[ ص: 553 ] غزوة بني لحيان   التي صلى فيها صلاة الخوف بعسفان  
هاهنا ذكرها  البيهقي  في " الدلائل " ، وإنما ذكرها ابن إسحاق  فيما رأيته ، من طريق ابن هشام  ، عن زياد  عنه ، في جمادى الأولى من سنة ست من الهجرة بعد الخندق وبني قريظة  وهو أشبه مما ذكره  البيهقي    . والله أعلم . 
وقال الحافظ  البيهقي    : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ  ، حدثنا أبو العباس الأصم  ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار  ، قال : حدثنا  يونس بن بكير  ، عن ابن إسحاق  ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم  وغيره ، قالوا : لما أصيب خبيب  وأصحابه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم طالبا بدمائهم ; ليصيب من بني لحيان  غرة ، فسلك طريق الشام ;  ليري أنه لا يريد بني لحيان  حتى نزل   [ ص: 554 ] بأرضهم ، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أنا هبطنا عسفان  لرأت قريش  أنا قد جئنا مكة    . فخرج في مائتي راكب حتى نزل عسفان  ثم بعث فارسين حتى جاءا كراع الغميم ، ثم انصرفا ، فذكر أبو عياش الزرقي  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بعسفان صلاة الخوف . 
وقد قال الإمام أحمد    : حدثنا عبد الرزاق  ، حدثنا الثوري  ، عن منصور  ، عن مجاهد  ، عن أبي عياش  قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان  فاستقبلنا المشركون ، عليهم خالد بن الوليد  وهم بيننا وبين القبلة ، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ، فقالوا : قد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم . ثم قالوا : تأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم . قال : فنزل جبريل  بهذه الآيات بين الظهر والعصر : وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة    [ النساء : 102 ] قال : فحضرت ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا السلاح ، فصففنا خلفه صفين ، ثم ركع ، فركعنا جميعا ، ثم رفع فرفعنا جميعا ، ثم سجد بالصف الذي يليه ، والآخرون قيام يحرسونهم ، فلما سجدوا وقاموا جلس الآخرون فسجدوا في مكانهم ، ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ، وجاء هؤلاء إلى مصاف هؤلاء . قال : ثم ركع فركعوا   [ ص: 555 ] جميعا ، ثم رفع فرفعوا جميعا ، ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم ، فلما جلسوا جلس الآخرون ، فسجدوا ; ثم سلم عليهم ، ثم انصرف . قال : فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين ; مرة بعسفان  ومرة بأرض بني سليم  ثم رواه أحمد  ، عن غندر  ، عن شعبة  ، عن منصور  به نحوه . وقد رواه أبو داود  ، عن  سعيد بن منصور  ، عن جرير بن عبد الحميد    .  والنسائي  ، عن الفلاس  ، عن عبد العزيز بن عبد الصمد  ، وعن  محمد بن المثنى  ،  وبندار  ، عن غندر  ، عن شعبة  ثلاثتهم عن منصور  به . وهذا إسناد على شرط " الصحيحين " ولم يخرجه واحد منهما ، لكن روى مسلم  من طريق أبي خيثمة زهير بن معاوية  ، عن  أبي الزبير  ، عن جابر  قال : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما من جهينة  ، فقاتلوا قتالا شديدا ، فلما أن صلى الظهر قال المشركون : لو ملنا عليهم ميلة لاقتطعناهم . فأخبر جبريل  رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، وذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وقالوا : إنه ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولاد فذكر الحديث كنحو ما تقدم . 
وقال  أبو داود الطيالسي    : حدثنا هشام  ، عن  أبي الزبير  ، عن جابر بن   [ ص: 556 ] عبد الله  قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه الظهر بنخل ، فهم به المشركون ، ثم قالوا : دعوهم ; فإن لهم صلاة بعد هذه الصلاة هي أحب إليهم من أبنائهم . قال : فنزل جبريل  على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فصلى بأصحابه العصر ، فصفهم صفين ; رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيديهم ، والعدو بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكبر وكبروا جميعا ، وركعوا جميعا ، ثم سجد الذين يلونه والآخرون قيام ، فلما رفعوا رءوسهم سجد الآخرون . ثم تقدم هؤلاء وتأخر هؤلاء ، فكبروا جميعا ، وركعوا جميعا ، ثم سجد الذين يلونه والآخرون قيام ، فلما رفعوا رءوسهم سجد الآخرون . وقد استشهد  البخاري  في " صحيحه " برواية هشام  هذه ، عن  أبي الزبير  ، عن جابر    . 
وقال الإمام أحمد    : حدثنا عبد الصمد  ، حدثنا سعيد بن عبيد الهنائي  ، حدثنا عبد الله بن شقيق  ، حدثنا  أبو هريرة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بين ضجنان  وعسفان  فقال المشركون : إن لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم - وهي العصر - فاجمعوا أمركم ، فميلوا عليهم ميلة واحدة . وإن   [ ص: 557 ] جبريل  أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمره أن يقسم أصحابه شطرين ، فيصلي ببعضهم ، وتقوم الطائفة الأخرى وراءهم وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ، ثم تأتي الأخرى فيصلون معه ، ويأخذ هؤلاء حذرهم وأسلحتهم ; ليكون لهم ركعة ركعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان . ورواه الترمذي   والنسائي  من حديث عبد الصمد  به . وقال الترمذي    : حسن صحيح . 
قلت : إن كان  أبو هريرة  شهد هذا ، فهو بعد خيبر  وإلا فهو من مرسلات الصحابي ، ولا يضر ذلك عند الجمهور . والله أعلم . ولم يذكر في سياق حديث جابر  عند مسلم  ولا عند  أبي داود الطيالسي  أمر عسفان  ولا خالد بن الوليد  ، لكن الظاهر أنها واحدة . بقي الشأن في أن غزوة عسفان  قبل الخندق أو بعدها ، فإن من العلماء - منهم  الشافعي -  من يزعم أن صلاة الخوف إنما شرعت بعد يوم الخندق ; فإنهم أخروا الصلاة يومئذ عن ميقاتها لعذر القتال ، ولو كانت صلاة الخوف مشروعة إذ ذاك ، لفعلوها ولم يؤخروها ، ولهذا قال بعض أهل المغازي : إن غزوة بني لحيان  التي صلى فيها   [ ص: 558 ] صلاة الخوف بعسفان  كانت بعد بني قريظة    . 
وقد ذكر الواقدي  بإسناده ، عن خالد بن الوليد  قال : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية  لقيته بعسفان  فوقفت بإزائه وتعرضت له ، فصلى بأصحابه الظهر أمامنا فهممنا أن نغير عليه ، ثم لم يعزم لنا ، فأطلعه الله على ما في أنفسنا من الهم به ، فصلى بأصحابه صلاة العصر صلاة الخوف   . 
قلت : وعمرة الحديبية  كانت في ذي القعدة سنة ست بعد الخندق وبني قريظة  كما سيأتي . وفي سياق حديث أبي عياش الزرقي  ما يقتضي أن آية صلاة الخوف نزلت في هذه الغزوة يوم عسفان  فاقتضى ذلك أنها أول صلاة خوف صلاها . والله أعلم . 
وسنذكر ، إن شاء الله تعالى ، كيفية صلاة الخوف واختلاف الروايات فيها في كتاب الأحكام الكبير إن شاء الله ، وبه الثقة ، وعليه التكلان . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					