[ ص: 81 ] قصة سقيفة بني ساعدة  
قال  الإمام أحمد    : ثنا إسحاق بن عيسى الطباع ،  ثنا مالك بن أنس ،  حدثني ابن شهاب ،  عن  عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ،  أن ابن عباس  أخبره أن عبد الرحمن بن عوف  رجع إلى رحله - قال ابن عباس    : وكنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف  فوجدني وأنا أنتظره - وذلك بمنى  في آخر حجة حجها عمر بن الخطاب ،  فقال عبد الرحمن بن عوف    : إن رجلا أتى عمر بن الخطاب  فقال : إن فلانا يقول : لو قد مات عمر  بايعت فلانا . فقال عمر    : إني قائم العشية ، إن شاء الله ، في الناس ، فمحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم . قال عبد الرحمن    : فقلت : يا أمير المؤمنين ، لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم ، وإنهم الذين يغلبون على مجلسك إذا قمت في الناس ، فأخشى أن تقول مقالة يطير بها أولئك فلا يعوها ، ولا يضعوها مواضعها ، ولكن حتى تقدم المدينة ;  فإنها دار الهجرة والسنة ، وتخلص بعلماء الناس وأشرافهم ، فتقول ما قلت متمكنا ، فيعون مقالتك ويضعونها مواضعها . قال عمر :  لئن قدمت المدينة  سالما صالحا لأكلمن بها الناس في أول مقام أقومه . فلما قدمنا المدينة  في عقب ذي الحجة ، وكان يوم الجمعة عجلت الرواح صكة الأعمى - قلت لمالك    : وما صكة الأعمى ؟ قال : إنه لا يبالي أي ساعة   [ ص: 82 ] خرج ، لا يعرف الحر والبرد . أو نحو هذا - فوجدت سعيد بن زيد  عند ركن المنبر الأيمن قد سبقني ، فجلست حذاءه تحك ركبتي ركبته ، فلم أنشب أن طلع عمر ،  فلما رأيته قلت : ليقولن العشية على هذا المنبر مقالة ما قالها عليه أحد قبله . قال : فأنكر سعيد بن زيد  ذلك وقال : ما عسيت أن يقول ما لم يقل أحد ؟ فجلس عمر  على المنبر ، فلما سكت المؤذن قام فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد أيها الناس ، فإني قائل مقالة قد قدر لي أن أقولها ، لا أدري لعلها بين يدي أجلي ، فمن وعاها وعقلها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ، ومن لم يعها فلا أحل له أن يكذب علي ، إن الله بعث محمدا  صلى الله عليه وسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل عليه آية الرجم ، فقرأناها ووعيناها وعقلناها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : لا نجد آية الرجم في كتاب الله . فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله ، عز وجل ، فالرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء ; إذا قامت البينة ، أو كان الحبل أو الاعتراف ، ألا وإنا قد كنا نقرأ : لا ترغبوا عن آبائكم ، فإن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم . ألا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :   " لا تطروني كما أطري عيسى بن مريم ،  فإنما أنا عبد ، فقولوا : عبد الله ورسوله " وقد بلغني أن قائلا منكم يقول : لو قد مات عمر  بايعت فلانا . فلا يغترن امرؤ أن يقول : إن بيعة أبي بكر  كانت فلتة . ألا وإنها كانت كذلك ، ألا إن الله وقى شرها ، وليس فيكم اليوم من تقطع إليه الأعناق مثلأبي بكر ،  وإنه   [ ص: 83 ] كان من خبرنا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن عليا  والزبير  ومن كان معهما تخلفوا في بيت  فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  وتخلفت عنا الأنصار  بأجمعها في سقيفة بني ساعدة ،  واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ،  فقلت له : يا أبا بكر ،  انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار    . فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان ، فذكرا لنا الذي صنع القوم فقالا : أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلت : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار    . فقالا : لا عليكم أن لا تقربوهم ، واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين . فقلت : والله لنأتينهم . فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة ،  فإذا هم مجتمعون ، وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل ، فقلت : من هذا ؟ قالوا : سعد بن عبادة  فقلت : ما له ؟ قالوا : وجع . فلما جلسنا قام خطيبهم ، فأثنى على الله بما هو أهله وقال : أما بعد ، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام ، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا ، وقد دفت دافة منكم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويحضنونا من الأمر . فلما سكت أردت أن أتكلم ، وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها بين يدي أبي بكر ،  وقد كنت أداري منه بعض الحد ، وهو كان أحلم مني وأوقر ،   [ ص: 84 ] فقال أبو بكر    : على رسلك . فكرهت أن أغضبه ، وكان أعلم مني وأوقر ، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته وأفضل حتى سكت . فقال : أما بعد ، فما ذكرتم من خير فأنتم أهله ، ولم تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ;  هم أوسط العرب نسبا ودارا ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم . وأخذ بيدي ويد  أبي عبيدة بن الجراح ،  فلم أكره مما قال غيرها ، وكان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر ،  إلا أن تغير نفسي عند الموت ، فقال قائل من الأنصار    : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش    - فقلت لمالك    : ما يعني أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ؟ قال : كأنه يقول : أنا داهيتها - قال : فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى خشيت الاختلاف . فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر    . فبسط يده ، فبايعته وبايعه المهاجرون ، ثم بايعه الأنصار ،  ونزونا على سعد بن عبادة ،  فقال قائل منهم : قتلتم سعدا    . فقلت : قتل الله سعدا    . قال عمر    : أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمرا هو أوفق من مبايعة أبي بكر ،  خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة ، فإما أن نبايعهم على ما لا نرضى ، وإما أن نخالفهم فيكون فيه فساد ، فمن بايع أميرا عن غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ، ولا بيعة للذي بايعه تغرة أن يقتلا . قال مالك    : فأخبرني ابن شهاب ،  عن عروة  أن الرجلين   [ ص: 85 ] اللذين لقياهما : عويم بن ساعدة   ومعن بن عدي    . قال ابن شهاب    : وأخبرني  سعيد بن المسيب  أن الذي قال : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب . هو الحباب بن المنذر  وقد أخرج هذا الحديث الجماعة في كتبهم ، من طرق عن مالك  وغيره ، عن الزهري  به . 
وقال  الإمام أحمد    : حدثنا معاوية بن عمرو ،  ثنا زائدة ،  ثنا عاصم ،    ( ح ) وحدثني حسين بن علي ،  عن زائدة ،  عن عاصم ،  عن زر ،  عن  عبد الله - هو ابن مسعود -  قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار    : منا أمير ومنكم أمير . فأتاهم عمر  فقال : يا معشر الأنصار  ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر  أن يؤم الناس ؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر ؟  فقالت الأنصار    : نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر    . ورواه  النسائي ،  عن إسحاق بن راهويه   وهناد بن السري ،  عن  حسين بن علي الجعفي ،  عن زائدة  به . ورواه  علي بن المديني ،  عن حسين بن علي ،  وقال : صحيح لا أحفظه إلا من حديث زائدة ،  عن عاصم    . وقد رواه  النسائي  أيضا من حديث سلمة بن نبيط ،  عن نعيم بن أبي هند ،  عن نبيط بن شريط ،  عن سالم بن عبيد ،  عن عمر  مثله . وقد   [ ص: 86 ] روي عن عمر بن الخطاب  نحوه من طرق أخر . 
وجاء من طريق محمد بن إسحاق ،  عن عبد الله بن أبي بكر ،  عن الزهري ،  عن عبيد الله بن عبد الله ،  عن ابن عباس ،  عن عمر ،  أنه قال : قلت : يا معشر المسلمين ، إن أولى الناس بأمر نبي الله ثاني اثنين إذ هما في الغار ; أبو بكر  السباق المبين . ثم أخذت بيده ، وبدرني رجل من الأنصار  فضرب على يده قبل أن أضرب على يده ، ثم ضربت على يده وتتابع الناس . 
وقد روى محمد بن سعد ،  عن  عارم بن الفضل ،  عن حماد بن زيد ،  عن يحيى بن سعيد ،  عن  القاسم بن محمد ،  فذكر نحوا من هذه القصة ، وسمى هذا الرجل الذي بايع الصديق قبل عمر بن الخطاب ،  فقال : هو بشير بن سعد  والد النعمان بن بشير  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					