[ ص: 495 ] غزوة ذات السلاسل  
ذكرها الحافظ  البيهقي  هاهنا قبل غزوة الفتح ، فساق من طريق  موسى بن عقبة   وعروة بن الزبير  قالا : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص  إلى ذات السلاسل من مشارف الشام  في بلي ، وعبد الله ومن يليهم من قضاعة    - قال عروة بن الزبير :  بنو بلي أخوال العاص بن وائل    - فلما صار إلى هناك خاف من كثرة عدوه ، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده ، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين الأولين ، فانتدب أبو بكر  وعمر  في جماعة من سراة المهاجرين ، رضي الله عنهم أجمعين ، وأمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  أبا عبيدة بن الجراح    . قال  موسى بن عقبة :  فلما قدموا على عمرو  قال : أنا أميركم ، وأنا أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أستمده بكم . فقال المهاجرون : بل أنت أمير أصحابك ، وأبو عبيدة  أمير المهاجرين . فقال عمرو    : إنما أنتم مدد أمددته . فلما رأى ذلك أبو عبيدة ،  وكان رجلا حسن الخلق لين الشيمة ، قال : تعلم يا عمرو  أن آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال : إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا وإنك إن عصيتني لأطيعنك .   [ ص: 496 ] فسلم أبو عبيدة  الإمارة  لعمرو بن العاص    . 
وقال محمد بن إسحاق    : حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي  قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص  يستنفر العرب إلى الإسلام ، وذلك أن أم العاص بن وائل  كانت من بني بلي ،  فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم يستألفهم بذلك ، حتى إذا كان على ماء بأرض جذام يقال له : السلاسل . وبه سميت تلك الغزوة ذات السلاسل . قال : فلما كان عليه وخاف ، بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده ، فبعث إليه  أبا عبيدة بن الجراح  في المهاجرين الأولين ، فيهم أبو بكر  وعمر ،  وقال لأبي عبيدة  حين وجهه : " لا تختلفا   " . فخرج أبو عبيدة ،  حتى إذا قدم عليه قال له عمرو    : إنما جئت مددا إلي . فقال له أبو عبيدة    : لا ، ولكني على ما أنا عليه ، وأنت على ما أنت عليه . وكان أبو عبيدة  رجلا لينا سهلا ، هينا عليه أمر الدنيا ، فقال له عمرو :  أنت مددي . فقال له أبو عبيدة    : يا عمرو ،  إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لي : " لا تختلفا   " . وإنك إن عصيتني أطعتك . فقال له عمرو    : فإني أمير عليك ، وإنما أنت مدد لي قال : فدونك . فصلى عمرو بن العاص  بالناس . 
وقال الواقدي    : حدثني ربيعة بن عثمان ،  عن يزيد بن رومان ،  أن أبا عبيدة  لما آب إلى عمرو بن العاص ،  فصاروا خمسمائة ، فساروا الليل والنهار   [ ص: 497 ] حتى وطئ بلاد بلي  ودوخها ، وكلما انتهى إلى موضع بلغه أنه قد كان بهذا الموضع جمع ، فلما سمعوا بك تفرقوا ، حتى انتهى إلى أقصى بلاد بلي  وعذرة  وبلقين ،  ولقي في آخر ذلك جمعا ليس بالكثير ، فاقتتلوا ساعة ، وتراموا بالنبل ، ورمي يومئذ عامر بن ربيعة  وأصيب ذراعه ، وحمل المسلمون عليهم فهربوا ، وأعجزوا هربا في البلاد وتفرقوا ، ودوخ عمرو  ما هناك ، وأقام أياما لا يسمع لهم بجمع ولا مكان صاروا فيه ، وكان يبعث أصحاب الخيل فيأتون بالشاء والنعم ، فكانوا ينحرون ويذبحون ، ولم يكن في ذلك أكثر من ذلك ، ولم تكن غنائم تقسم . 
وقال أبو داود    : ثنا  ابن المثنى ،  ثنا  وهب بن جرير ،  ثنا أبي ، سمعت يحيى بن أيوب  يحدث عن يزيد بن أبي حبيب ،  عن عمران بن أبي أنس ،  عن عبد الرحمن بن جبير ،  عن عمرو بن العاص ،  قال : احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل ، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك . قال : فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا عمرو ، صليت بأصحابك وأنت جنب ؟ " قال : فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت : إني سمعت الله يقول : ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما   [ ص: 498 ]   ( النساء : 29 ) فضحك نبي الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا   . 
حدثنا  محمد بن سلمة ،  ثنا ابن وهب ،  ثنا ابن لهيعة   وعمرو بن الحارث ،  عن يزيد بن أبي حبيب ،  عن عمران بن أبي أنس ،  عن عبد الرحمن بن جبير ،  عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص ،  أن عمرو بن العاص  كان على سرية . فذكر الحديث بنحوه ، قال : فغسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة ، ثم صلى بهم . فذكر نحوه ، ولم يذكر التيمم . قال أبو داود    : وروى هذه القصة عن الأوزاعي ،  عن حسان بن عطية ،  وقال فيه : فتيمم . 
وقال الواقدي    : حدثني أفلح بن سعيد ،  عن ابن عبد الرحمن بن رقيش ،  عن أبي بكر بن حزم  قال : كان عمرو بن العاص  حين قفلوا ، احتلم في ليلة باردة كأشد ما يكون من البرد ، فقال لأصحابه : ما ترون ؟ قد والله احتلمت ، فإن اغتسلت مت . فدعا بماء فتوضأ ، وغسل فرجه وتيمم ، ثم قام فصلى بهم ، فكان أول من بعث عوف بن مالك  بريدا ، قال عوف    : فقدمت   [ ص: 499 ] على رسول الله صلى الله عليه وسلم في السحر وهو يصلي في بيته ، فسلمت عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عوف بن مالك ؟    " فقلت : عوف بن مالك  يا رسول الله . قال : " صاحب الجزور ؟ " قلت : نعم . ولم يزد على هذا بعد ذلك شيئا ، ثم قال : " أخبرني " . فأخبرته بما كان من مسيرنا ، وما كان من أبي عبيدة  وعمرو ،  ومطاوعة أبي عبيدة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يرحم الله  أبا عبيدة بن الجراح    " . قال : ثم أخبرته أن عمرا  صلى بالناس وهو جنب ومعه ماء ، لم يزد على أن غسل فرجه وتوضأ ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قدم عمرو  على رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله عن صلاته ، فأخبره فقال : والذي بعثك بالحق ، إني لو اغتسلت لمت ، ولم أجد بردا قط مثله ، وقد قال تعالى : ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما  قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يبلغنا أنه قال شيئا   . 
وقال ابن إسحاق :  حدثني يزيد بن أبي حبيب ،  عن  عوف بن مالك الأشجعي  قال : كنت في الغزوة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص ،  وهي غزوة ذات السلاسل ،  فصحبت أبا بكر  وعمر ،  فمررت بقوم وهم على جزور قد نحروها ، وهم لا يقدرون على أن يعضوها ، وكنت امرأ جازرا ، فقلت   [ ص: 500 ] لهم : تعطوني منها عشيرا على أن أقسمها بينكم ؟ قالوا : نعم . فأخذت الشفرة ، فجزأتها مكاني ، وأخذت منها جزءا فحملته إلى أصحابي ، فاطبخناه وأكلناه ، فقال أبو بكر  وعمر    : أنى لك هذا اللحم يا عوف ؟  فأخبرتهما فقالا : لا والله ما أحسنت حين أطعمتنا هذا . ثم قاما يتقيآن ما في بطونهما منه ، فلما أن قفل الناس من ذلك السفر ، كنت أول قادم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئته وهو يصلي في بيته فقلت : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته . فقال : " أعوف بن مالك ؟    " فقلت : نعم ، بأبي أنت وأمي . فقال : " صاحب الجزور ؟ " ولم يزدني على ذلك شيئا هكذا رواه محمد بن إسحاق ،  عن يزيد بن أبي حبيب ،  عن عوف بن مالك ،  وهو منقطع بل معضل . 
قال الحافظ  البيهقي    : وقد رواه ابن لهيعة   وسعيد بن أبي أيوب ،  عن يزيد بن أبي حبيب ،  عن  ربيعة بن لقيط ،  عن مالك بن هدم ،  أظنه عن عوف بن مالك ،  فذكر نحوه ، إلا أنه قال : فعرضته على عمر  فسألني عنه ، فأخبرته فقال : قد تعجلت أجرك . ولم يأكله . ثم حكى عن أبي عبيدة  مثله ، ولم يذكر فيه أبا بكر ،  وتمامه كنحو ما تقدم   [ ص: 501 ]   . 
وقال الحافظ  البيهقي    : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ  وأبو سعيد بن أبي عمرو  قالا : حدثنا  أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ،  ثنا يحيى بن أبي طالب ،  ثنا  علي بن عاصم ،  ثنا خالد الحذاء ،  عن  أبي عثمان النهدي ،  سمعت عمرو بن العاص  يقول : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش ذات السلاسل ،  وفي القوم أبو بكر  وعمر ،  فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على أبي بكر  وعمر  إلا لمنزلة لي عنده . قال : فأتيته حتى قعدت بين يديه ، فقلت : يا رسول الله ، من أحب الناس إليك ؟ قال : " عائشة    " . قلت : إني لست أسألك عن أهلك . قال : " فأبوها " قلت : ثم من ؟ قال : " عمر " قلت : ثم من ؟ حتى عدد رهطا ، قال : قلت في نفسي : لا أعود أسأل عن هذا   . 
وهذا الحديث مخرج في " الصحيحين " من طريق  خالد بن مهران الحذاء ،  عن  أبي عثمان النهدي ، واسمه عبد الرحمن بن مل ،  حدثني عمرو بن العاص  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل ، فأتيته فقلت : أي الناس أحب إليك ؟ قال : " عائشة    " قلت : فمن الرجال ؟ قال : " أبوها " قلت : ثم من ؟ قال : " ثم عمر بن الخطاب " فعد رجالا . وهذا لفظ  البخاري    . وفي رواية : قال عمرو    : فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					