[ ص: 569 ] قصة جمل جابر  في هذه الغزوة  
قال محمد بن إسحاق    : حدثني  وهب بن كيسان  ، عن  جابر بن عبد الله  قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة ذات الرقاع  من نخل ، على جمل لي ضعيف ، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت الرفاق تمضي ، وجعلت أتخلف حتى أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما لك يا جابر ؟  قلت : يا رسول الله ، أبطأ بي جملي هذا . قال : أنخه . قال : فأنخته وأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : أعطني هذه العصا من يدك أو : اقطع عصا من شجرة . ففعلت فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخسه بها نخسات ، ثم قال : اركب . فركبت فخرج - والذي بعثه بالحق - يواهق ناقته مواهقة . قال : وتحدثت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : أتبيعني جملك هذا يا جابر ؟  قال : قلت : بل أهبه لك . قال : لا ، ولكن بعنيه . قال : قلت : فسمنيه . قال : قد أخذته بدرهم . قال : قلت : لا ، إذا تغبنني يا رسول الله . قال :   [ ص: 570 ] فبدرهمين . قال : قلت : لا . قال : فلم يزل يرفع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى بلغ الأوقية . قال : فقلت : أفقد رضيت يا رسول الله ؟ قال : نعم . قلت : فهو لك . قال : قد أخذته . ثم قال : يا جابر  هل تزوجت بعد ؟ قال : قلت : نعم يا رسول الله . قال : أثيبا أم بكرا ؟ قال : قلت : بل ثيبا . قال : أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك ؟ قال : قلت : يا رسول الله ، إن أبي أصيب يوم أحد  وترك بنات له سبعا ، فنكحت امرأة جامعة ، تجمع رءوسهن فتقوم عليهن . قال : أصبت إن شاء الله ، أما إنا لو قد جئنا صرارا ، أمرنا بجزور فنحرت فأقمنا عليها يومنا ذلك ، وسمعت بنا فنفضت نمارقها . قال : فقلت : والله يا رسول الله ، ما لنا من نمارق . قال : إنها ستكون ، فإذا أنت قدمت فاعمل عملا كيسا . قال : فلما جئنا صرارا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجزور فنحرت ، فأقمنا عليها ذلك اليوم ، فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل ودخلنا . قال : فحدثت المرأة الحديث ، وما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : فدونك ، فسمع وطاعة . فلما أصبحت أخذت برأس الجمل ، فأقبلت به حتى أنخته على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جلست في المسجد قريبا منه . قال : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأى الجمل ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : يا رسول الله ، هذا جمل جاء به جابر    . قال : فأين جابر ؟  فدعيت له . قال : فقال : يا ابن أخي ، خذ برأس جملك ، فهو لك . قال : ودعا بلالا ، فقال : اذهب   [ ص: 571 ] بجابر  فأعطه أوقية قال : فذهبت معه ، فأعطاني أوقية ، وزادني شيئا يسيرا . قال : فوالله ما زال ينمي عندي ويرى مكانه من بيتنا ، حتى أصيب أمس فيما أصيب لنا . يعني يوم الحرة . وقد أخرجه صاحبا الصحيح من حديث  عبيد الله بن عمر العمري  ، عن  وهب بن كيسان  ، عن جابر  بنحوه . 
قال السهيلي    : في هذا الحديث إشارة إلى ما كان أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم  جابر بن عبد الله  أن الله أحيا والده وكلمه ، فقال له : تمن علي . وذلك أنه شهيد ، وقد قال الله تعالى : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم  وزادهم على ذلك في قوله : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة  ثم جمع لهم بين العوض والمعوض ، فرد عليهم أرواحهم التي اشتراها منهم ، فقال : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون  والروح للإنسان بمنزلة المطية ، كما قال ذلك عمر بن عبد العزيز  قال : فلذلك اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من جابر  جمله وهو مطيته فأعطاه ثمنه ، ثم رده عليه ، وزاده مع ذلك . قال : ففيه تحقيق لما كان أخبره   [ ص: 572 ] به ، عن أبيه . وهذا الذي سلكه السهيلي  هاهنا إشارة غريبة وتخيل بديع . والله سبحانه وتعالى أعلم . 
وقد ترجم الحافظ  البيهقي  في كتابه " دلائل النبوة " على هذا الحديث في هذه الغزوة فقال : باب ما ظهر في غزاته هذه من بركاته وآياته في جمل  جابر بن عبد الله  رضي الله عنه . 
وهذا الحديث له طرق عن جابر  وألفاظ كثيرة ، وفيه اختلاف كثير في كمية ثمن الجمل وكيفية ما اشترط في البيع . وتحرير ذلك واستقصاؤه لائق بكتاب البيع من " الأحكام " . والله أعلم . وقد جاء تقييده بهذه الغزوة ، وجاء تقييده بغيرها ، كما سيأتي ، ومستبعد تعداد ذلك . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					