فصل معاملة النبي يهود خيبر  
ثبت في " الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما افتتح خيبر  ، عامل   [ ص: 354 ] يهودها عليها على شطر ما يخرج منها من تمر أو زرع   . وقد ورد في بعض ألفاظ هذا الحديث : على أن يعملوها من أموالهم . وفي بعضها : وقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : " نقركم فيها ما شئنا " . 
وفي " السير " أنه كان يبعث عليهم عبد الله بن رواحة ،  يخرصها عليهم عند استواء ثمارها ، ثم يضمنهم إياه ، فلما قتل عبد الله بن رواحة  بمؤتة ،  بعث جبار بن صخر ،  كما تقدم . وموضع تحرير ألفاظه وبيان طرقه كتاب المزارعة من كتاب " الأحكام الكبير " إن شاء الله وبه الثقة . 
وقال محمد بن إسحاق    : سألت ابن شهاب    : كيف كان إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود خيبر  نخلهم ؟ فأخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر  عنوة بعد القتال ، وكانت خيبر  مما أفاء الله عليه ، خمسها وقسمها بين المسلمين ، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال ، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال ، على أن تعملوها وتكون ثمارها بيننا وبينكم ، فأقركم ما أقركم الله " . فقبلوا وكانوا على ذلك يعملونها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة  فيقسم ثمرها ، ويعدل عليهم في الخرص ، فلما توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، أقرها   [ ص: 355 ] أبو بكر  بأيديهم ، على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي ، ثم أقرهم عمر بن الخطاب  صدرا من إمارته ، ثم بلغ عمر  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في وجعه الذي قبضه الله فيه : " لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان " ففحص عمر  عن ذلك حتى بلغه الثبت ، فأرسل إلى يهود  فقال : إن الله أذن لي في إجلائكم ، وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يجتمعن في جزيرة العرب دينان " فمن كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فليأتني به أنفذه له ، ومن لم يكن عنده عهد فليتجهز للجلاء . فأجلى عمر  من لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
قلت : قد ادعى يهود خيبر  في أزمان متأخرة بعد الثلاثمائة ، أن بأيديهم كتابا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيه أنه وضع الجزية عنهم ، وقد اغتر بهذا الكتاب بعض العلماء ، حتى قال بإسقاط الجزية عنهم ، من الشافعية الشيخ أبو علي خيرون ،  وهو كتاب مزور مكذوب مفتعل لا أصل له ، وقد بينت بطلانه من وجوه عديدة في كتاب مفرد ، وقد تعرض لذكره وإبطاله جماعة من الأصحاب في كتبهم ، كابن الصباغ  في " شامله " ، والشيخ أبي حامد  في " تعليقته " وصنف فيه ابن المسلمة  جزءا منفردا للرد عليه وقد تحركوا به بعد السبعمائة ، وأظهروا كتابا فيه نسخة ما ذكره الأصحاب في كتبهم ، وقد وقفت عليه ، فإذا هو مكذوب ، فإن فيه شهادة  سعد بن معاذ ،  ، وقد كان مات   [ ص: 256 ] قبل زمن خيبر  وفيه شهادة  معاوية بن أبي سفيان ،  ولم يكن أسلم يومئذ ، وفي آخره : وكتبه علي بن أبي طالب  وهذا لحن وخطأ ، وفيه وضع الجزية ، ولم تكن شرعت بعد ، فإنها إنما شرعت أول ما شرعت وأخذت من أهل نجران  وذكروا أنهم وفدوا في حدود سنة تسع . والله أعلم . 
ثم قال ابن إسحاق :  وحدثني  نافع مولى عبد الله بن عمر  عن ابن عمر  قال : خرجت أنا  والزبير بن العوام ،   والمقداد بن الأسود  إلى أموالنا بخيبر  نتعاهدها ، فلما قدمنا تفرقنا في أموالنا . قال : فعدي علي تحت الليل وأنا نائم على فراشي ففدعت يداي من مرفقي ، فلما استصرخت على صاحبي ، فأتياني فسألاني : من صنع هذا بك ؟ فقلت : لا أدري . فأصلحا من يدي ، ثم قدما بي على عمر ،  فقال : هذا عمل يهود    . ثم قام في الناس خطيبا فقال : أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر  على أنا نخرجهم إذا شئنا ، وقد عدوا على عبد الله بن عمر ،  ففدعوا يديه كما بلغكم ، مع عدوتهم على الأنصاري قبله ، لا نشك أنهم كانوا أصحابه ، ليس لنا هناك عدو غيرهم ، فمن كان له مال من خيبر  فليلحق به ، فإني مخرج يهود    . فأخرجهم . 
قلت : كان لعمر بن الخطاب  سهمه الذي بخيبر ،  وقد كان وقفه في سبيل الله ، وشرط في الوقف ما أشار به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما هو ثابت في " الصحيحين " وشرط أن يكون النظر فيه للأرشد فالأرشد من بناته وبنيه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					