[ ص: 324 ] ذكر قصة الشاة المسمومة  ، وما كان من البرهان الذي ظهر عندها 
قال  البخاري    : رواه عروة ،  عن عائشة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم . ثم قال : حدثنا عبد الله بن يوسف ،  ثنا الليث ،  حدثني سعيد ،  عن  أبي هريرة  قال : لما فتحت خيبر  أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم   . هكذا أورده هاهنا مختصرا . 
وقد قال  الإمام أحمد :  حدثنا حجاج ،  ثنا ليث ،  عن سعيد بن أبي سعيد ،  عن  أبي هريرة  قال : لما فتحت خيبر  أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود    " . فجمعوا له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني سائلكم عن شيء ، فهل أنتم صادقي عنه ؟ " قالوا : نعم يا أبا القاسم    . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أبوكم ؟ قالوا : أبونا فلان . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كذبتم ، بل أبوكم فلان " . قالوا :   [ ص: 325 ] صدقت وبررت . فقال : " هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ " قالوا : نعم يا أبا القاسم ،  وإن كذبناك عرفت كذبنا ، كما عرفته في أبينا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أهل النار ؟ " فقالوا : نكون فيها يسيرا ، ثم تخلفونا فيها . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والله لا نخلفكم فيها أبدا " . ثم قال لهم : " هل أنتم صادقي عن شيء سألتكم ؟ " فقالوا : نعم يا أبا القاسم    . فقال : " هل جعلتم في هذه الشاة سما ؟ " فقالوا : نعم . قال : " ما حملكم على ذلك ؟ " . قالوا : أردنا إن كنت كاذبا أن نستريح منك ، وإن كنت نبيا لم يضرك   . 
وقد رواه  البخاري  في الجزية ، عن عبد الله بن يوسف ،  وفي المغازي أيضا ، عن قتيبة  كلاهما عن الليث ،  به . 
وقال  البيهقي    : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ،  أنبأنا أبو العباس الأصم ،  حدثنا سعيد بن سليمان ،  ثنا عباد بن العوام ،  عن سفيان بن حسين ،  عن الزهري ،  عن  سعيد بن المسيب ،   وأبي سلمة بن عبد الرحمن ،  عن  أبي هريرة   [ ص: 326 ] أن امرأة من اليهود  أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة ، فقال لأصحابه : " أمسكوا ، فإنها مسمومة " وقال لها : ما حملك على ما صنعت ؟ قالت : أردت أن أعلم ، إن كنت نبيا فسيطلعك الله عليه ، وإن كنت كاذبا أريح الناس منك . قال : فما عرض لها رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود ،  عن هارون بن عبد الله ،  عن سعيد بن سليمان ،  به . ثم روى  البيهقي ،  عن طريق عبد الملك بن أبي نضرة ،  عن أبيه ، عن  جابر بن عبد الله  نحو ذلك . 
وقال  الإمام أحمد :  حدثنا سريج ،  ثنا عباد ،  عن هلال - هو ابن خباب ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس  أن امرأة من اليهود  أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة ، فأرسل إليها فقال : " ما حملك على ما صنعت ؟ " قالت : أحببت - أو أردت - إن كنت نبيا فإن الله سيطلعك عليه ، وإن لم تكن نبيا أريح الناس منك . قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد من ذلك شيئا احتجم . قال : فسافر مرة ، فلما أحرم وجد من ذلك شيئا فاحتجم تفرد به أحمد ،  وإسناده حسن . 
وفي " الصحيحين " من حديث شعبة ،  عن هشام بن زيد ،  عن أنس بن مالك  أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة ، فأكل منها ، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألها عن ذلك ، قالت : أردت لأقتلك . فقال : " ما   [ ص: 327 ] كان الله ليسلطك علي " . أو قال : " على ذلك " . قالوا : ألا نقتلها ؟ قال : " لا " قال : أنس  فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم   . 
وقال أبو داود    : حدثنا سليمان بن داود المهري ،  ثنا ابن وهب ،  أخبرني يونس ،  عن ابن شهاب    : قال كان  جابر بن عبد الله  يحدث أن يهودية من أهل خيبر  سمت شاة مصلية ، ثم أهدتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع ، فأكل منها ، وأكل رهط من أصحابه معه ، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ارفعوا أيديكم " . وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة ، فدعاها فقال لها : " أسممت هذه الشاة ؟ " قالت اليهودية : من أخبرك ؟ قال : " أخبرتني هذه التي في يدي " . وهي الذراع . قالت : نعم . قال : " فما أردت بذلك ؟ " قالت : قلت : إن كنت نبيا فلن تضرك ، وإن لم تكن نبيا استرحنا منك . فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يعاقبها ، وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة ، واحتجم النبي صلى الله عليه وسلم على كاهله ، من أجل الذي   [ ص: 328 ] أكل من الشاة ، حجمه أبو هند  بالقرن ، والشفرة وهو مولى لبني بياضة  من الأنصار    . 
ثم قال أبو داود    : حدثنا وهب بن بقية ،  ثنا خالد ،  عن محمد بن عمرو ،  عن أبي سلمة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية بخيبر  شاة مصلية ، نحو حديث جابر ،  قال : فمات  بشر بن البراء بن معرور ،  فأرسل إلى اليهودية ، فقال : " ما حملك على الذي صنعت ؟   " فذكر نحو حديث جابر ،  فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت . ولم يذكر أمر الحجامة . 
قال  البيهقي    : ورويناه من حديث حماد بن سلمة ،  عن محمد بن عمرو ،  عن أبي سلمة ،  عن  أبي هريرة  قال : ويحتمل أنه لم يقتلها في الابتداء ، ثم لما مات  بشر بن البراء  أمر بقتلها . 
وروى  البيهقي  من حديث عبد الرزاق ،  عن معمر ،  عن الزهري ،  عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ،  أن امرأة يهودية أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مصلية بخيبر ،  فقال : " ما هذه ؟ " قالت : هدية . وحذرت أن تقول : صدقة . فلا يأكل . قال : فأكل وأصحابه ، ثم قال : " أمسكوا " . ثم قال   [ ص: 329 ] للمرأة : " هل سممت هذه الشاة ؟ " قالت : من أخبرك هذا ؟ قال : " هذا العظم " . لساقها ، وهو في يده . قالت : نعم . قال : " لم ؟ " قالت : أردت إن كنت كاذبا أن نستريح منك ، وإن كنت نبيا لم يضرك . قال : فاحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الكاهل ، وأمر أصحابه فاحتجموا ، ومات بعضهم   . قال الزهري    : فأسلمت ، فتركها النبي صلى الله عليه وسلم . قال  البيهقي    : هذا مرسل ، ولعله قد يكون عبد الرحمن  حمله عن  جابر بن عبد الله ،  رضي الله عنه . 
وذكر ابن لهيعة ،  عن أبي الأسود ،  عن عروة ،  وكذلك  موسى بن عقبة  ، عن الزهري  قالوا : لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ،  وقتل منهم من قتل ، أهدت زينب بنت الحارث اليهودية - وهي ابنة أخي مرحب    -  لصفية  شاة مصلية وسمتها ، وأكثرت في الكتف والذراع ، لأنه بلغها أنه أحب أعضاء الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية ،  ومعه  بشر بن البراء بن معرور ،  وهو أحد بني سلمة ،  فقدمت إليهم الشاة المصلية ، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف ، وانتهش منها ، وتناول بشر  عظما فانتهش منه ، فلما استرط رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمته ، استرط  بشر بن البراء  ما في فيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ارفعوا أيديكم ، فإن كتف هذه الشاة يخبرني أني نعيت فيها " .   [ ص: 330 ] فقال  بشر بن البراء    : والذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت ، فما منعني أن ألفظها إلا أني أعظمتك أن أنغصك طعامك ، فلما أسغت ما في فيك ، لم أرغب بنفسي عن نفسك ، ورجوت أن لا تكون استرطتها وفيها نعي . فلم يقم بشر  من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان ، وماطله وجعه ، حتى كان لا يتحول حتى يحول قال الزهري    : قال جابر    : واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ، حجمه مولى بني بياضة  بالقرن والشفرة ، وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده ثلاث سنين ، حتى كان وجعه الذي توفي فيه ، فقال : " ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر  عدادا ، حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري   " . فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا . 
وقال محمد بن إسحاق    : فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث  امرأة سلام بن مشكم  شاة مصلية ، وقد سألت : أي عضو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل لها : الذراع ، فأكثرت فيها من السم ، ثم سمت سائر الشاة ، ثم جاءت بها ، فلما وضعتها بين يديه ، تناول الذراع ، فلاك   [ ص: 331 ] منها مضغة فلم يسغها ، ومعه  بشر بن البراء بن معرور ،  قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما بشر فأساغها ، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها ، ثم قال : " إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم " . ثم دعا بها ، فاعترفت ، فقال : " ما حملك على ذلك ؟ " قالت : بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقلت : إن كان كذابا استرحت منه ، وإن كان نبيا فسيخبر قال : فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومات بشر  من أكلته التي أكل   . 
قال ابن إسحاق :  وحدثني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى  قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في مرضه الذي توفي فيه - ودخلت عليه أم بشر بن البراء بن معرور    - : " يا أم بشر ،  إن هذا الأوان وجدت انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر    " . قال ابن هشام :  الأبهر : العرق المعلق بالقلب . قال : فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيدا ، مع ما أكرمه الله به من النبوة . 
وقال  الحافظ أبو بكر البزار    : حدثنا هلال بن بشر وسليمان بن سيف   [ ص: 332 ] الحراني  قالا : ثنا أبو عتاب سهل بن حماد ،  ثنا عبد الملك بن أبي نضرة ،  عن أبيه ، عن  أبي سعيد الخدري    : أن يهودية أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة سميطا ، فلما بسط القوم أيديهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمسكوا فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة " . فأرسل إلى صاحبتها : " أسممت طعامك ؟ " قالت : نعم . قال : " ما حملك على ذلك ؟ " قالت : إن كنت كاذبا أن أريح الناس منك ، وإن كنت صادقا علمت أن الله سيطلعك عليه . فبسط يده وقال : " كلوا بسم الله " . قال : فأكلنا وذكرنا اسم الله ، فلم يضر أحد منا ثم قال : لا يروى عن عبد الملك بن أبي نضرة  إلا من هذا الوجه . 
قلت : وفيه نكارة وغرابة شديدة . والله أعلم . 
وذكر الواقدي  أن عيينة بن حصن  قبل أن يسلم رأى في منامه رؤيا ورسول الله صلى الله عليه وسلم محاصر خيبر  ، فطمع من رؤياه أن يقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيظفر به ، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر  وجده قد افتتحها ، فقال : يا محمد ،  أعطني ما غنمت من حلفائي - يعني أهل خيبر    - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كذبت رؤياك   " . وأخبره بما رأى ، فرجع عيينة ،  فلقيه الحارث بن عوف  فقال : ألم أقل إنك توضع في غير شيء ؟! والله ليظهرن محمد  على ما   [ ص: 333 ] بين المشرق والمغرب ، وإن يهود كانوا يخبروننا بهذا ، أشهد لسمعت أبا رافع سلام بن أبي الحقيق  يقول : إنا لنحسد محمدا  على النبوة حيث خرجت من بني هارون ،  إنه لمرسل ، ويهود  لا تطاوعني على هذا ، ولنا منه ذبحان ، واحد بيثرب ،  وآخر بخيبر ،  قال الحارث    : قلت لسلام    : يملك الأرض ؟! قال : نعم والتوراة التي أنزلت على موسى  ، وما أحب أن تعلم يهود  بقولي فيه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					