[ ص: 411 ] ذكر شعره عليه الصلاة والسلام  
قد ثبت في " الصحيحين " من حديث الزهري ،  عن عبيد الله بن عبد الله ،  عن ابن عباس  قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ، وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم ، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم ، فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم فرق بعد   . 
وقال الإمام أحمد    : ثنا حماد بن خالد ،  ثنا مالك ،  ثنا زياد بن سعد ،  عن الزهري ،  عن أنس  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سدل ناصيته ما شاء أن يسدل ، ثم فرق بعد   . تفرد به من هذا الوجه . 
وقال محمد بن إسحاق ،  عن محمد بن جعفر بن الزبير ،  عن عروة ،  عن عائشة  قالت : أنا فرقت لرسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ؛ صدعت فرقه عن يافوخه ، وأرسلت ناصيته بين عينيه   . 
قال ابن إسحاق  وقد قال لي محمد بن جعفر بن الزبير ،  وكان فقيها مسلما : ما هي إلا سيما من سيما الأنبياء ، تمسكت بها النصارى من بين الناس . 
 [ ص: 412 ] وثبت في " الصحيحين " عن البراء  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضرب شعره إلى منكبيه   . وجاء في الصحيح عنه ، وعن غيره : إلى أنصاف أذنيه . ولا منافاة بين الحالين ، فإن الشعر تارة يطول ، وتارة يقصر منه ، فكل حكى بحسب ما رأى . 
وقال أبو داود    : ثنا ابن نفيل ،  ثنا ابن أبي الزناد ،  عن  هشام بن عروة ،  عن أبيه ، عن عائشة  قالت : كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة   . وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام حلق جميع رأسه في حجة الوداع . وقد مات بعد ذلك بأحد وثمانين يوما صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين . 
وقال يعقوب بن سفيان    : ثنا عبد الله بن مسلمة  ويحيى بن عبد الحميد ،  قالا : ثنا سفيان ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  قال : قالت أم هانئ    : قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة  قدمة وله أربع غدائر   . تعني ضفائر . ورواه الترمذي  من حديث سفيان بن عيينة    . 
 [ ص: 413 ] وثبت في " الصحيحين " من حديث ربيعة ،  عن أنس  قال بعد ذكره شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه ليس بالسبط ولا بالقطط . قال : وتوفاه الله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء   . 
وفي " صحيح  البخاري    " من حديث أيوب ،  عن ابن سيرين ،  أنه قال : قلت لأنس    : أخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : إنه لم ير من الشيب إلا قليلا    . وكذا روى هو ومسلم  من طريق حماد بن زيد ،  عن ثابت ،  عن أنس    . 
وقال حماد بن سلمة  عن ثابت    : قيل لأنس    : هل كان شاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : ما شانه الله بالشيب ، ما كان في رأسه إلا سبع عشرة أو ثماني عشرة شعرة   . 
وعند مسلم  من طريق المثنى بن سعيد ،  عن قتادة ،  عن أنس  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختضب ، إنما كان شمط عند العنفقة يسيرا ، وفي الصدغين يسيرا ، وفي الرأس يسيرا   . 
وقال  البخاري    : ثنا أبو نعيم ،  ثنا همام ،  عن قتادة  قال : سألت أنسا    : هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ، إنما كان شيء في صدغيه . 
 [ ص: 414 ] وروى  البخاري ،  عن عصام بن خالد ،  عن حريز بن عثمان  قال : قلت  لعبد الله بن بسر السلمي    : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكان شيخا ؟ قال : كان في عنفقته شعرات بيض   . وتقدم عن  جابر بن سمرة  مثله . 
وفي " الصحيحين " من حديث أبي إسحاق ،  عن  أبي جحيفة  قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه منه بيضاء . يعني عنفقته   . 
وقال يعقوب بن سفيان    : ثنا عبد الله بن عثمان ،  عن  أبي حمزة السكري ،  عن  عثمان بن عبد الله بن موهب القرشي  قال : دخلنا على أم سلمة ،  فأخرجت إلينا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو أحمر مصبوغ بالحناء والكتم   . رواه  البخاري ،  عن موسى بن إسماعيل ،  عن  سلام بن أبي مطيع ،  عن عثمان بن عبد الله بن موهب ،  عن أم سلمة  به . 
وقال  البيهقي    : أنا أبو عبد الله الحافظ ،  ثنا  أبو العباس محمد بن يعقوب ،  ثنا  محمد بن إسحاق الصغاني ،  ثنا يحيى بن أبي بكير ،  ثنا إسرائيل ،  عن  عثمان بن موهب  قال : كان عند أم سلمة  جلجل من فضة ضخم ، فيه من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا أصاب إنسانا الحمى بعث إليها   [ ص: 415 ] فخضخضته فيه ، ثم ينضحه الرجل على وجهه . قال فبعثني أهلي إليها فأخرجته ، فإذا هو هكذا - وأشار إسرائيل  بثلاث أصابع - وكان فيه خمس شعرات حمر   . رواه  البخاري ،  عن مالك بن إسماعيل ،  عن إسرائيل  عن عثمان  به . 
وقال يعقوب بن سفيان    : ثنا أبو نعيم ،  ثنا عبيد الله بن إياد ،  حدثني إياد ،  عن أبي رمثة  قال : انطلقت مع أبي نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأيته قال : هل تدري من هذا ؟ قلت : لا قال : إن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فاقشعررت حين قال ذلك ، وكنت أظن أن رسول صلى الله عليه وسلم شيء لا يشبه الناس ، فإذا هو بشر ذو وفرة بها ردع من حناء ، وعليه بردان أخضران   . ورواه أبو داود   والترمذي   والنسائي  من حديث  عبيد الله بن إياد بن لقيط ،  عن أبيه ، عن أبي رمثة ، واسمه حبيب بن حيان ،  ويقال : رفاعة بن يثربي    . وقال الترمذي    : غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن إياد    . كذا قال . 
وقد رواه  النسائي  أيضا من حديث  سفيان الثوري   وعبد الملك بن عمير ،  كلاهما عن إياد بن لقيط به  ببعضه . ورواه يعقوب بن سفيان   [ ص: 416 ] أيضا ، عن محمد بن عبد الله المخرمي ،  عن  أبي سفيان الحميري ،  عن الضحاك بن حمزة ،  عن غيلان بن جامع ،  عن إياد بن لقيط عن أبي رمثة  قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب بالحناء والكتم ، وكان شعره يبلغ كتفيه أو منكبيه   . 
وقال أبو داود    : ثنا عبد الرحيم بن مطرف أبو سفيان ،  ثنا عمرو بن محمد ،  أنا ابن أبي رواد ،  عن نافع ،  عن ابن عمر ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس النعال السبتية . ويصفر لحيته بالورس والزعفران ، وكان ابن عمر  يفعل ذلك . ورواه  النسائي ،  عن عبدة بن عبد الرحيم المروزي ،  عن عمرو بن محمد العنقزي به .  
وقال الحافظ  أبو بكر البيهقي    : أنا أبو عبد الله الحافظ ،  ثنا  أبو الفضل محمد بن إبراهيم ،  ثنا الحسين بن محمد بن زياد ،  ثنا إسحاق بن إبراهيم ،  ثنا   [ ص: 417 ]  يحيى بن آدم ،    ( ح ) وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل ،  أنا عبد الله بن جعفر ،  أنا يعقوب بن سفيان ،  حدثني أبو جعفر محمد بن عمر بن الوليد الكندي الكوفي ،  ثنا  يحيى بن آدم ،  ثنا شريك ،  عن عبيد الله بن عمر ،  عن نافع ،  عن ابن عمر  قال : كان شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من عشرين شعرة   . وفي رواية إسحاق    : رأيت شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من عشرين شعرة بيضاء في مقدمه   . 
قال  البيهقي    : وحدثنا أبو عبد الله الحافظ ،  ثنا أحمد بن سلمان الفقيه ،  ثنا  هلال بن العلاء الرقي ،  ثنا حسين بن عياش الرقي ،  ثنا جعفر بن برقان ،  ثنا  عبد الله بن محمد بن عقيل  قال : قدم أنس بن مالك  المدينة   وعمر بن عبد العزيز  وال عليها ، فبعث إليه عمر ،  وقال للرسول : سله هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإني رأيت شعرا من شعره قد لون ؟ فقال أنس    : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد متع بالسواد ، ولو عددت ما أقبل علي من شيبة في رأسه ولحيته ما كنت أزيدهن على إحدى عشرة شيبة ، وإنما هذا الذي لون من الطيب الذي كان يطيب به شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي غير لونه   . 
قلت : ونفي أنس  للخضاب معارض بما تقدم عن غيره من إثباته ، والقاعدة المقررة أن الإثبات مقدم على النفي ؛ لأن المثبت معه زيادة علم ليست عند النافي . وهكذا إثبات غيره لأزيد مما ذكر من الشيب مقدم ، لا سيما عن   [ ص: 418 ] ابن عمر  الذي المظنون أنه تلقى ذلك عن أخته أم المؤمنين حفصة ،  فإن اطلاعها أتم من اطلاع أنس ؛  لأنها ربما أنها فلت رأسه الكريم عليه الصلاة والسلام . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					