    " . 
وأسنده أحمد  عن حسن  ، عن ابن لهيعة ،  عن دراج  به . ورواه الترمذي  عن سويد بن نصر  ، عن ابن المبارك ،  عن رشدين ،  عن عمرو بن الحارث ،  فذكر بإسناده نحوه .   [ ص: 340 ] وقال محمد بن جعفر الفريابي    : حدثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن ،  حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك ،  عن أبيه ، عن خالد بن معدان ،  عن أبي أمامة ،  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من عبد يدخل الجنة إلا ويزوج ثنتين وسبعين زوجة; ثنتين من الحور العين ، وسبعين من أهل ميراثه من أهل الدنيا ، ليس فيهن امرأة إلا ولها قبل شهي ، وله ذكر لا ينثني   " . وهذا حديث غريب جدا ، والمحفوظ ما تقدم خلافه ، وهو اثنتان من بنات آدم ، وسبعون من الحور العين . فالله أعلم . 
وخالد بن يزيد بن أبي مالك  هذا تكلم فيه الإمام أحمد   ويحيى بن معين  وغيرهما ، وضعفوه ، ومثله قد يغلط ولا يتقن . 
وروى أحمد   والترمذي  وصححه ،  وابن ماجه ،  من حديث بحير بن سعد  ، عن خالد بن معدان ،  عن المقداد بن معديكرب ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن للشهيد عند الله لست خصال    ; يغفر له عند أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويحلى حلة الإيمان ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع   [ ص: 341 ] الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه   " . 
فأما الحديث الذي رواه مسلم  في " صحيحه " : حدثني  عمرو الناقد ،   ويعقوب بن إبراهيم الدورقي  جميعا ، عن  ابن علية ،  واللفظ ليعقوب ،  قال : حدثنا  ابن علية ،  حدثنا أيوب ،  عن محمد  قال : إما تفاخروا ، وإما تذاكروا : الرجال أكثر في الجنة أم النساء ؟ فقال  أبو هريرة    : أولم يقل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والتي تليها على أضوأ كوكب دري في السماء ، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان ، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم ، وما في الجنة أعزب   " . 
وفي " الصحيحين " من رواية همام  ، عن  أبي هريرة  نحوه ، فالمراد من هذا أن هاتين من بنات آدم ، وله غيرهما من الحور العين ما شاء الله ، عز وجل ، كما تقدم تفصيل ذلك آنفا . والله أعلم . 
وهذه الأحاديث لا تعارض ما ثبت في " الصحيحين " : " واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء " إذ قد يكن أكثر أهل الجنة ، وأكثر أهل النار ، أو قد يكن أكثر أهل النار ثم يخرج من يخرج منهن من النار بالشفاعات ، فيصرن إلى الجنة ، حتى يكن أكثر أهلها   . والله أعلم . 
 [ ص: 342 ] وتقدم ما رواه أحمد  ، من طريق خلاس ،  عن أبي رافع ،  عن  أبي هريرة ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " للمؤمن زوجتان ، يرى مخ سوقهما من وراء ثيابهما   " . 
وفي حديث دراج  ، عن أبي الهيثم ،  عن أبي سعيد  مرفوعا : " إن الرجل في الجنة ليتكئ سبعين سنة قبل أن يتحول ، ثم تأتيه امرأة فتضرب على منكبيه ، فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة ، وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب ، فتسلم عليه ، فيرد السلام ويسألها : من أنت ؟ فتقول : أنا المزيد . وإنه ليكون عليها سبعون ثوبا أدناها مثل النعمان من طوبى ، فينفذها بصره ، حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك   " . ورواه أحمد  في " المسند " . 
وقال الإمام أحمد    : حدثنا أبو النضر ،  حدثنا محمد بن طلحة ،  عن حميد  ، عن أنس  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ، ولقاب قوس أحدكم ، أو موضع قده - يعني سوطه - من الجنة خير من الدنيا وما فيها ، ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا ، ولطاب ما بينهما ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها   " . 
 [ ص: 343 ] ورواه  البخاري  من حديث إسماعيل بن جعفر ،  وأبي إسحاق ،  كلاهما عن حميد ،  عن أنس  ، بمثله . وقد تقدم بتمامه في أول صفة الجنة ، وعند  البخاري    : " ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما ، ولملأت ما بينهما ريحا ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها   " . 
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا    : حدثنا  بشر بن الوليد ،  حدثنا سعيد بن زربي ،  عن  عبد الملك الجوني ،  عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس  قال : لو أن حوراء أخرجت كفها بين السماء والأرض لافتتن الخلائق بحسنها  ، ولو أخرجت نصيفها لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيلة في الشمس لا ضوء لها ، ولو أخرجت وجهها لأضاء حسنها ما بين السماء والأرض   . 
وذكر ابن وهب  ، عن  محمد بن كعب القرظي ،  أنه قال : والله الذي لا إله إلا هو لو أن امرأة من الحور العين أطلعت سوارها من العرش لأطفأ نور سوارها نور الشمس والقمر ، فكيف المسورة ؟ وإن أخلق ثوب تلبسه لخير من الدنيا وما فيها ، وإن زوجها عليه مثل ما عليها من ثياب وحلي   . وقال  أبو هريرة    : إن في الجنة حوراء يقال لها : العيناء . إذا مشت مشى حولها سبعون ألف وصيف ، وهي تقول : أين الآمرون بالمعروف ، والناهون عن المنكر   . أوردهما القرطبي    . 
 [ ص: 344 ] وقال  الطبراني    : حدثنا أحمد بن رشدين ،  حدثنا علي بن الحسن بن هارون الأنصاري ،  حدثني الليث ابن بنت الليث بن أبي سليم  ، حدثتني عائشة بنت يونس امرأة الليث بن أبي سليم  ، عن ليث بن أبي سليم  ، عن مجاهد  ، عن أبي أمامة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خلق الحور العين من الزعفران   " . وهذا حديث غريب . 
وقد روي مثل هذا عن ابن عباس  وغيره من الصحابة والتابعين من قولهم . وفي مراسيل عكرمة    : إن الحور العين ليدعون لأزواجهن وهم في الدنيا ، يقلن : اللهم أعنه على دينك ، وأقبل بقلبه على طاعتك ، وبلغه إلينا بعزتك ، يا أرحم الراحمين   " . 
وفي " مسند الإمام أحمد    " من حديث كثير بن مرة  عن معاذ  مرفوعا : " لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين : لا تؤذيه قاتلك الله ، فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا   " . 
 [ ص: 345 ] ورواه ابن أبي الدنيا ،  عن  داود بن عمرو الضبي ،  عن إسماعيل بن عياش ،  عن بحير بن سعد ،  عن خالد بن معدان ،  عن كثير بن مرة ،  عن معاذ بن جبل ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر الحديث . وفي " معجم  الطبراني    " من طريق موسى الصغير  عن عبد الرحمن بن سابط  ، عن سعيد بن عامر بن حذيم  أنه تصدق بعشرة آلاف درهم في يوم ، فعاتبته امرأته في ذلك ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :   " لو أن حوراء أطلعت أصبعا من أصابعها لوجد ريحها كل ذي ريح " . ثم قال : فأنا أدعهن لكن ؟ ! لا والله ، لأنتن أحق أن أدعكن لهن   . 
ومن حديث مالك بن دينار  ، عن شهر  ، عن سعيد بن عامر ،  مرفوعا : " لو أن امرأة من نساء أهل الجنة أشرفت على أهل الأرض لملأت الأرض روح مسك ، ولأذهبت ضوء الشمس والقمر   " . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					