[ ص: 83 ] ذكر إفاضته ، عليه الصلاة والسلام ، من عرفات  إلى المشعر الحرام   
قال جابر  في حديثه الطويل : فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس ، وذهبت الصفرة قليلا حين غاب القرص ، فأردف أسامة خلفه ، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ، ويقول بيده اليمنى : " أيها الناس ، السكينة السكينة " . كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد ، حتى أتى المزدلفة ،  فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا . رواه مسلم    . 
وقال  البخاري    : باب السير إذا دفع من عرفة    . حدثنا عبد الله بن يوسف  ، أنبأنا مالك  ، عن  هشام بن عروة  ، عن أبيه قال : سئل أسامة  وأنا جالس : كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير في حجة الوداع حين دفع ؟ قال : كان يسير العنق ، فإذا وجد فجوة نص . قال هشام    : والنص فوق العنق ورواه الإمام أحمد   [ ص: 584 ] وبقية الجماعة إلا الترمذي  من طرق عدة ، عن  هشام بن عروة  ، عن أبيه ، عن أسامة بن زيد  به . 
وقال الإمام أحمد    : ثنا يعقوب  ، ثنا أبي ، عن ابن إسحاق  ، عن  هشام بن عروة  ، عن أبيه ، عن أسامة بن زيد  قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة    . قال : فلما وقعت الشمس دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما سمع حطمة الناس خلفه قال : " رويدا أيها الناس ، عليكم السكينة ، إن البر ليس بالإيضاع " . قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التحم عليه الناس أعنق ، وإذا وجد فرجة نص ، حتى أتى المزدلفة  فنزل بها فجمع بين الصلاتين ; المغرب والعشاء الآخرة . ثم رواه الإمام أحمد  من طريق محمد بن إسحاق  ، حدثني إبراهيم بن عقبة  ، عن كريب  ، عن أسامة بن زيد  ، فذكر مثله . 
وقال الإمام أحمد    : ثنا أبو كامل  ، ثنا حماد  ، عن قيس بن سعد  ، عن عطاء  ، عن ابن عباس  ، عن أسامة بن زيد  قال : أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة  وأنا رديفه ، فجعل يكبح راحلته حتى إن ذفراها لتكاد تصيب قادمة الرحل ،   [ ص: 585 ] ويقول : " يا أيها الناس ، عليكم السكينة والوقار ، فإن البر ليس في إيضاع الإبل " . وكذا رواه ، عن عفان  ، عن حماد بن سلمة  به ، ورواه  النسائي  من حديث حماد بن سلمة  به . ورواه مسلم  ، عن  زهير بن حرب  ، عن  يزيد بن هارون  ، عن عبد الملك بن أبي سليمان  ، عن عطاء  ، عن ابن عباس  ، عن أسامة  بنحوه . قال : وقال أسامة    : فما زال يسير على هينته حتى أتى جمعا . 
وقال الإمام أحمد    : حدثنا أحمد بن الحجاج  ، ثنا ابن أبي فديك  ، عن ابن أبي ذئب  ، ، عن شعبة  ، عن ابن عباس  ، عن أسامة بن زيد  ، أنه أردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة حتى دخل الشعب ، ثم أهراق الماء وتوضأ ، ثم ركب ولم يصل   . 
وقال الإمام أحمد    : ثنا عبد الصمد  ، ثنا همام  ، عن قتادة  ، عن عزرة  ، عن الشعبي  ، عن أسامة  ، أنه حدثه قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاض من عرفات ،  فلم ترفع راحلته رجلها عادية حتى بلغ جمعا . 
وقال الإمام أحمد    : ثنا سفيان  ، عن إبراهيم بن عقبة  ، عن كريب  ، عن   [ ص: 586 ] ابن عباس  ، أخبرني أسامة بن زيد  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه من عرفة ،  فلما أتى الشعب نزل فبال ، ولم يقل : أهراق الماء . فصببت عليه فتوضأ وضوءا خفيفا ، فقلت : الصلاة . فقال : " الصلاة أمامك " . قال : ثم أتى المزدلفة  فصلى المغرب ، ثم حلوا رحالهم ، وأعنته ثم صلى العشاء . كذا رواه الإمام أحمد  ، عن كريب  ، عن ابن عباس  ، عن أسامة بن زيد  ، فذكره . ورواه  النسائي  ، عن الحسين بن حريث  ، عن سفيان بن عيينة  ، عن إبراهيم بن عقبة  ومحمد بن أبي حرملة  ، كلاهما عن كريب  ، عن ابن عباس  ، عن أسامة    . قال شيخنا أبو الحجاج المزي  في " أطرافه " : والصحيح كريب  عن أسامة    . 
وقال  البخاري    : ثنا عبد الله بن يوسف  ، أنبأنا مالك  ، عن  موسى بن عقبة  ، عن كريب  ، عن أسامة بن زيد  أنه سمعه يقول : دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة ،  فنزل الشعب  فبال ، ثم توضأ فلم يسبغ الوضوء ، فقلت له : الصلاة . فقال : " الصلاة أمامك " . فجاء المزدلفة  فتوضأ فأسبغ ، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ، ثم أقيمت الصلاة فصلى - العشاء - ولم يصل بينهما . وهكذا رواه  البخاري  أيضا ، عن القعنبي  ، ومسلم  ، عن يحيى بن يحيى  ،  والنسائي  عن قتيبة  ، عن مالك  ، عن  موسى بن عقبة  به .   [ ص: 587 ] وأخرجاه من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري  ، عن  موسى بن عقبة  ، أيضا . ورواه مسلم  من حديث إبراهيم بن عقبة  ومحمد بن عقبة  ، عن كريب  كنحو رواية أخيهما  موسى بن عقبة  عنه . 
وقال  البخاري  أيضا : ثنا قتيبة  ، ثنا إسماعيل بن جعفر  ، عن محمد بن أبي حرملة  ، عن كريب  ، عن أسامة بن زيد  أنه قال : ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفات ،  فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعب  الأيسر الذي دون المزدلفة  أناخ فبال ، ثم جاء فصببت عليه الوضوء ، فتوضأ وضوءا خفيفا . فقلت : الصلاة يا رسول الله . قال : " الصلاة أمامك " . فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أتى المزدلفة  فصلى ، ثم ردف الفضل  رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة جمع . قال كريب    : فأخبرني  عبد الله بن عباس  ، عن الفضل  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة    . ورواه مسلم  ، عن قتيبة  ويحيى بن يحيى   ويحيى بن أيوب   وعلي بن حجر  ، أربعتهم عن إسماعيل بن جعفر  به . 
وقال الإمام أحمد    : ثنا  وكيع  ، ثنا عمر بن ذر  ، عن مجاهد  ، عن أسامة بن زيد  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه من عرفة    . قال : فقال الناس : سيخبرنا صاحبنا ما صنع . قال : فقال أسامة    : لما دفع من عرفة  فوقف ، كف رأس راحلته ، حتى   [ ص: 588 ] أصاب رأسها واسطة الرحل أو كاد يصيبه ، يشير إلى الناس بيده : " السكينة السكينة السكينة " . حتى أتى جمعا ، ثم أردف  الفضل بن عباس  ، قال : فقال الناس : سيخبرنا صاحبنا بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال الفضل    : لم يزل يسير سيرا لينا كسيره بالأمس ، حتى أتى على وادي محسر  ،  فدفع فيه حتى استوت به الأرض . 
وقال  البخاري    : ثنا  سعيد بن أبي مريم  ، ثنا إبراهيم بن سويد  ، حدثني  عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب  ، أخبرني  سعيد بن جبير مولى والبة الكوفي  ، حدثني ابن عباس  ، أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجرا شديدا ، وضربا للإبل ، فأشار بسوطه إليهم ، وقال : " أيها الناس ، عليكم بالسكينة ، فإن البر ليس بالإيضاع " . تفرد به  البخاري  من هذا الوجه . وقد تقدم رواية الإمام أحمد  ومسلم  والنسائي  هذا من طريق عطاء بن أبي رباح  ، عن ابن عباس  ، عن أسامة بن زيد    . فالله أعلم . 
وقال الإمام أحمد    : حدثنا إسماعيل بن عمر    . ثنا المسعودي  ، عن الحكم  ، عن مقسم  ، عن ابن عباس  قال : لما أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفات  أوضع الناس ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي : " أيها الناس ، ليس البر بإيضاع الخيل ولا الركاب " . قال : فما رأيت من رافعة يديها عادية ، حتى نزل جمعا . 
وقال الإمام أحمد    : ثنا حسين  وأبو نعيم  ، قالا : ثنا إسرائيل  ، عن   [ ص: 589 ] عبد العزيز بن رفيع  قال : حدثني من سمع ابن عباس  يقول : لم ينزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عرفات  وجمع إلا ليهريق الماء   . 
وقال  الإمام أحمد    : ثنا  يزيد بن هارون  ، أخبرنا عبد الملك  ، عن  أنس بن سيرين  قال : كنت مع ابن عمر  بعرفات ،  فلما كان حين راح رحت معه حتى أتى الإمام ، فصلى معه الأولى والعصر ، ثم وقف معه وأنا وأصحاب لي حتى أفاض الإمام فأفضنا معه ، حتى انتهينا إلى المضيق دون المأزمين ، فأناخ وأنخنا ، ونحن نحسب أنه يريد أن يصلي ، فقال غلامه الذي يمسك راحلته : إنه ليس يريد الصلاة ، ولكنه ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى هذا المكان قضى حاجته ، فهو يحب أن يقضي حاجته . 
وقال  البخاري    : ثنا موسى  ، ثنا جويرية  ، عن نافع  قال : كان عبد الله بن عمر  يجمع بين المغرب والعشاء بجمع غير أنه يمر بالشعب  الذي أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيدخل فينتفض ، ويتوضأ ولا يصلي حتى يجيء جمعا   . تفرد به  البخاري  ، رحمه الله ، من هذا الوجه . 
وقال  البخاري    : ثنا آدم  ، ثنا ابن أبي ذئب  ، عن الزهري  عن سالم بن   [ ص: 590 ] عبد الله  ، عن ابن عمر  قال : جمع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء بجمع ، كل واحدة منهما بإقامة ، ولم يسبح بينهما ، ولا على إثر واحدة منهما . 
ورواه مسلم  ، عن يحيى بن يحيى  ، عن مالك  ، عن الزهري  ، عن سالم  ، عن ابن عمر  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة  جميعا    . 
ثم قال مسلم    : حدثني حرملة  ، حدثني ابن وهب  ، أخبرني يونس  ، عن ابن شهاب  ، أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر  أخبره أن أباه قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع ، ليس بينهما سجدة ، فصلى المغرب ثلاث ركعات ، وصلى العشاء ركعتين ، فكان عبد الله  يصلي بجمع كذلك حتى لحق بالله . 
ثم روى مسلم  من حديث شعبة  ، عن الحكم   وسلمة بن كهيل  ، عن سعيد بن جبير  ، أنه صلى المغرب بجمع والعشاء بإقامة واحدة ، ثم حدث عن ابن عمر  أنه صلى مثل ذلك . وحدث ابن عمر  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثل ذلك   . ثم رواه من طريق الثوري  ، عن سلمة  عن سعيد بن جبير  عن ابن عمر  قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة . 
ثم قال مسلم    : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة  ، ثنا  عبد الله بن نمير  ثنا   [ ص: 591 ] إسماعيل بن أبي خالد  ، عن أبي إسحاق  قال : قال سعيد بن جبير  أفضنا مع ابن عمر  حتى أتينا جمعا فصلى بنا المغرب والعشاء بإقامة واحدة ، ثم انصرف فقال : هكذا صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان   . 
وقال  البخاري    : ثنا خالد بن مخلد  ، ثنا  سليمان بن بلال  ، حدثني يحيى بن سعيد  ، حدثني عدي بن ثابت  ، حدثني  عبد الله بن يزيد الخطمي  ، حدثني  أبو أيوب الأنصاري  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة    . ورواه  البخاري  أيضا في المغازي ، عن القعنبي  ، عن مالك  ، ومسلم  من حديث  سليمان بن بلال   والليث بن سعد  ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري  ، عن عدي بن ثابت  به . ورواه  النسائي  أيضا ، عن الفلاس  ، عن  يحيى القطان  ، عن شعبة  ، عن عدي بن ثابت  به . 
ثم قال  البخاري    : باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما . حدثنا عمرو بن خالد  ، ثنا  زهير بن حرب  ، ثنا أبو إسحاق  ، سمعت عبد الرحمن بن يزيد  يقول : حج عبد الله  ، فأتينا المزدلفة  حين الأذان بالعتمة أو قريبا من ذلك ، فأمر رجلا فأذن وأقام ، ثم صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين ، ثم دعا بعشائه فتعشى ، ثم أمر رجلا فأذن وأقام - قال عمرو    : لا أعلم الشك إلا من زهير    - ثم صلى العشاء ركعتين ، فلما طلع الفجر قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم . قال عبد الله    : هما صلاتان تحولان عن وقتهما ; صلاة المغرب بعد ما يأتي الناس المزدلفة ،  والفجر حين يبزغ   [ ص: 592 ] الفجر . قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله   . وهذا اللفظ ، وهو قوله : والفجر حين يبزغ الفجر . أبين وأظهر من الحديث الآخر الذي رواه  البخاري  ، عن حفص بن عمر بن غياث  ، عن أبيه ، عن الأعمش  ، عن عمارة  ، عن عبد الرحمن  ، عن  عبد الله بن مسعود  قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين ; جمع بين المغرب والعشاء ، وصلى الفجر قبل ميقاتها . ورواه مسلم  من حديث أبي معاوية  وجرير  ، عن الأعمش  به . 
وقال جابر  في حديثه : ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر ، فصلى الفجر حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة . وقد شهد معه هذه الصلاة عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي    . 
قال الإمام أحمد    : ثنا هشيم  ، ثنا ابن أبي خالد  وزكريا  ، عن الشعبي  ، أخبرني عروة بن مضرس  قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بجمع ، فقلت : يا رسول الله ، جئتك من جبلي طيء ،  أتعبت نفسي وأنصبت راحلتي ، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه ، فهل لي من حج ؟ فقال : " من شهد معنا هذه الصلاة - يعني صلاة الفجر - بجمع  ، ووقف معنا حتى نفيض منه ، وقد أفاض قبل ذلك من عرفات  ليلا أو نهارا ، فقد تم حجه وقضى تفثه " . وقد رواه الإمام أحمد  أيضا ، وأهل السنن الأربعة من طرق عن الشعبي  ، عن عروة بن   [ ص: 593 ] مضرس  ، وقال الترمذي    : حسن صحيح . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					