ذكر حجة من ذهب إلى أنه عليه الصلاة والسلام ، كان قارنا  وسرد الأحاديث في ذلك 
رواية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب  رضي الله عنه : قد تقدم ما رواه  البخاري  من حديث أبي عمرو الأوزاعي  ، سمعت  يحيى بن أبي كثير  ، عن عكرمة  ، عن ابن عباس  عن عمر بن الخطاب  قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم   [ ص: 458 ] بوادي العقيق   يقول : " أتاني آت من ربي ، عز وجل ، فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقل : عمرة في حجة " . 
وقال الحافظ  البيهقي    : أنبأنا علي بن أحمد بن عمر بن حفص المقرئ  ببغداد ، أنبأنا أحمد بن سلمان  قال : قرئ على عبد الملك بن محمد  وأنا أسمع : حدثنا أبو زيد الهروي  ، ثنا علي بن المبارك  ، ثنا  يحيى بن أبي كثير  ، ثنا عكرمة  ، حدثني ابن عباس  ، حدثني عمر بن الخطاب  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني جبريل ،  عليه السلام ، وأنا بالعقيق  فقال : صل في هذا الوادي المبارك ركعتين ، وقل : عمرة في حجة . فقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة    " . ثم قال  البيهقي    : رواه  البخاري  عن  أبي زيد الهروي    . 
وقال  الإمام أحمد    : ثنا هشيم  ، ثنا سيار  ، عن أبي وائل  أن رجلا كان نصرانيا ، يقال له : الصبي بن معبد  فأراد الجهاد ، فقيل له : ابدأ بالحج . فأتى الأشعري  فأمره أن يهل بالحج والعمرة جميعا ، ففعل ، فبينما هو يلبي إذ مر بزيد بن صوحان  ، وسلمان بن ربيعة  ، فقال أحدهما لصاحبه : لهذا أضل من بعير أهله . فسمعها الصبي  فكبر ذلك عليه ، فلما قدم أتى عمر بن الخطاب  فذكر ذلك له فقال له عمر :  هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم . قال : وسمعته مرة أخرى   [ ص: 459 ] يقول : وفقت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم   . 
وقد رواه  الإمام أحمد  ، عن  يحيى بن سعيد القطان  ، عن الأعمش  عن شقيق  ، عن أبي وائل  ، عن الصبي بن معبد  عن عمر بن الخطاب  فذكره وقال : إنهما لم يقولا شيئا ، هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم . ورواه عن عبد الرزاق  ، عن  سفيان الثوري  عن منصور  ، عن أبي وائل  به . 
ورواه أيضا عن غندر  ، عن شعبة  ، عن الحكم  ، عن أبي وائل  ، وعن سفيان بن عيينة  ، عن عبدة بن أبي لبابة  ، عن أبي وائل  قال : قال الصبي بن معبد    : كنت رجلا نصرانيا فأسلمت ، فأهللت بحج وعمرة ، فسمعني زيد بن صوحان  وسلمان بن ربيعة  وأنا أهل بهما ، فقالا : لهذا أضل من بعير أهله . فكأنما حمل علي بكلمتهما جبل ، فقدمت على عمر  فأخبرته ، فأقبل عليهما فلامهما ، وأقبل علي فقال : هديت لسنة النبي صلى الله عليه وسلم   . قال عبدة    : قال أبو وائل    : كثيرا ما ذهبت أنا ومسروق  إلى الصبي بن معبد  نسأله عنه . وهذه أسانيد جيدة على شرط الصحيح . وقد رواه أبو داود  ،  والنسائي  ،  وابن ماجه  من طرق ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة  به . 
وقال  النسائي  في كتاب الحج من " سننه " : حدثنا محمد بن علي بن   [ ص: 460 ] الحسن بن شقيق  ، ثنا أبي ، عن  أبي حمزة السكري  ، عن مطرف  ، عن سلمة بن كهيل  ، عن طاوس  ، عن ابن عباس  ، عن عمر  أنه قال : والله إني لأنهاكم عن المتعة ، وإنها لفي كتاب الله ، وقد فعلها النبي صلى الله عليه وسلم . إسناد جيد . 
رواية أميري المؤمنين عثمان  وعلي  ، رضي الله عنهما : قال  الإمام أحمد    : حدثنا محمد بن جعفر  ، ثنا شعبة  ، عن عمرو بن مرة  ، عن  سعيد بن المسيب  قال : اجتمع علي  وعثمان  بعسفان  ، وكان عثمان  ينهى عن المتعة أو العمرة فقال علي    : ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه! فقال عثمان    : دعنا منك . هكذا رواه  الإمام أحمد  مختصرا . 
وقد أخرجاه في " الصحيحين " من حديث شعبة  ، عن عمرو بن مرة  ، عن  سعيد بن المسيب  قال : اختلف علي  وعثمان  وهما بعسفان  في المتعة ، فقال علي    : ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما رأى ذلك علي بن أبي طالب  أهل بهما جميعا . وهكذا لفظ  البخاري    . 
وقال  البخاري    : ثنا  محمد بن بشار  ، ثنا غندر  ، عن شعبة  ، عن الحكم  ،   [ ص: 461 ] عن علي بن الحسين  عن  مروان بن الحكم  قال : شهدت عثمان  وعليا  وعثمان  ينهى عن المتعة ، وأن يجمع بينهما ، فلما رأى علي أهل بهما : لبيك بعمرة وحج ، قال : ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد . ورواه  النسائي  من حديث شعبة  به ، ومن حديث الأعمش  عن مسلم البطين  ، عن علي بن الحسين  به . 
وقال  الإمام أحمد    : ثنا محمد بن جعفر  ، ثنا شعبة  ، عن قتادة  قال : قال عبد الله بن شقيق    : كان عثمان  ينهى عن المتعة وعلي يأمر بها ، فقال عثمان  لعلي    : إنك لكذا وكذا . ثم قال علي    : لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : أجل ، ولكنا كنا خائفين . ورواه مسلم  من حديث شعبة    . فهذا اعتراف من عثمان  ، رضي الله عنه ، بما رواه علي  رضي الله عنه ، ومعلوم أن عليا  ، رضي الله عنه ، أحرم عام حجة الوداع بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان قد ساق الهدي ، وأمره عليه الصلاة والسلام أن يمكث حراما ، وأشركه النبي صلى الله عليه وسلم في هديه ، كما سيأتي بيانه . 
وروى مالك  في " الموطأ " عن  جعفر بن محمد  ، عن أبيه ، أن المقداد بن الأسود  دخل على علي بن أبي طالب  بالسقيا ، وهو ينجع بكرات له دقيقا   [ ص: 462 ] وخبطا فقال : هذا عثمان بن عفان  ينهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة . فخرج علي  وعلى يده أثر الدقيق والخبط - ما أنسى أثر الدقيق والخبط على ذراعيه - حتى دخل على عثمان  فقال : أنت تنهى أن يقرن بين الحج والعمرة ؟! فقال عثمان    : ذلك رأيي . فخرج علي  مغضبا وهو يقول : لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معا . 
وقد قال أبو داود  في " سننه " : ثنا  يحيى بن معين  ثنا حجاج  ، ثنا يونس ، عن أبي إسحاق ، عن  البراء بن عازب  قال : كنت مع علي  حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن  ، فذكر الحديث في قدوم علي  ، قال علي    : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف صنعت ؟ " قال : قلت : إنما أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم . قال : " إني قد سقت الهدي وقرنت " . وقد رواه  النسائي  من حديث  يحيى بن معين  ، بإسناده ، وهو على شرط الشيخين ، وعلله الحافظ  البيهقي  بأنه لم يذكر هذا اللفظ في سياق حديث جابر  الطويل ، وهذا التعليل فيه نظر ; لأنه قد روي القران من حديث  جابر بن عبد الله  ، كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى . 
وروى  ابن حبان  في " صحيحه " ، عن علي بن أبي طالب  قال : خرج   [ ص: 463 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة  ، وخرجت أنا من اليمن  ، وقلت : لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فإني أهللت بالحج والعمرة جميعا " . 
رواية أنس بن مالك  رضي الله عنه : وقد رواه عنه جماعة من التابعين ، ونحن نوردهم مرتبين على حروف المعجم : 
 بكر بن عبد الله المزني  عنه : قال  الإمام أحمد    : حدثنا هشيم  ، ثنا حميد الطويل  ، أنبأنا  بكر بن عبد الله المزني  قال : سمعت أنس بن مالك  يحدث قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعا ، فحدثت بذلك ابن عمر  فقال : لبى بالحج وحده . فلقيت أنسا  فحدثته بقول ابن عمر  ، فقال : ما تعدونا إلا صبيانا ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لبيك عمرة وحجا " . ورواه  البخاري  ، عن مسدد  ، عن بشر بن المفضل  ، عن حميد  به . وأخرجه مسلم  ، عن  سريج بن يونس  ، عن هشيم  به . وعن أمية بن بسطام  ، عن  يزيد بن زريع  ، عن حبيب بن الشهيد  ، عن  بكر بن عبد الله المزني  به . 
ثابت البناني  عن أنس    : قال  الإمام أحمد    : حدثنا  وكيع  ، عن  ابن أبي ليلى  ، عن ثابت  ، عن أنس  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :   " لبيك بعمرة وحجة معا " . 
تفرد به من هذا الوجه  الحسن البصري  عنه : قال  الإمام أحمد    : ثنا   [ ص: 464 ] روح  ، ثنا أشعث  ، عن الحسن  ، عن أنس بن مالك  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدموا مكة  وقد لبوا بحج وعمرة ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما طافوا بالبيت وبالصفا  والمروة  ، أن يحلوا وأن يجعلوها عمرة فكأن القوم هابوا ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا أني سقت هديا لأحللت " . فأحل القوم وتمتعوا . 
وقال الحافظ  أبو بكر البزار    : ثنا الحسن بن قزعة  ، ثنا سفيان بن حبيب  ، ثنا أشعث  ، عن الحسن  ، عن أنس  أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل هو وأصحابه بالحج والعمرة فلما قدموا مكة  طافوا بالبيت وبالصفا  والمروة  ، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلوا ، فهابوا ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحلوا ، فلولا أن معي الهدي لأحللت " فحلوا حتى حلوا إلى النساء . ثم قال البزار    : لا نعلم رواه عن الحسن  إلا أشعث بن عبد الملك    . 
 حميد بن تيرويه الطويل  عنه : قال  الإمام أحمد    : حدثنا يحيى  ، عن حميد  ، سمعت أنسا  ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :   " لبيك بعمرة وحج " . هذا إسناد ثلاثي على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ولا أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه . 
لكن رواه مسلم  ، عن يحيى بن يحيى  ، عن هشيم  ، عن يحيى بن أبي   [ ص: 465 ] إسحاق  ،  وعبد العزيز بن صهيب  وحميد  أنهم سمعوا أنس بن مالك  قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بهما جميعا :   " لبيك عمرة وحجا ، لبيك عمرة وحجا " . 
وقال  الإمام أحمد    : ثنا يعمر بن بشر  ، ثنا عبد الله  ، أنبأنا حميد الطويل  ، عن أنس بن مالك  قال : ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنا كثيرة وقال : " لبيك بعمرة وحج " . وإني لعند فخذ ناقته اليسرى . تفرد به أحمد  من هذا الوجه أيضا . 
 حميد بن هلال العدوي البصري  عنه : قال الحافظ  أبو بكر البزار  في " مسنده " : حدثنا  محمد بن المثنى  ، ثنا عبد الوهاب  ، عن أيوب  ، عن أبي قلابة  ، عن أنس بن مالك  وحدثناه سلمة بن شبيب  ، ثنا عبد الرزاق  ، أنبأنا معمر  ، عن أيوب  ، عن أبي قلابة   وحميد بن هلال  ، عن أنس  قال : إني ردف أبي طلحة  ، وإن ركبته لتمس ركبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلبي بالحج والعمرة   . وهذا إسناد جيد قوي على شرط الصحيح ولم يخرجوه ، وقد تأوله البزار  على أن الذي كان يلبي بالحج والعمرة أبو طلحة  ، قال : ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا التأويل فيه نظر ولا حاجة إليه ; لمجيء ذلك من طرق عن أنس  ، كما مضى وكما سيأتي ، ثم عود الضمير إلى أقرب المذكورين أولى ، وهو في هذه الصورة أقوى دلالة . والله أعلم . وسيأتي في رواية  سالم بن أبي الجعد  عن أنس  صريح الرد على هذا التأويل . 
 [ ص: 466 ]  زيد بن أسلم  عنه : قال الحافظ  أبو بكر البزار    : روى سعيد بن عبد العزيز التنوخي  ، عن  زيد بن أسلم  ، عن أنس بن مالك  أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بحج وعمرة . حدثناه الحسن بن عبد العزيز الجروي  ، ومحمد بن مسكين  قالا : حدثنا بشر بن بكر  ، عن سعيد بن عبد العزيز  ، عن  زيد بن أسلم  ، عن أنس    . قلت : وهذا إسناد صحيح ، على شرط الصحيح ولم يخرجوه من هذا الوجه . 
وقد رواه الحافظ  أبو بكر البيهقي  بأبسط من هذا السياق ، فقال : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ  ، وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي  ، قالا : ثنا  أبو العباس محمد بن يعقوب  ، أنبأنا العباس بن الوليد بن مزيد  ، أخبرني أبي ، ثنا سعيد بن عبد العزيز  عن  زيد بن أسلم  ، وغيره أن رجلا أتى ابن عمر  فقال : بم أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال ابن عمر    : أهل بالحج . فانصرف ثم أتاه من العام المقبل فقال : بم أهل رسول الله ؟ قال ألم تأتني عام أول ؟ قال : بلى ، ولكن أنس بن مالك  يزعم أنه قرن . قال ابن عمر    : إن أنس بن مالك  كان يدخل على النساء وهن مكشفات الرءوس ، وإني كنت تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسني لعابها ، أسمعه يلبي بالحج . 
 سالم بن أبي الجعد الغطفاني الكوفي  عنه : قال  الإمام أحمد    : حدثنا  يحيى بن آدم  ثنا شريك  ، عن منصور  ، عن  سالم بن أبي الجعد  ، عن أنس بن   [ ص: 467 ] مالك  يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الحج والعمرة فقال : " لبيك بعمرة وحجة معا    " حسن ولم يخرجوه . 
وقال  الإمام أحمد    : ثنا عفان  ، ثنا أبو عوانة  ، ثنا عثمان بن المغيرة  ، عن  سالم بن أبي الجعد  ، عن سعد مولى الحسن بن علي  قال : خرجنا مع علي  فأتينا ذا الحليفة  فقال علي    : إني أريد أن أجمع بين الحج والعمرة فمن أراد ذلك فليقل كما أقول . ثم لبى قال : لبيك بحجة وعمرة معا . قال : وقال سالم    : وقد أخبرني أنس بن مالك  قال : والله إن رجلي لتمس رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه ليهل بهما جميعا . وهذا أيضا إسناد جيد من هذا الوجه ، ولم يخرجوه . وهذا السياق يرد على الحافظ البزار  ما تأول به حديث حميد بن هلال  عن أنس  ، كما تقدم . والله أعلم . 
 سليمان بن طرخان التيمي  عنه : قال الحافظ  أبو بكر البزار    : حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي  ، ثنا المعتمر بن سليمان  ، سمعت أبي يحدث عن أنس بن مالك  قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعا   . ثم قال البزار    : لم يروه عن التيمي إلا ابنه المعتمر  ، ولم يسمعه إلا من يحيى بن حبيب العربي  عنه . 
قلت : وهو على شرط الصحيح ولم يخرجوه . 
سويد بن حجير  عنه : قال  الإمام أحمد    : حدثنا محمد بن جعفر  ، ثنا شعبة  ، عن أبي قزعة سويد بن حجير  ، عن أنس بن مالك  قال : كنت رديف أبي طلحة  فكانت ركبة أبي طلحة  تكاد أن تصيب ركبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،   [ ص: 468 ] فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل بهما . وهذا إسناد جيد تفرد به أحمد  ولم يخرجوه ، وفيه رد على الحافظ البزار  صريح . 
عبد الله بن زيد أبو قلابة الجرمي  عنه : قال  الإمام أحمد    : حدثنا عبد الرزاق  ، أنبأنا معمر  ، عن أيوب  ، عن أبي قلابة  ، عن أنس  قال : كنت رديف أبي طلحة  وهو يساير النبي صلى الله عليه وسلم . قال : فإن رجلي لتمس غرز النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يلبي بالحج والعمرة معا . 
وقد رواه  البخاري  من طرق ، عن أيوب  ، عن أبي قلابة  ، عن أنس  قال : صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة  أربعا ، والعصر بذي الحليفة  ركعتين ، ثم بات بها حتى أصبح ، ثم ركب راحلته ، حتى استوت به على البيداء حمد الله وسبح وكبر ، وأهل بحج وعمرة ، وأهل الناس بهما جميعا . وفي رواية له : كنت رديف أبي طلحة  وإنهم ليصرخون بهما جميعا ; الحج والعمرة . وفي رواية له ، عن أيوب  ، عن رجل ، عن أنس  قال : ثم بات حتى أصبح ، فصلى الصبح ، ثم ركب راحلته ، حتى إذا استوت به البيداء أهل بعمرة وحج . 
 عبد العزيز بن صهيب    : تقدمت روايته عنه مع رواية حميد الطويل  عنه عند مسلم    . 
 علي بن زيد بن جدعان  عنه : قال الحافظ  أبو بكر البزار    : حدثنا إبراهيم بن سعيد  ، ثنا علي بن حكيم  ، عن شريك  ، عن علي بن زيد  ، عن أنس  أن رسول الله   [ ص: 469 ] صلى الله عليه وسلم لبى بهما جميعا . هذا غريب من هذا الوجه لم يخرجه أحد من أصحاب السنن ، وهو على شرطهم . 
 قتادة بن دعامة السدوسي  عنه : قال  الإمام أحمد    : حدثنا بهز  وعبد الصمد  ، المعنى قالا : ثنا همام بن يحيى  ، ثنا قتادة  قال : سألت أنس بن مالك  قلت : كم حج النبي صلى الله عليه وسلم ؟  قال : حجة واحدة ، واعتمر أربع مرات ; عمرته زمن الحديبية ، وعمرته في ذي القعدة من المدينة  ، وعمرته من الجعرانة  ، في ذي القعدة حيث قسم غنيمة حنين ، وعمرته مع حجته . وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث همام بن يحيى  به . 
مصعب بن سليم الزبيري  مولاهم عنه : قال  الإمام أحمد    : حدثنا  وكيع  ، ثنا مصعب بن سليم  ، سمعت أنس بن مالك  يقول : أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجة وعمرة تفرد به أحمد    . 
يحيى بن إسحاق الحضرمي  عنه : قال  الإمام أحمد    : ثنا هشيم  ، أنبأنا يحيى بن أبي إسحاق   وعبد العزيز بن صهيب   وحميد الطويل  ، عن أنس  أنهم سمعوه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعا ، يقول : " لبيك عمرة وحجا ، لبيك عمرة وحجا " وقد تقدم أن مسلما  رواه عن يحيى بن يحيى  ، عن هشيم  به . 
 [ ص: 470 ] وقال  الإمام أحمد  أيضا : ثنا عبد الأعلى  ، عن يحيى  ، عن أنس  قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة    . قال : فسمعته يقول : " لبيك عمرة وحجا " . 
أبو أسماء الصيقل  عنه : قال  الإمام أحمد    : حدثنا حسن  ، ثنا زهير  ، وحدثنا أحمد بن عبد الملك  ، ثنا زهير  عن أبي إسحاق  ، عن أبي أسماء الصيقل  ، عن أنس بن مالك  قال : خرجنا نصرخ بالحج ، فلما قدمنا مكة  أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعلها عمرة ، وقال : " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة ، ولكني سقت الهدي وقرنت الحج بالعمرة " . 
ورواه  النسائي  ، عن هناد  ، عن أبي الأحوص  ، عن أبي إسحاق  ، عن أبي أسماء الصيقل  ، عن أنس بن مالك  قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم يلبي بهما . 
أبو قدامة الحنفي - ويقال : إن اسمه محمد بن عبيد -  عن أنس    : قال  الإمام أحمد    : ثنا روح بن عبادة  ، حدثنا شعبة  ، عن يونس بن عبيد  عن أبي قدامة الحنفي  ، قال : قلت لأنس    : بأي شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي ؟ فقال : سمعته سبع مرات : بعمرة وحجة ، بعمرة وحجة . تفرد به  الإمام أحمد   [ ص: 471 ] وهو إسناد جيد قوي ، ولله الحمد والمنة ، وبه التوفيق والعصمة . 
وروى  ابن حبان  في " صحيحه " عن أنس بن مالك  قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة ، وقرن القوم معه 
وقد أورد الحافظ  البيهقي  بعض هذه الطرق ، عن أنس بن مالك  ، ثم شرع يعلل ذلك بكلام فيه نظر ، وحاصله أنه قال : والاشتباه وقع لأنس  لا لمن دونه ، ويحتمل أن يكون سمعه صلى الله عليه وسلم يعلم غيره كيف يهل بالقران ، لا أنه يهل بهما عن نفسه . والله أعلم . قال : وقد روي ذلك عن غير أنس بن مالك  وفي ثبوته نظر . 
قلت : ولا يخفى ما في هذا الكلام من النظر الظاهر لمن تأمله ، وربما كان ترك هذا الكلام أولى منه ، إذ فيه تطرق احتمال إلى حفظ الصحابي مع تواتره عنه كما رأيت آنفا ، وفتح هذا يفضي إلى محذور كبير . والله تعالى أعلم . 
حديث  البراء بن عازب  في القران : قال الحافظ  أبو بكر البيهقي    : أنبأنا  أبو الحسين بن بشران  ، أنبأنا علي بن محمد المصري  ، حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى  ، ثنا  يزيد بن هارون  ، أنبأنا زكريا بن أبي زائدة  ، عن أبي إسحاق  عن  البراء بن عازب  قال : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر ، كلهن في ذي القعدة . فقالت عائشة    : لقد علم أنه اعتمر أربع عمر بعمرته التي حج معها . قال  البيهقي    :   [ ص: 472 ] ليس هذا بمحفوظ . قلت : سيأتي بإسناد صحيح إلى عائشة  نحوه . 
رواية  جابر بن عبد الله  رضي الله عنهما : قال  الحافظ أبو الحسن الدارقطني    : حدثنا  أبو بكر بن أبي داود  ، ومحمد بن جعفر بن رميس  ، والقاسم بن إسماعيل أبو عبيد  ، وعثمان بن جعفر اللبان  وغيرهم ، قالوا : حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي  ، ثنا  زيد بن الحباب  ، ثنا  سفيان الثوري  عن  جعفر بن محمد  ، عن أبيه ، عن  جابر بن عبد الله  قال : حج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث حجج ; حجتين قبل أن يهاجر ، وحجة قرن معها عمرة . وقد روى هذا الحديث الترمذي   وابن ماجه  ، من حديث  سفيان بن سعيد الثوري  به . أما الترمذي  فرواه عن عبد الله بن أبي زياد  ، عن  زيد بن الحباب  ، عن سفيان  به ، ثم قال : غريب من حديث سفيان  ، لا نعرفه إلا من حديث  زيد بن الحباب  ، ورأيت عبد الله بن عبد الرحمن - يعني الدارمي    - روى هذا الحديث في كتبه عن عبد الله بن أبي زياد  ، وسألت محمدا  عن هذا ، فلم يعرفه ، ورأيته لا يعده محفوظا . قال : وإنما روي عن الثوري  عن أبي إسحاق  عن مجاهد  مرسلا . 
وفي " السنن الكبير "  للبيهقي  قال أبو عيسى الترمذي    : سألت  محمد بن إسماعيل البخاري  ، عن هذا الحديث ، فقال : هذا حديث خطأ ، وإنما روي هذا عن الثوري  مرسلا . قال  البخاري    : وكان  زيد بن الحباب  إذا روى حفظا ربما   [ ص: 473 ] غلط في الشيء . وأما ابن ماجه  فرواه عن القاسم بن محمد بن عباد المهلبي  ، عن عبد الله بن داود الخريبي  ، عن سفيان  به . وهذه طريق لم يقف عليها الترمذي  ولا  البيهقي  ، وربما ولا  البخاري  حيث تكلم في  زيد بن الحباب  ظانا أنه انفرد به وليس كذلك . والله أعلم . 
طريق أخرى عن جابر    : قال أبو عيسى الترمذي    : حدثنا  ابن أبي عمر  ، حدثنا أبو معاوية  ، عن حجاج  ، عن  أبي الزبير  ، عن جابر  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن الحج والعمرة ، وطاف لهما طوافا واحدا    . ثم قال : هذا حديث حسن . وفي نسخة : صحيح . ورواه  ابن حبان  في " صحيحه " عن جابر  قال : لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم إلا طوافا واحدا لحجه ولعمرته . 
قلت :  حجاج هذا هو ابن أرطاة  ، وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة ، ولكن قد روي من وجه آخر عن  أبي الزبير  ، عن  جابر بن عبد الله  أيضا ، كما قال الحافظ  أبو بكر البزار  في " مسنده " : حدثنا مقدم بن محمد  ، حدثني عمي القاسم بن يحيى بن مقدم  ، عن عبد الرحمن بن عثمان بن خيثم  ، عن  أبي الزبير  ، عن جابر  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم فقرن بين الحج والعمرة ، وساق الهدي . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يقلد الهدي فليجعلها عمرة " . ثم قال البزار    : وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن جابر  إلا من هذا الوجه   [ ص: 474 ] بهذا الإسناد . انفرد بهذه الطريق البزار  في " مسنده " ، وإسنادها غريب جدا ، وليست في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه . والله أعلم . 
رواية  أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري  ، رضي الله عنه : قال  الإمام أحمد    : حدثنا أبو معاوية  ، ثنا  حجاج - هو ابن أرطاة    - عن الحسن بن سعد  ، عن ابن عباس  قال : أخبرني أبو طلحة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة   . ورواه ابن ماجه  ، عن علي بن محمد  ، عن أبي معاوية  بإسناده ، ولفظه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة   . الحجاج بن أرطاة  فيه ضعف والله أعلم . 
رواية سراقة بن مالك بن جعشم    : قال  الإمام أحمد    : حدثنا مكي بن إبراهيم  ، ثنا داود - يعني ابن يزيد    - سمعت عبد الملك الزراد  ، يقول : سمعت النزال بن سبرة  صاحب علي يقول : سمعت سراقة  يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة " . قال : وقرن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع . 
رواية  سعد بن أبي وقاص  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تمتع بالحج إلى العمرة ، وهو   [ ص: 475 ] القران : قال الإمام مالك    : عن ابن شهاب  ، عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب  أنه حدثه ، أنه سمع  سعد بن أبي وقاص   والضحاك بن قيس  عام حج  معاوية بن أبي سفيان  يذكر التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال الضحاك    : لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله . فقال سعد    : بئس ما قلت يا ابن أخي . فقال الضحاك    : فإن عمر بن الخطاب  كان ينهى عنها . فقال سعد : قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه ، ورواه الترمذي   والنسائي  جميعا ، عن قتيبة  ، عن مالك  به . وقال الترمذي    : هذا حديث صحيح . 
وقال  الإمام أحمد    : ثنا يحيى بن سعيد  ، ثنا سليمان - يعني التيمي    - حدثني غنيم  قال : سألت ابن أبي وقاص  عن المتعة فقال : فعلناها وهذا كافر بالعرش . يعني معاوية    . هكذا رواه مختصرا . وقد رواه مسلم  في " صحيحه " من حديث  سفيان بن سعيد الثوري  ، وشعبة   ومروان الفزاري   ويحيى بن سعيد القطان  ، أربعتهم عن  سليمان بن طرخان التيمي  ، سمعت غنيم بن قيس  سألت  سعد بن أبي وقاص  عن المتعة فقال : قد فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعرش . قال يحيى بن سعيد  في روايته : يعني معاوية    . ورواه عبد الرزاق  ، عن معتمر بن سليمان   وعبد الله بن المبارك  ، كلاهما عن سليمان التيمي  ، عن غنيم بن قيس  سألت سعدا  عن التمتع بالعمرة إلى الحج فقال : فعلتها مع رسول الله   [ ص: 476 ] صلى الله عليه وسلم وهذا يومئذ كافر بالعرش يعني مكة  ، ويعني به معاوية  ، وهذا الحديث الثاني أصح إسنادا ، وإنما ذكرناه اعتضادا لا اعتمادا ، والأول صحيح الإسناد ، وهو أصرح في المقصود من هذا . والله أعلم . 
رواية عبد الله بن أبي أوفى  قال الطبراني حدثنا سعيد بن محمد بن المغيرة المصري  ، حدثنا سعيد بن سليمان  ، حدثنا يزيد بن عطاء  ، عن إسماعيل بن أبي خالد  ، عن عبد الله بن أبي أوفى  قال : إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة ; لأنه علم أنه لم يكن حاجا بعد ذلك العام . 
رواية  عبد الله بن عباس  في ذلك : قال  الإمام أحمد    : ثنا أبو النضر  ، ثنا داود - يعني العطار    - عن عمرو  ، عن عكرمة  ، عن ابن عباس  قال : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر ; عمرة الحديبية ، وعمرة القضاء ، والثالثة من الجعرانة  ، والرابعة التي مع حجته . وقد رواه أبو داود   والترمذي   وابن ماجه  من طرق ، عن داود بن عبد الرحمن العطار المكي  عن  عمرو بن دينار  عن عكرمة  ، عن ابن عباس  به . وقال الترمذي    : حسن غريب . ورواه الترمذي  ، عن سعيد بن عبد الرحمن  ، عن سفيان بن عيينة  عن عمرو  عن عكرمة  مرسلا . ورواه   [ ص: 477 ] الحافظ  البيهقي  من طريق أبي الحسن علي بن عبد العزيز البغوي  ، عن الحسن بن الربيع  وشهاب بن عباد  ، كلاهما عن داود بن عبد الرحمن العطار  فذكره . وقال : الرابعة التي قرنها مع حجته . 
ثم قال أبو الحسن علي بن عبد العزيز    : ليس أحد يقول في هذا الحديث عن ابن عباس  إلا داود بن عبد الرحمن    . ثم حكى  البيهقي  عن  البخاري  أنه قال : داود بن عبد الرحمن  صدوق ، إلا أنه ربما يهم في الشيء . 
وقد تقدم ما رواه  البخاري  ، من طريق ابن عباس  ، عن عمر  أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بوادي العقيق    : " أتاني آت من ربي فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقل : عمرة في حجة " . فلعل هذا مستند ابن عباس  فيما حكاه . والله أعلم . 
رواية عبد الله بن عمر  رضي الله عنهما : قد تقدم فيما رواه  البخاري  ومسلم  ، من طريق الليث  ، عن عقيل  ، عن الزهري  ، عن سالم  ، عن ابن عمر  ، أنه قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، وأهدى فساق الهدي من ذي الحليفة    . وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج . وذكر تمام الحديث في عدم إحلاله بعد السعي ، فعلم كما قررناه أولا أنه ، عليه الصلاة والسلام ، لم يكن متمتعا التمتع الخاص ، وإنما كان قارنا ; لأنه اكتفى بطواف واحد بين   [ ص: 478 ] الصفا  والمروة   عن حجه وعمرته ، وهذا شأن القارن على مذهب الجمهور كما سيأتي بيانه . والله أعلم . 
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي    : ثنا أبو خيثمة  ، ثنا يحيى بن يمان  ، عن سفيان  ، عن عبيد الله  ، عن نافع  ، عن ابن عمر  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف طوافا واحدا لإقرانه ، لم يحل بينهما واشترى من الطريق . يعني الهدي . وهذا إسناد جيد ، رجاله كلهم ثقات ، إلا أن يحيى بن يمان    - وإن كان من رجال مسلم    - في أحاديثه عن الثوري  نكارة شديدة . والله أعلم . ومما يرجح أن ابن عمر  أراد بالإفراد الذى رواه إفراد أفعال الحج ، لا الإفراد الخاص الذي يصير إليه أصحاب  الشافعي    - وهو الحج ثم الاعتمار بعده في بقية ذي الحجة - قول  الشافعي    : أنبأنا مالك  ، عن صدقة بن يسار  ، عن ابن عمر  ، أنه قال : لأن أعتمر قبل الحج وأهدي أحب إلي من أن أعتمر بعد الحج في ذي الحجة . 
رواية عبد الله بن عمرو  رضي الله عنهما : قال  الإمام أحمد    : حدثنا  أبو أحمد - يعني الزبيري    - حدثنا يونس بن الحارث  ، عن عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قرن خشية أن يصد عن البيت  ، وقال : " إن لم تكن حجة فعمرة " . وهذا حديث غريب سندا ومتنا . تفرد بروايته الإمام   [ ص: 479 ] أحمد    . وقد قال أحمد  في يونس بن الحارث الثقفي  هذا : كان مضطرب الحديث . وضعفه ، وكذا ضعفه  يحيى بن معين  في رواية عنه  ، والنسائي    . وأما من حيث المتن فقوله : إنما قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن يصد عن البيت . فمن الذي كان يصده عليه الصلاة والسلام عن البيت ؟ وقد أطد الله له الإسلام ، وفتح البلد الحرام ، وقد نودي برحاب منى أيام الموسم في العام الماضي أن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان ، وقد كان معه عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع قريب من أربعين ألفا . وما هذا بأعجب من قول أمير المؤمنين عثمان  لعلي بن أبي طالب  حين قال له علي    : لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : أجل ولكنا كنا خائفين . ولست أدري علام يحمل هذا الخوف ؟ ولا من أي جهة كان ؟ إلا أنه تضمن رواية الصحابي لما رواه ، وحمله على معنى ظنه ، فما رواه صحيح مقبول ، وما اعتقده فليس بمعصوم فيه ، فهو موقوف عليه ، وليس بحجة على غيره  ، ولا يلزم منه رد الحديث الذي رواه . وهكذا قول عبد الله بن عمرو  لو صح السند إليه . والله أعلم . 
رواية عمران بن حصين  ، رضي الله عنه : قال  الإمام أحمد    : ثنا محمد بن جعفر  وحجاج  ، قالا : ثنا شعبة  ، عن حميد بن هلال  ، سمعت مطرفا  قال :   [ ص: 480 ] قال لي عمران بن حصين  إني محدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به ; إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع بين حجة وعمرة ، ثم لم ينه عنه حتى مات ، ولم ينزل قرآن فيه يحرمه ، وإنه كان يسلم علي ، فلما اكتويت أمسك عني ، فلما تركته عاد إلي . وقد رواه مسلم  ، عن  محمد بن المثنى  ،  ومحمد بن بشار  ، عن غندر  وعن عبيد الله بن معاذ  ، عن أبيه  ، والنسائي  ، عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد بن الحارث  ، ثلاثتهم عن شعبة  عن حميد بن هلال  ، عن مطرف  ، عن عمران  به . ورواه مسلم  ، من حديث شعبة  وسعيد بن أبي عروبة  ، عن قتادة  ، عن  مطرف بن عبد الله بن الشخير  ، عن عمران بن الحصين  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حج وعمرة الحديث . 
قال الحافظ  أبو الحسن الدارقطني    : حديث شعبة  عن حميد بن هلال  عن مطرف  صحيح ، وأما حديثه عن قتادة  ، عن مطرف  ، فإنما رواه عن شعبة  كذلك بقية بن الوليد  ، وقد رواه غندر  وغيره ، عن  سعيد بن أبي عروبة  عن قتادة    . 
قلت : وقد رواه أيضا  النسائي  في " سننه " عن عمرو بن علي الفلاس  ، عن خالد بن الحارث  ، عن شعبة  ، وفي نسخة : عن سعيد    . بدل شعبة  ، عن قتادة  ، عن مطرف  ، عن عمران بن الحصين  ، فذكره . والله أعلم . 
 [ ص: 481 ] وثبت في " الصحيحين " من حديث همام  ، عن قتادة  ، عن مطرف  ، عن عمران بن الحصين  قال : تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم لم ينزل قرآن يحرمه ، ولم ينه عنها حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
رواية الهرماس بن زياد الباهلي    : قال  عبد الله بن الإمام أحمد    : حدثنا عبد الله بن عمران بن أبي علي أبو محمد  ، من أهل الري  وكان أصله أصبهانيا ، حدثنا يحيى بن الضريس  ، حدثنا  عكرمة بن عمار  ، عن الهرماس  قال : كنت ردف أبي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على بعير وهو يقول : " لبيك بحجة وعمرة معا " . وهذا على شرط السنن ولم يخرجوه . 
رواية  حفصة بنت عمر  أم المؤمنين ، رضي الله عنها : قال  الإمام أحمد    : حدثنا عبد الرحمن  ، عن مالك  ، عن نافع  ، عن ابن عمر  ، عن حفصة  أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ما لك لم تحل من عمرتك ؟ قال : " إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي ، فلا أحل حتى أنحر    " . وقد أخرجاه في " الصحيحين " من حديث مالك   وعبيد الله بن عمر    . زاد  البخاري    :  وموسى بن عقبة    . زاد   [ ص: 482 ] مسلم    :  وابن جريج  ، كلهم عن نافع  ، عن ابن عمر  به . وفي لفظهما أنها قالت : يا رسول الله ، ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك ؟ فقال : " إني قلدت هديي ، ولبدت رأسي ، فلا أحل حتى أنحر " . 
وقال  الإمام أحمد  أيضا : حدثنا أبو اليمان  ، حدثنا شعيب بن أبي حمزة  قال : قال نافع    : كان عبد الله بن عمر  يقول : أخبرتنا حفصة  زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع . فقالت له فلانة : ما يمنعك أن تحل ؟ قال : " إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلست أحل حتى أنحر هديي " . 
وقال أحمد  أيضا : حدثنا يعقوب بن إبراهيم  ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق  حدثني نافع  ، عن عبد الله بن عمر  عن حفصة بنت عمر  ، أنها قالت : لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أن يحللن بعمرة ، قلنا : فما يمنعك يا رسول الله أن تحل معنا ؟ قال : " إني أهديت ولبدت فلا أحل حتى أنحر هديي " ثم رواه أحمد  ، عن كثير بن هشام  ، عن جعفر بن برقان  ، عن نافع  عن ابن عمر  ، عن حفصة ،  فذكره . فهذا الحديث فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متلبسا بعمرة ، ولم يحل منها ، وقد علم بما تقدم من أحاديث الإفراد أنه كان قد أهل بحج أيضا ، فدل مجموع ذلك أنه قارن ، مع ما سلف من رواية من صرح   [ ص: 483 ] بذلك . والله أعلم . 
رواية  عائشة أم المؤمنين  رضي الله عنها : قال  البخاري    : حدثنا عبد الله بن مسلمة  ، عن مالك  ، عن ابن شهاب  ، عن عروة  ، عن عائشة  زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منها جميعا " . فقدمت مكة  وأنا حائض فلم أطف بالبيت  ولا بين الصفا والمروة  ، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ، ودعي العمرة " . ففعلت ، فلما قضيت الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر  إلى التنعيم  فاعتمرت ، فقال : " هذه مكان عمرتك " . قالت : فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم حلوا ، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى ، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافا واحدا . وكذلك رواه مسلم  من حديث مالك  ، عن الزهري  ، فذكره . 
ثم رواه عن عبد بن حميد  ، عن عبد الرزاق  ، عن معمر  ، عن الزهري  ، عن عروة  ، عن عائشة  قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللت بعمرة ، ولم أكن سقت الهدي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان معه هدي فليهل بالحج مع عمرته ، لا يحل حتى يحل منهما جميعا " . وذكر تمام   [ ص: 484 ] الحديث كما تقدم . 
والمقصود من إيراد هذا الحديث هاهنا قوله صلى الله عليه وسلم :   " من كان معه هدي فليهل بحج وعمرة " . ومعلوم أنه عليه الصلاة والسلام قد كان معه هدي ، فهو أول وأولى من ائتمر بهذا ; لأن المخاطب داخل في عموم متعلق خطابه على الصحيح ، وأيضا فإنها قالت : وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا . يعني بين الصفا والمروة . 
وقد روى مسلم  عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما طاف بين الصفا  والمروة  طوافا واحدا . فعلم من هذا أنه كان قد جمع بين الحج والعمرة . 
وقد روى مسلم  من حديث حماد بن زيد  ، عن عبد الرحمن بن القاسم  ، عن أبيه ، عن عائشة  قالت : فكان الهدي مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر  وعمر  وذوي اليسار   . وأيضا فإنها ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتحلل من النسكين ، فلم يكن متمتعا ، وذكرت أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعمرها من التنعيم ،  وقالت : يا رسول الله ، يرجع الناس بحج وعمرة وأنطلق بحج ؟ فبعثها مع أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر  ، فأعمرها من التنعيم ،  ولم يذكر أنه ، عليه الصلاة والسلام ، اعتمر بعد حجته فلم يكن مفردا ، فعلم أنه كان قارنا ; لأنه كان   [ ص: 485 ] باتفاق الناس قد اعتمر في حجة الوداع . والله أعلم . 
وقد تقدم ما رواه الحافظ  البيهقي  من طريق  يزيد بن هارون  ، عن زكريا بن أبي زائدة  ، عن أبي إسحاق  ، عن  البراء بن عازب  أنه قال : اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر ، كلهن في ذي القعدة . فقالت عائشة    : لقد علم أنه اعتمر أربع عمر بعمرته التي حج معها . 
وقال  البيهقي  في " الخلافيات " : أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه  ، أنبأنا أبو محمد بن حبان الأصبهاني  ، أنبأنا إبراهيم بن شريك  ، أنبأنا  أحمد بن يونس  ، ثنا زهير  ، ثنا أبو إسحاق  ، عن مجاهد  قال : سئل ابن عمر    : كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : مرتين . فقالت عائشة    : لقد علم ابن عمر  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثا ، سوى العمرة التي قرنها مع حجة الوداع . ثم قال  البيهقي    : وهذا إسناد لا بأس به لكن فيه إرسال ; مجاهد  لم يسمع من عائشة  في قول بعض المحدثين . قلت : كان شعبة  ينكره ، وأما  البخاري  ومسلم  فإنهما أثبتاه . والله أعلم . 
وقد روى من حديث القاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر   وعروة بن الزبير  وغير واحد ، عن عائشة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه الهدي عام حجة الوداع ،   [ ص: 486 ] وفي إعمارها من التنعيم  ومصادفتها له منهبطا على أهل مكة  وبيتوتته بالمحصب  حتى صلى الصبح بمكة  ، ثم رجع إلى المدينة    . وهذا كله مما يدل على أنه ، عليه الصلاة والسلام ، لم يعتمر بعد حجته تلك ، ولم أعلم أحدا من الصحابة نقله . ومعلوم أنه لم يتحلل بين النسكين ، ولا روى أحد أنه ، عليه الصلاة والسلام ، بعد طوافه بالبيت وسعيه بين الصفا  والمروة  حلق ولا قصر ولا تحلل ، بل استمر على إحرامه باتفاق ، ولم ينقل أنه أهل بحج لما سار إلى منى ،  فعلم أنه لم يكن متمتعا . وقد اتفقوا على أنه ، عليه الصلاة والسلام ، اعتمر عام حجة الوداع ، فلم يتحلل بين النسكين ، ولا أنشأ إحراما للحج ، ولا اعتمر بعد الحج ، فلزم القران وهذا مما يعسر الجواب عنه . والله أعلم . وأيضا فإن رواية القران مثبتة لما سكت عنه أو نفاه من روى الإفراد والتمتع ، فهي مقدمة عليها ، كما هو مقرر في علم الأصول    . 
وعن أبي عمران  أنه حج مع مواليه ، قال : فأتيت أم سلمة  فقلت : يا أم المؤمنين ، إني لم أحج قط ، فبأيهما أبدأ ; بالعمرة أم بالحج ؟  قالت : ابدأ بأيهما شئت . قال : ثم أتيت صفية أم المؤمنين  فسألتها ، فقالت لي مثل ما قالت . قال : ثم جئت أم سلمة  فأخبرتها بقول صفية ،  فقالت لي أم سلمة    : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يا آل محمد  ، من حج منكم فليهل بعمرة في   [ ص: 487 ] حجة " . رواه  ابن حبان  في " صحيحه " ، وقد رواه  ابن حزم  في " حجة الوداع " من حديث الليث بن سعد  ، عن يزيد بن أبي حبيب  ، عن أسلم  ، عن أبي عمران  ، عن أم سلمة  به . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					